يعتبر سوق العمل المكان الذي يتم فيه البحث عن مناصب شغل من طرف أفراد المجتمع، ممثلا بذلك حلقة وصل بين طالب العمل والمؤسسات الاقتصادية، والجزائر كغيرها من الدول العربية أصبحت تولي أهمية بالغة لسوق العمل في السنوات الأخيرة، محاولة بذلك الخروج من قوقعة الاقتصاد الخاص بالنفط والمنتجات النفطية، باعتبار أن اقتصاد الجزائر يتمثل في قطاع المحروقات بنسبة كبيرة؛ لهذا فقد سعت لمحاولة بناء سوق عمل جديد من خلال التشجيع على إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة، بالإضافة لتنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات، ورغم الجهود المبذولة قد نجد أن هناك خللا بين قطاع التعليم العالي وسوق العمل في الجزائر، وهو ما قد نتج عنه فائض في خريجي الجامعات وأصبحوا بدورهم مهددين بشبح البطالة، وسنحاول من خلال هذه الورقة البحثية التطرق للعناصر التالية:
- مفاهيم الدراسة.
- واقع سوق العمل في الجزائر.
- العلاقة بين التعليم وسوق العمل في الجزائر.
- مشاكل ومعوّقات اندماج الجامعة ومخرجاتها بسوق العمل.
1- مفاهيم الدراسة:
1-1: مفهوم سوق العمل:
عبارة عن فكرة مجردة تستعمل كمقاربة لفهم قضية التشغيل والبطالة، إذ يعين له موقعا اقتصاديا يباع فيه كميات كبيرة من المصالح والمهارات والقدرات بسعر ما، ولا يعني بالضرورة مكانا جغرافيا محدّدا، وغالبا ما يكون فضاءا افتراضيا، فسوق العمل في النسق أو النظام الرأسمالي يسهم مع المؤسسات المرتبطة به والسلوكيات الفردية فيه بتشكيل ثمن العمل وتأسيس توازن بين عروض وطلبات العمل، وبالتالي فإن سوق العمل يتميز بالصيغة التي تتحقق بها هاتين الوظيفيتين لتحديد أولا الأجور من جهة وفروقاتها النسبية، ثم حركة اليد العاملة ثانيا. (جبلي فاتح. دراوات وحيد،2021، ص 356).
كما يعرف على أنه المجال الذي يجد فيه الخريج أو العامل فرصة عمل، وقد يكون محليا أو إقليميا أو دوليا، فهو المكان أو المجال الذي تتفاعل أو تتلاقى فيه قوة عرض العمل والطلب عليه. (أحسن صليحة. شابونية زهية، 2018، ص56)
ويمكن تعريف سوق العمل من وجهة نظرنا أنه المكان الذي تتم فيه عملية العرض والطلب على المنتوجات واليد العاملة، بالإضافة إلى أنه المكان الذي يستقطب الباحثين عن العمل من أجل توفير مناصب شغل لهم.
1-2: مفهوم خريجي التعليم العالي:
هي تلك الفئة الطلابية التي تخرجت من الجامعة بعد أن استكملت تعليمها الجامعي، متحصلة على شهادة علمية في تخصص ما، مهما كان نوع المؤهل العلمي (ليسانس-ماستر-دكتوراه)، تمكّنها من إيجاد عمل سواء كان مؤقتا أم دائما. (سمايلي محمود، 2015، ص 210).
يعرف من وجهة نظرنا الطلبة الجامعيين الذين أكملوا مشوارهم العملي من خلال تحصلهم على شهادات تمكنهم من الولوج لعالم الشغل سواء في طور ليسانس، ماستر، دكتوراه.
2- واقع سوق العمل في الجزائر:
لعب تدخل الدولة المباشر وغير المباشر في سوق العمل منذ بداية الألفية الثالثة دورا محوريا في ارتفاع مستويات التشغيل وانخفاض معدلات البطالة، وتتمثل طبيعة هذا التدخل خاصة من خلال:
2-1: دعم إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة: تماشيا مع الدور الذي لعبه القطاع الخاص في خلق الوظائف في اقتصاد السوق، يهيمن القطاع الخاص في الجزائر على العدد الأكبر من المشتغلين فيه بـ 7 ملايين و 14 ألف مشتغل، أي ما يعادل نسبته 62،18%، في حين يشغل القطاع العام 4 ملايين و 267 ألف مشتغل، أي ما نسبته 37،82%، وهذا خلال الفترة المرجعية ماي 2019، وبالرغم من هذه الهيمنة فإن حقيقة هذا الاتجاه الذي يميز القطاع الخاص تكمن في الدور الهام الذي تلعبه الدولة في دعم هذا القطاع من خلال دعم وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. (ريغي هشام، 2021، ص 237)
كما نجد أن الجزائر أصبحت حاليا تشجع على تكوين وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بغرض دفع عجلة النمو الاقتصادي والتخلص من تبعية سوق العمل للمؤسسات العامة، وهذا ما تجسد مؤخرا في إنشاء وزارة خاصة بحاضنات الأعمال والابتكار، والتي بدورها تساعد الشباب الطموح في إبراز مشاريعه وتقدم له خدمات ومساعدات من أجل تطبيق المشروع على أرض الواقع، باعتبار أن العديد من اليد العاملة في الجزائر تفضل العمل في مؤسسات الدولة على العمل في المؤسسات الخاصة تبعا للإحصائيات سالفة الذكر والتي تبين أن 62،18% يشتغلون في القطاع العام، وقد يكون ذلك راجع لعدة أسباب كالخوف من عدم الاستفادة من الضمان الاجتماعي بالنسبة للمؤسسات الخاصة، وحتى الخوف من شبح البطالة الذي قد يواجههم في حال ما إذا أفلست تلك الشركات الخاصة.
ولقد شهدت السنوات الماضية طفرة هائلة في عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة في الجزائر بفضل الدعم الكبير الذي قدمته الدولة من خلال العديد من الآليات والتسهيلات المقدمة لإنشاء هذا النوع من المؤسسات، فإذا أخذنا الفترة 2013-السداسي الأول 2019، يلاحظ ارتفاع عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من 777816 مؤسسة إلى 1171945 مؤسسة، ونتيجة للارتفاع المسجل في عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ارتفع عدد الوظائف فيها من 2001892 إلى 2818736 وظيفة خلال الفترة 2013-السداسي الأول من 2019. (ريغي هشام، 2021، ص 237)
وبالرجوع للاحصائيات سالفة الذكر نجد أنه من سنة 2013 إلى السداسي الأول من 2019 ارتفعت عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من 777816 إلى 1171945 مؤسسة، أي بزيادة قدرت ب 394129 مؤسسة في فترة وجيزة، وهو ما يمثل الجهود والدعم الذي قدمته الدولة لمثل هؤلاء المؤسسات الصغيرة من أجل الدفع بعجلة النمو الاقتصادي، وكذا التخلص من التبعية لسوق المحروقات، بمحاولة بذلك تنويع الصادرات في شتى المجالات، وهو بدوره ما قد يساعد في انتعاش سوق العمل من خلال تشغيل اليد العاملة التي تعاني البطالة، بالاضافة لتوفير بعض السلع في السوق المحلية عوض استورادها بالعملة الصعبة من الخارج، أي بتنشيط عامل العرض والطلب على السلع.
