العمل الصالح في الإسلام له بركته، يتبعه خير قد يعلمه صاحبه وقد يخفى عليه، لكنه يبلغ في الدنيا مدى أوسع بكثير مما أراده من عمله.
يُبارك الله في الصدقة، ويمتد نفعها لصاحبها بالخير في ماله وصحته وحياته. ويُبارك الله في صلة الرحم، فيقع نفعها على الرزق والعمر. ويُبارك الله في الإعداد للقتال، فيحلّ الرهْب والرعب في نفوس الأعداء الذين نعلمهم، ويتعدى للذين لا نعلمهم. والسلسلة ممتدة لأعمال البر التي لا ينحصر نفعها في الخير المباشر الذي جاءت به، بل يتجاوزه إلى خيرات كثيرة ببركة من الله.
قافلة الصمود باب كبير من الخير، ومتتالية تتضاعف فيها الصالحات كلما مضت. إذا تأملت مشهداً واحداً من مشاهد القافلة اليوم بليبيا، تستطيع أن تُعدد الكثير من أبواب الإحسان والنفع الذي يترتب عنها.
تُعلّمنا القافلة ألا "نُحقّر من المعروف شيئاً"، وأن الفكرة التي بدأت في ذهن رجل واحد صارت مشروعاً حرّك الآلاف لنصرة القضية وإعادتها إلى المشهد الإسلامي والعالمي.
وتُعلّمنا القافلة أن خلف الواقع الذي عمّه السكون والتخاذل يوجد خير كامن ينتظر التحريك والمبادرة. فأعداد المشيعين للقافلة بصفاقس وقابس ومدنين، والكرم الكبير الذي حظيت به القافلة في الزاوية وزليتن وتاجوراء ومصراتة، لم يكن احتفاءً فارغاً من المعنى؛ ولكنه كان مرتبطاً بكون الوفود متجهة نحو غزة وفلسطين، إكراماً من الشعوب التي وجدت في القافلة تعبيراً حيّاً يعكس رغباتها ومشاعرها اتجاه القضية، وفرصة مباشرة لها لإسناد إخواننا في غزة.
وتُعلّمنا القافلة أن الوسع أكبر مما نعتقد، وأن من يتجهون الآن نحو غزة لم يكن يخطر في أذهانهم قبل أشهر أنهم سيخوضون هذه الرحلة المختلفة، وأن بين أيدينا ما يمكن فعله لو فكرنا "خارج الصندوق"، مثلما دعا لذلك قادة المقاومة مراراً.
وتُعلّمنا القافلة أن الخير يُعدي ويتكاثر، فمشروع واحد تحوّل بفضل الله إلى طوفان من الحركة والتفاعل والإحسان الذي حفّ القافلة ذاتها، وانتقل لأبعد منها في تحريك مشاريع الإغاثة والتضامن الشعبي والمواقف الرسمية.
الفرصة اليوم سانحة أكثر لدعم هذه المبادرة، وإطلاق مشاريع ومبادرات جديدة لها أبعاد وأهداف أوسع وأعمق، تدفع نحو استمرار هذه اليقظة وتقوية اتّقاد شعلة الأمة نحو النصر بإذن الله. نسأل الله أن يُبارك في هذه القافلة ومن فيها ويتقبل منهم، وأن يمدّ خيرها مدّاً، إنه على كل شيء قدير.