السؤال الذي لم يتبادر إلى الأذهان.. إلا قلة قليلة هو يعبر عن زاوية نظر أخرى لفلسطين.. سؤال لا يبحث عن جواب: لماذا الطوفان؟! بل هو سؤال: لماذا تأخرنا؟.. في الحقيقة وفي قياس حركة الأحداث وزخم المقاومة.. نجد أنها وعلى الرغم من بقائها مشتعلة طيلة قرن كامل، لكنها لم تكن بنفس الوتيرة وهذا الأمر له عوامل كثيرة وأسباب أخطرها هو حالة التدجين والتطبيع التي اخترقت وعي المجتمع الفلسطيني وجموع داعميه ومؤيديه من عمق عربي يعاني نفسَ الأزمات ومن نفس المصدر المتسبب بحالة عدم الاستقرار.
والتطبيع هنا مقصود به التكيف والتعايش مع الواقع والظروف، وتسرب فكرة خطيرة جدًا ندفع ثمنها باهظًا جدًا الآن وهي "التساكن مع العدو" على اعتباره عدوًّا ساكنًا، متجاهلين حركته النشطة في الاستيطان والمهمة السهلة في قضم الأراضي وتفتيت المجتمع جغرافيًا وسياسيًا وخلق وقائع جديدة تزيد الخناق على صاحب الأرض وصولًا إلى إتمام خطة الحسم، دون حراك جاد مناهض وقادر على تحقيق اختراق مضاد في وعي العدو كما فعلت انتفاضة الأقصى بل على العكس، مع الوقت تطبع في أذهان طبقات واسعة من المجتمع عبثية الانتفاضة على اعتبارها حالة استنزاف غير متكافئة وسقوفًا عالية حالمة يستحيل تحقيقها، مع إغفال ربما غير متعمد أو مقصود لتسلسل الأحداث الذي كانت انتفاضة الأقصى تفجيرًا لمرحلة جديدة فيه بعد انهيار كل الوعود بدولة فلسطينية، وعودة الشهيد الرمز أبو عمار من كامب ديفيد بقناعة لم تكن لديه حين توقيع أوسلو..
وبالعودة للسؤال، لماذا تأخرنا؟ أو هل تأخرنا فعلًا؟ وهو سؤال يقيم الحجة على الكل الفلسطيني "عدا غزة" عن التأخر ليس فقط في قراءة الأحداث بشكل واضح ودقيق، بل في التفاعل معها، والشعور بخطورة كل لحظة تمضي تزيد فيها مساحة نفوذ وهيمنة العدو، في الوقت الذي تتسع فيه أطباقنا الشعبية وتدخل موسوعة جينيس!..
"لا يمكن التساكن مع عدو غير ساكن" هذه قاعدة فيزيائية قبل أن تكون سياسية، وبالتالي نحن كنا ولا زلنا أمام تحديين خطيرين طوال الوقت، تحدي الوضع الراهن وتحدي الوضع الذي يتشكل مع الوقت في المستقبل القريب والبعيد.
من يلوم المقاومة، يلوم فعلها وسلوكها، في حين إن حقائق التاريخ توجه الاتهام دائمًا ليس للفاعل المجتهد وإن أخطأ وراكم الخبرة وتجاوز الأخطاء، بل المتقاعس الخامل، المتساكن، المطبع، المتعايش مع كل ما يدور من حوله من متغيرات هو فيها يستسهل دور المتفرج أو بالكثير المتكيف مع التغيرات دون أي احتكاك خشن يحافظ على وضعه الراهن حتى! مع التأكيد على أن التاريخ لم يسجل انتصار شعب محتل بفارق القوة المادية، بل الصمود والثبات وطول النفس.
لذلك سنبقى نقولها أيًا كانت الظروف، ما جرى أعادنا جميعًا إلى الطريق الصحيح، وهذا مبعث اطمئناني الشخصي ويقيني بأننا لطالما نرفض ونقاوم التطبيع والتساكن مع عدو لا يسكن ولا يهدأ.. فنحن حتمًا نسير في الاتجاه الصحيح. حتى وإن كان جواب السؤال.. نعم لقد تأخرنا! المهم أن تفعل.. فالصمت والسكون خيانة للقضية والذات الحاضر والمستقبل.