2-2: برامج الاستثمارات العمومية:
يتمتع قطاع الأشغال العمومية في الاقتصاد الوطني بمكانة عظمى من خلال المساهمة القوية في النمو سياسة التشغيل، وتحقيق أثر إيجابي في التنمية من خلال الاستثمارات، بالإضافة للمشاركة في سياسة إعادة توزيع الدخل الوطني من خلال تحقيق الأثر على الشغل والمخططات الموجهة لمؤسسات الإنجاز العمومية والخاصة، ومن خلال تقديم خدمات عمومية وتوفير تجهيزات الهياكل القاعدية. (ريغي هشام، 2021، ص 238-239)
وارتفع عدد المشتغلين في قطاع البناء والأشغال العمومية من 650 ألف مشتغل في سبتمبر إلى 2001 إلى حوالي 1،9 مليون مشتغل في ماي 2019، وارتفعت نسبة مساهمة القطاع في التشغيل الكلي خلال نفس الفترة من 10،44% إلى 16،75%. (ريغي هشام، 2021، ص 239).
فقطاع الأشغال العمومية نجد أنه يضم فئة كبيرة من العمال، باعتبار أنه في ماي 2019 وصلت نسبة المشتغلين في هذا القطاع ل 1،9 مليون مشتغل، وهو ما يبين أنه أصبح يستقطب اليد العاملة البسيطة وخاصة في مجال البناء، بحيث قد نجد أن الفئة الكبيرة من اليد العاملة في مجال البناء لها مستوى علمي محدد وهو ما يجعلها محصورة في هذه المهنة، وفي المقابل قد نجد أن الشغل في مجال البناء يعتبر عمل موسمي أي أنه ينتهي بمجرد انتهاء المشروع، وهو بدوره لا يكفل للعامل حق استمرار معاشه أو أجره الشهري، وهنا يمكن القول أن العاملين في مجال البناء وكذا مساعدي البنائين بالرغم من أنهم يعملون في هذا المجال ويتقاضون راتب شهري من وجهة نظر المجتمع وكذا السلطات، إلا أنه وفي المقابل نرى أنهم ما زالوا بطّالين، بدليل أن العديد منهم قد يفتقدون لأدنى الحقوق والمتمثلة في حق الضمان الاجتماعي، وهذا واقع لا يجب الهروب منه، فصاحب العمل يطلب من العامل أن يجلب له الوثائق لكي يؤمنه اجتماعيا، وبعد ما ينتهي المشروع أو العمل يجد العامل نفسه غير مؤمن اجتماعيا في تلك المرحلة التي عمل فيها، خاصة اليد العملة الكبيرة والتي لها مستوى علمي محدود لا تستطع الدفاع عن نفسها من خلال جهلها لحقوقها وواجباتها في العمل، وهو ما قد يجعل منها كضحية.
2-3: توسيع التوظيف في الوظيفة العمومية:
فقد شهدت السنوات الماضية حملة توظيف كبيرة في العديد من القطاعات العمومية (الصحة، التربية، التعليم العالي...)، أفضت إلى تشغيل عدد كبير من الأفراد، وقد بلغ تعداد الوظيفة العمومية حوالي 2،1 مليون موظف وعون عمومي حتى تاريخ 2017، موزعين حسب الطبيعة القانونية لعلاقة العمل إلى 1645254 موظف، و450295 متعاقد. (زيغي هشام، 2021، ص240)
وبالرجوع للواقع الاجتماعي المعاش قد نجد أنه ورغم كثرة التوظيف في القطاعات العمومية إلا أن الجزائر لم تستطع لحد الساعة القضاء على مشكلة البطالة، وخاصة بالنسبة للفئات المتخرجة من الجامعة، مما يترجم حاليا في الواقع من خلال التهميش الذي أصبح يطال خريجي الجامعات، بحيث نجد أن الجامعة لم تحاول ربط الجانب العلمي بسوق العمل ولا القيام بدراسات ورؤى استشرافية، وهو ما قد يترجم عمل الجامعات الجزائرية حاليا في طبع الشهادات لا غير، وإلا فكيف بآلاف الطلبة يتخرجون كل عام ورغم ذلك يواجهون شبح البطالة، بل هناك من تخرج منذ 10 سنوات ولم يجد عمل لحد الساعة، إما أنهم ظلوا مرهونين بعقود ما قبل التشغيل والتي تمنح لهم مبلغا زهيدا لا يكاد يحفظ ماء وجههم، أو أنهم لا يتقاضون أي راتب ويعملون في مجالات بعيدة عمّا درسوه في الجامعة.
