الاحتفاء العربي والإقليمي بالموقف الذي عبّرت عنه حركة حماس لم يكن مرتبطًا بالموقف نفسه بقدر ما كان مرتبطًا بتقبّل الولايات المتحدة لهذا الرد، والأهم من ذلك تفسيرها له. وذلك لأن إدارة ترامب فهمت أن المقاومة ستُفرِج عن الأسرى الإسرائيليين في الساعات الأولى من الاتفاق، ثم تتفاوض لاحقًا على النقاط المتبقية. وعلى ضوء ذلك، لا بد من بعض النقاط التوضيحية:
أولًا: قدّمت الإدارة الأمريكية للمقاومة الفلسطينية، عبر الوسيط القطري، في التاسع من سبتمبر الماضي، مقترحًا يتكوّن من أربع نقاط، تنصّ بشكل واضح على ضرورة أن تُفرِج المقاومة عن جميع الأسرى خلال 48 ساعة، ومن ثمّ يتم التفاوض على القضايا اللاحقة المرتبطة بالسلاح والعفو وإعادة تعريف حركة حماس خلال الستين يومًا التالية.
ثانيًا: هذا يعني أن جوهر المقاربة الأمريكية يقوم على أساس إخراج الأسرى من معادلة “التفاوض” في الساعات الأولى للاتفاق، بحيث لا تكون في يد المقاومة أي أوراق قوة، ليتم إجبارها لاحقًا على القبول بالشروط التي سيضعها الاحتلال لإنهاء الحرب على غزة. وإن لم تقبل بذلك، فستكون هناك “شرعية” لاستئناف الحرب وبدء تنفيذ بنود الاتفاق ونشر القوات الدولية، وفقًا للبند السابع عشر من المقترح، الذي ينصّ بشكل واضح على أن رفض حماس لن يوقف تنفيذ المخطط.
ثالثًا: هناك محاولة واضحة لتضليل الحركة ودفعها إلى تسليم الأسرى من دون ضمانات حقيقية، إذ إن التعويل الأمريكي هذه المرة ليس على الضغط العسكري، بل على الضغوط الإقليمية والسياسية، بنوعيها الناعمة والخشنة، وعلى التلاعب والتضليل.
رابعًا: المثير للسخرية أن بعض الأصوات تدعو المقاومة إلى التفريط بورقة الأسرى، بحجة أنها أصبحت عبئًا عليها. فإذا كانت كذلك، فلماذا يستنفر الرئيس الأمريكي جهده ويُضيّع وقته في التفاوض مع الحركة؟! التي يزعم أنه جرى القضاء على معظم مقدراتها وقادتها، ورقة الأسرى لا تزال حاضرة في حسابات الرئيس الأمريكي وهي ورقة التأثير الوحيدة على الحسابات الداخلية الإسرائيلية، والسبب المركزي الذي يدفع الإسرائيليين لتأييد إنهاء الحرب وفقاً لشروط المقاومة.
خامسًا: بعد أن يتم تسليم الأسرى، لن تكون هناك حاجة للتعاطي الرسمي مع وفود الحركة التفاوضية، ولا حتى لوجود طرف فلسطيني مقابل أصلًا، لأن الحلّ الذي يُجرى تصميمه للقضية يتجاوز الفلسطينيين، وسيعمل الأمريكيون على فرضه من خلال أدواتهم الإقليمية والضغوط التي ستسير في اتجاهٍ واحد.
سادسًا: ما حدث خلال اليومين الماضيين من استمرار القصف والاستهداف، رغم تحذير ترامب وادعائه وقف الحرب، ليس سوى مؤشر ميداني وسياسي على كيفية تفسير الاحتلال لمفهوم “وقف الحرب” أثناء وجود جيشه في معظم مناطق القطاع، حيث سيواصل ما يسمّيه “العمليات الدفاعية” وتأمين قواته المنتشرة في أكثر من 50٪ من أراضي القطاع.