يثير هذا الترامب زوابعه في كل مكانٍ، لأن عقله تحرّكة سُوسة تاجرٍ مُرابٍ، يتجوّل بعصابته المفتولة العضلات في أسواق المناطق ومناجمها.

يظنّ هذا المتعالي أنَّ حال عساكره إن جاءت إلينا سيكون أفضل مِن حال النتن الذي تمرّغ شرف عسكره في رمال بلادنا الحرّة، وأُخذوا مِن آذانهم إلى باطن الأرض المكشوفة دهرًا، ويغفل الترامب عن التاريخ القريب لهزائم حملات جيوش بلاده في منطقتنا وانسحابهم مُهانين.

يظن الترامب أنه بقوّته سيفرض أجندته على المنطقة، لأنه يفترض أنهم قد أخضعوا جميع حكّامها وأتبعوهم لهم، وهو يغفل عن حقيقةٍ كبيرةٍ أنَّ هؤلاء الحكّام تخافهم شعوبهم الغاضبة، وأنَّ هذه الشعوب لن تحتمل منهم التفريط في السيادة، وسيكسرون قشرة الخوف الحاجزة لا محالة، وسيتعيّن الخروج عليهم فور إعلان ولائهم وخضوعهم للترامب، وأكادُ أجزم أنَّ حكّام المنطقة لا خيار لهم سوى أن يرفضوا؛ باستخدام كل أدواتهم، وسيتحالفون مع كل متضرر لتأخير مشروع ترامب حتى تقترب ولايته من نهاياتها.   

هذا الترامب لا يحمل مكر السياسيين، ولا ملاطفاتِ دبلوماسيةِ رجال المخابرات، بل هو تاجرٌ نزقٌ، لئيمُ الطَّبع، يستعدي كل التّجار اللؤماء والطماعين الذين يعتاشون في منطقتنا، كما يستعدي دولاً كبيرةً ذات مصالح وافرة فيها، ومهما بلغت قوّة أطماعه فإنَّ أطماع الآخرين إذا اجتمعت عليه ستكون أشد وأمنَع.

ليس أمام حكّام المنطقة الآن أن يستمروا في طريقتهم العرجاء في المناورة والاستخذاء واللعب تحت الطاولة وممارسة الألعاب البهلوانية واستخدام أشكال الدعاية الغوغائية، وخيارهم الوحيد أن يعيدوا التفكير في مربّعات القوة التي فرّطوا فيها أو تجاهلوها أو حاربوها في شعوبهم، وليس أمامهم فرصة زمنية كبيرة لتأخير إعادة البناء الداخلي وتحصين بلادهم، وإلا فإن الطوفان سيبتلعهم، لاسيما أنهم شبه غرقى في أصل حالهم.

ولطالما كان عدوّنا الوغد يقاتل بمددٍ غير منقطعٍ مِن هؤلاء القادمين مِن أعالي البحار، فأيّ زيادة يبتغيها قوم النتن مِن مجيء قوةٍ كبيرةٍ إلى موضعٍ يعدّونه مِن أرض وعدهم، وإنني لأحسب أنهم هم أكثر خوفًا مِن حكّام المنطقة، وستتحوّل اللقمة التي وضعوها في أفواههم إلى غصّة شوكيّة، إذ إنَّهم بوجودهم العسكريّ الموعود في المنطقة سيقومون بأعمالهم وحدهم، دون الحاجة إلى شريكٍ، وسيقل الاعتماد على حلفائهم والاهتمام بهم على حساب حلفاء آخرين وزبائن جدد، ولا تستبعد أن يتخذوهم أعداء بعد ذلك.

وكما سقطت صفقة قرن ترامب مِن قبلُ بطوفانٍ، فإنَّ الطوفان ما زال يمدّ موجه، ويرسل تيّاره، وستجتمع سيوله في مجرىً عظيمٍ، ويقضي الله أمرًا كان مفعولاً.