هل مللتم من الطعام؟ تأمّلوا معي الآية الكريمة من سورة البقرة (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)[سورة البقرة: الآية61]
في هذه الآية طلب بنو اسرائيل الذين اتبعوا سيدنا موسى ونجاهم الله من الغرق لاتباعهم الحق- طلبوا من نبيهم موسى أن يدعو الله أن ينبت لهم من البقل-وهو النبات الذي لا ساق له كالخس والفجل- والقثاء- نبات يشبه الخيار- والفوم والبصل والعدس، مع أن الله أعطاهم طعام 'المن والسلوى" - جزاءً لصبرهم- هذا الطعام الذي كان ينزل عليهم كل يوم من السماء، أي أنه طعام "خمس نجوم" إن صحّ التعبير في وقتنا الحالي.
فلماذا طلب بنو اسرائيل استبدال ما هو أدنى (الفوم و البصل و العدس) بما هو أعلى ( المن والسلوى)؟
أهو بسبب نمط المعيشة التي كانوا يعيشون بها؟ إذ كان أغلبهم فقراء مزارعون لا يأكلون إلا من خشاش الأرض - فأخلدوا إلى ما تعوّدوا عليه منذ صغرهم و لم يعجبهم الطعام ' الخمس نجوم' وكأن موضوع التعوّد على أيّ شيء في هذا الكون من الشيء المذموم حتى لو كان طعامًا، أم هو عناد النفس والكبر والإسراف والبطر والتّرف عند رؤية النعم؟ فتُصبح النفس تطلب المزيد دائمًا، وبِنَهَم دون تفكير أو تدبير.
فما هو المن والسلوى الذي نأكله الآن؟ أهو "الكافيار"؟ أم الأكلات البحرية؟ أم السوشي؟ أم الأكلات الأوروبية التي تلمع عينك إذا رأيتها من جمال ألوانها ورائحتها العجيبة؟ أم اللحم البلدي المطبوخ والمقدّم بطريقة كلاسيكية ذات ذوق رفيع؟
و ماذا عن العدس والبصل والثوم والبقل والقثاء؟، أليست هذه الأنواع من أرخص أنواع الطعام؟ ألا نعتبرها من "أردأ" أنواع الطعام؟ ( ونستغفر الله على ذلك)
فماذا قال لهم الله بعد ان بطروا بالنعمة "وملُّوا " من المنّ والسلوى؟ (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ)[سورة البقرة الآية: 61]
ونحن في وقتنا هذا وقد كثُرت الوصفات والأكلات وتنوعت مسابقات الطبخ وأصبحت "طبخة اليوم" أكبر همنا، لا بل قد تكون أهم خلافاتنا.
و بعد كلّ هذا الإسراف أصبح هناك أطباء لقص المعدة، وتغيير مسار الطعام، وأصبحت السمنة المفرطة من أكبر مسببات أمراض الضغط والسكري.. لماذا؟ لأن لسان حالنا يقول "لن نصبر على طعام واحد" ألم يقلها أقوام قبلنا فأصبحوا بما قالوا نادمين؟
وصدق رسول الله اذ قال: "مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لقيمات يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ".