بدأت تجارة العملات بصورتها الحالية من خلال مبادرة أمريكية في يوليو/ تموز 1944، وكان الدولار هو العملة الأساسية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأثناء تلك الفترة تم تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفي ذلك الوقت تم تحديد قيمة الدولار بالمقارنة مع الاحتياطي من الذهب وكانت تلك القيمة هي 35 دولاراً لكل أوقية من الذهب، وتم على هذا الأساس تحديد باقي العملات في كل الدول، لكن في سبعينيات القرن الماضي سمحت الولايات المتحدة بتعميم الدولار في سوق تبادل العملات الأجنبية وكانت تلك هي البداية الفعلية للاتجار في العملات، شأنها شأن أي سلعة أخرى.
من الذي يسيطر على سوق تجارة العملة؟
على أرض الواقع هناك أربعة بنوك دولية كبرى تمثل أكبر أسواق تجارة العملة حول العالم، وبالتالي لها تأثير ونفوذ ضخم على تلك التجارة، أي أنه لا توجد قيادة مركزية أو هيئة موحدة لسوق تجارة العملات، مما يعني أن سوق العملات لا تخضع لسيطرة دولة أو بنك بعينه.
تلبدت السماء الاقتصادية العالمية في 2008 بسحابة الأزمة العالمية والتي انجرّ عنها صراع بما يعرف "حرب العملات"، إلا أن هذه المسألة ليست بالجديدة فمع ظهور كل أزمة اقتصادية نجد الدول الكبرى تستخدم العملة كسلاح لمواجهة مشاكلها الاقتصادية، حيث قامت احدى الدول بتخفيض قيمة عملتها في محاولة يائسة للخروج من دوامة الركود الاقتصادي، وقد صاحبها صحوة العملاق الاقتصادي النائم –الصين-، حيث بدأت تكتسح وتهيمن على الأسواق العالمية عن طريق انتهاج سياسة إفقار الجار أو إفقار الغير ضد الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي، وبحكم الدور الفعال الذي يلعبه سعر صرف العملة خلّف آثارأً على مستوى مختلف المتغيرات الاقتصادية المحلية، وتأثير شامل على المتغيرات الاقتصادية العالمية، فقد نجمت عنها العديد من الأزمات المتوالية مازلنا نشهدها منذ الأزمة الاقتصادية 2008، والتي كان أبرزها أزمة الديون السيادية الأوروبية، وعاصفة انخفاض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأمريكية، والارتفاع الجنوني لأسعار بعض المنتجات الإستراتيجية كالنفط والذهب.
في السنوات الأخيرة عمدت البنوك المركزية من أوروبا إلى اليابان لاتخاذ خطوات لتخفيف سياستها النقدية، التي كانت سببًا في إضعاف قيمة عملاتها، وتُعرف التحركات التي اتخذوها بداية من خفض أسعار الفائدة وزيادة المعروض من النقود عن طريق شراء سنداتِهم الحكومية بتخفيض قيمة عمُلاتهم، إضافة إلى ذلك، تم تصنيف الصين على أنها مناور للعملة من قبل الولايات المتحدة في أغسطس الماضي، حيث كانت الصين تتدخل دائمًا لتجنب ضعف اليوان، ولكنها أقدمت على إضعاف عملتها سوق تداول الفوركس استجابة لزيادة التعريفة الجمركية على السلع الصينية من قبل الولايات المتحدة.
أثارت هذه الخطوة جدلًا واسعًا حول ما إذا كانت العملة الأضعف أو الأقْوى هي الأفضل لاقتصاد معين، خاصة وأن البنوك المركزية حاليًا تستخدم السياسة التحفيزية لدعم اقتصادها، وهذا جعل العملة الأضعف هي الوسيلة المرغوبة لتحفيز النمو، وعلى الرغم من ذلك إلا أن هناك أيضًا سلبيات لضعف قيمة العملة.
لماذا تخفّض قيمة العملات؟
في إجراءات لتحفيز الاقتصاد أو تسهيل الدين الحكومي تقوم الدول في بعض الأحيان بتخفيض قيمة عملاتها، حيث أن وجود عملة منخفضة يجعل الصادرات أرخص من مثيلاتها في الدول الأخرى، مما يساعد الشركات على النمو عن طريق تحقيق معدل صادرات مرتفع، وتصبح أكثر ربحية وتوفر فرص العمل، نتيجة لذلك تستفيد البلاد من نمو اقتصادي قوي.
إذا قامت دولة ما بتخفيض قيمة عملتها، وتبعتها دول أخرى لتعزيز اقتصاداتها عن طريق تغيير ميزان التجارة، فإنها تعرف باسم تخفيض قيمة العملة التنافسية أو حرب العملات.
أثر تخفيض قيمة العملات
1 .نمو الصادرات:
يمكن لصادرات أي دولة أن تكتسب حصة سوقية، لأن سلعها تصبح أرخص مقارنة بالسلع المسعرة بعملات أقوى، ويمكن أن تؤدي الزيادات الناتجة في المبيعات إلى تعزيز فرص النمو الاقتصادي وفرص العمل، وكذلك زيادة أرباح الشركات التي تتعامل مع الأسواق الخارجية.
2 .ارتفاع التضخم:
يمكن أن يرتفع التضخم عندما تقوم الاقتصادات باستيراد سلع من دول ذات عملات أقوى، حيث يتطلب الأمر كمية كبيرة من العملة الضعيفة لشراء نفس الكمية من السلع المسعرة بعملة أقوى، يمكن أن يكون التضخم مرغوب فيه عندما يحدث ركود اقتصادي.
3 .تخفيف الديون:
عندما يرتفع معدل التضخم بسبب ضعف العملة، فإنه يعزز الدخل وإيرادات الضرائب، بينما تظل قيمة الدين كما هي، مما يسهل على المقترضين من العملة المحلية سداد الديون المستحقة.
تعتبر أسعار صرف العملات العالمية إحدى قنوات التصادم والتضارب الاقتصادي بين الدول الصناعية الكبرى، حيث أصبحت تلك الدول تتدخل في أسعار صرف عملاتها بطرق شتى، بهدف التأثير على بعض المؤشرات الاقتصادية، كعجز الحساب الجاري، والميزان التجاري، والمديونية، وقيم الأصول وغيرها من المؤشرات؛ ففي حال سمح للحكومات بالمنافسة في مجال أسعار الصرف عن طريق خفض أسعار الفائدة، أو تغيير مسميات الضرائب، أو تطبيق سياسات مالية لخفض قيمة عملاتها، أو التسيير الكمي لعرض نقودها، هذه السياسة المُتبعة تنعكس على أسعار صرف عملات الدول الأخرى المرتبطة بسلة العملات الدولية.