في ذكرى السابع من أكتوبر، أشهد أن هذا الجيل الجديد كان له دورٌ فاعل في معركة الرواية ليس بالسكوت، بل بالكلمة الصادقة، بالصورة الدقيقة، بالفكر المقاوم، وبالإيمان العميق بعدالة قضيته.
لقد تحوّل من متلقٍ إلى صانعٍ للوعي، من متابعٍ إلى شاهدٍ ومؤثرٍ وصاحب رسالة. هو الجيل الذي استعاد حقّنا في أن نحكي قصّتنا نحن، بلغاتٍ عدّة، وبصوتٍ واحدٍ لا يساوم على الحقيقة.
هو الجيل الذي حرّك الضمير الإنساني، وكشف للعالم وحشية الكيان المحتل، حتى وجد الكيان نفسه في عزلة غير مسبوقة، تتكاثر خسائره كل يوم، ماديةً كانت أم معنويةً أم أخلاقية.
لقد كان السابع من أكتوبر صحوةً في ضمير العالم، ومحطةً فاصلةً جعلت الشعوب ترى الحقيقة كما هي: احتلالٌ غاشم، وعدوانٌ لا يعرف الرحمة، وكيانٌ تهاوت صورته في العقول والقلوب.
السابع من أكتوبر لم يكن يوماً عابراً في التاريخ، بل كان زلزالَ وعيٍ هزّ الضمير العالمي وأيقظ أمةً بأسرها.
هو اليوم الذي أعلن فيه صفوةٌ من أبطال الأمة أن الكرامة أغلى من الحياة، وأنّ الحق لا يُنسى ولو مرّت عليه عشرات السنين. من رحم الألم ودماء الشهداء تولد البشائر، ومن تحت الركام تُزهر الحكاية من جديد.
هل رأيتم كيف تقاوم أرضٌ لم يبقَ فيها حجرٌ على حجر؟ ذلك الوعي الذي اشتعل في السابع من أكتوبر لن ينطفئ، لأن فلسطين ليست قضية جيلٍ، بل عهدُ تحريرٍ إلى يوم القيامة.
وقد قال الشهيد رفعت العرعير: “إذا كان لابد أن أموت، فلابد أن تعيش أنت لتروي حكايتي.”
ليست تلك كلمات وداع، بل سطراً من كتاب الخلود، نُقِشَ بالحرف الأخير من دم الشهداء.
فالشهداء لا يُغيبهم الموت، بل يرفعهم إلى موضعٍ أعلى من الحياة، حيث تظل أرواحهم تسري في وجدان الأمة، توقظ النائم، وتبث في القلوب وعدَ الله الذي لا يُخلف.
في السابع من أكتوبر لم يُختَم فصلٌ من الحكاية، بل انفتح بابُها الأبديّ:
قصةُ وطنٍ ما خضع، وشعبٍ ما خمد، وأمّةٍ كلما جُرحت تذكّرت أن الجرح طريق النور.
ولئن ماتوا اليوم، فقد تركوا فينا الحياة التي لا تموت، ولئن غابوا عن الأرض، فإنّ السماء تشهد أن الحكاية مستمرّة… حتى تعود فلسطين حرّةً أبيّةً كما كُتِبَت في وعد الله الأول. وما تعرّض له أهل غزة وفلسطين من ظلمٍ وعدوان، له في ميزان المؤمنين من الأجر والمكانة ما يحسده عليه الكافر ويتمنّاه المؤمن. فكلّ دمعةٍ سالت، وكلّ بيتٍ تهدّم، وكلّ قلبٍ صبر، هي في حساب الله رِفعةٌ وفضلٌ عظيم، جعلت من الألم طريقاً إلى النور، ومن الصبر مكانةً أعظم يوم القيامة.
رحمةٌ وسلامٌ على شهداء الأمة وصفوة مرابطيها النبلاء، وسلامٌ على هذا الجيل الذي بدأ التحوّل، وأعاد للأمة وعيها وكرامتها. فحين يمتلك الشباب الهمة والرؤية الواضحة، فإن تحريرها كلها قريبٌ ولو بعد حين.