قال الله تعالى: "تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [البقرة: 134].
لا يجوز الاستدلال بهذه الآية على عدم دراسة التاريخ والإفادة منه، وتصويب من أصاب وتخطئة من أخطأ! فالآية تتحدث عن أن اللاحق لا علاقة له بأعمال السابقين من حيث الجزاء الأخروي والمسؤولية عن العمل في الدنيا.
لا أحد فوق المناقشة مهما كان فضله! آن الأوان أن نرتقي، فنفرق بين الاعتراف بالفضل وبين ضرورة مراجعة ومناقشة الأفاضل فيما يفعلون! وهذه القاعدة لا يُستثنى منها لا الصحابة ولا آل البيت، رضي الله عن الجميع.
نتيجة أحداث معينة في التاريخ الإسلامي، بالغ جميع الأطراف في بعض القضايا؛ فبالغ الشيعة في آل البيت، بل ومنحوهم صفات لا تليق إلا بالأنبياء، بل وأعلى من الأنبياء! وفي المقابل، بالغ أهل السُّنة في الصحابة وإن لم تصل مبالغتهم فيهم حد مبالغات الشيعة في آل البيت وصار مناقشة ما صدر عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من المحرمات! حتى إنهم توقفوا عن تخطئة معاوية فيما قام به مع علي، رضي الله عنه، ثم الفعل الأعظم الذي عاشت الأمة آثاره منذ 60 هجرية وإلى الآن! أعني التوريث، وتحويل الأمة إلى قطيع تحكمهم نُطَفُ العائلات!!!
إذا كان الله سبحانه قد سجل لنا أخطاء الأنبياء أو لمن يتحسس من هذه الجملة، سجل لنا خلاف الأولى من أفعال الأنبياء فما بالك بمن هو دونهم؟!!
قرر القرآن أن حركة الأنبياء في اشتباكهم مع الواقع محلُّ عبرة، ولا عبرة دون دراسة، ولا دراسة بلا مراجعة، ولا معنى للمراجعة الخالية من التصويب والتخطئة.
ومن أعجب العجب قول من يقول: إننا لا يجب أن نُحَمِّل واقع اللحظة الحالية على تراكمات اللحظات التاريخية!!! إننا إذا تورعنا أو سَمِّها كما شئت عن دراسة التراكم التاريخي لأيِّ سبب كان، فإننا سنبقى نُكَرِّرُ سَقَطَات الماضي. ولقد قال أحدُ فلاسفةِ التاريخ: إنَّ الأمَّة التي لا تدرس تاريخها بعناية، مؤهلة لإعادة إنتاجه لغير صالحها!!
علينا أن نفرق بين الاحترام وبين التقديس! نحن مأمورون باحترام أهل البيت بشرط ولاحظ معي أصحاب الدين فقط! ولكن لم يمنعنا الشرع من أن نقول: أخطأ، أو موقفه غير مناسب، أو لم يكن على مستوى الحدث، أو ليس مؤهلاً لكذا وكذا...
إن الإسلام لم يَخْتم النبوة لنصنع نحن مئات الأنبياء! ولحكمة يعرفها أهل الفهم، لم يَعِش ذَكَرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنجعل نحن من ذريَّة بناته، صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن، آلاف الأنبياء!!
وما يقال في آل البيت، يقال في الصحابة، ولا حرج! ولا ينبغي أن نستصحب حرج صراع الفتن، وخلافات الطائفية التي كانت في يوم من الأيام علامة على شيء ما، إلى زماننا ونحن نبحث عن مدرج إقلاع حضاري! وإلا سنبقى نَجْتَرُّ أخطاء الماضي، وانحرافات التاريخ!