3- العلاقة بين التعليم وسوق العمل في الجزائر:
إن علاقة التعليم بسوق العمل لها جوانب علمية واقتصادية واجتماعية، كون هذه العلاقة ارتباطية تكاملية تحددها خطط وسياسات واتجاهات اقتصادية، تحدد بناء عليها مجالات الأعمال والمهن والتقنيات والتكنولوجيا المطلوبة بمؤسسات سوق العمل وفق متطلبات التنمية، فمهمة التعليم العالي تكمن في إعداد القوى البشرية ذات القدرات العالية والتخصصات المختلفة المؤهلة والقادرة على أخذ المواقع المتقدمة والمتميزة في النشاط الاقتصادي، في حين سوق العمل تكمن قدراته على استيعاب تلك القوى البشرية وتوفير الظروف المناسبة لاحتوائها والاستفادة منها، بما يحقق زيادات في الانتاج والدخل، ورفع مستوى المعيشة للفرد والمجتمع، ومن بين أسباب ضعف الموائمة بين التعليم العالي وسوق العمل مايلي: (فور خديجة. يحياوي فاطمة، 2020، ص117)
3-1: أسباب متعلقة بطبيعة التعليم العالي: ومن أهم الأسباب التي أدت إلى اتساع الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات واحياجات سوق العمل مايلي: (فور خديجة، يحياوي فاطمة، 2020، ص117)
- التوسع السريع وغير المخطط في التعليم العالي.
- اعتماد التعليم العالي على أساليب غير دقيقة في اختيار مدخلات من الطلبة وعلى أساليب تقليدية في التدريس والتدريب والتقويم.
- عدم اعتماد مخططي التعليم العالي على رؤيا واضحة للاحتياجات المستقبلية لسوق العمل من القوى البشرية.
- ضعف برامج التوجيه والارشاد الأكاديمي والمهني في التعليم العالي.
- فشل أو سياسة سوء التخطيط والبرمجة المركزية في توزيع أعداد الطلبة، حيث يتم خلافا لمؤهلاتهم ورغبات الكثير منهم، مما يؤدي إلى الفشل والتأخر الدراسي وبالتالي إلى تخريج طلبة بكفاءات ضعيفة.
- الأمية الميدانية التي يعاني منها معظم خريجي التعليم العالي والتي يواجه بسببها الخريجين صعوبات في تطبيق ما تعلموه والخوف والقلق من مواجهة المهنة.
- التوجه العام لسلك التعليم الأكاديمي والعزوف عن التوجه نحو التعليم المهني.
وبالرجوع للواقع المعاش قد نجد أن هناك قطيعة بين التعليم الجامعي وسوق العمل في الجزائر، فبالرغم من أن التعليم هو الذي يفتح للطلبة مجالات العمل تبعا لتخصصاتهم، إلا أننا قد نجد في الجزائر أن بعض التخصصات بعيدة كل البعد عن سوق العمل وتكاد تكون فيها فرص العمل شبه منعدمة، وهو ما يجعل منها تخصصات شبه ميتة، تدخل صاحبها في البطالة بمجرد خروجه من الجامعة، بل إن بعض التخصصات لا تستطيع توفير حتى المكان المخصص للدراسة الميدانية والجانب التطبيقي للطلبة أو للقيام بتربصات في المؤسسات التابع له تخصصهم، ومنه يتبين أن هناك خلل من حيث ربط التعليم العالي بسوق العمل في الجزائر، وقد نجد هناك العديد من المتخرجين من الجامعة يجهلون حتى الجانب الذي يستطيعون العمل فيه، بل إن العديد من الإدارات في بعض الأحيان تطلب المطابقة الحرفية للتخصص وهو ما يحول بين الطالب وكذا الشغل المراد العمل فيه، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد في عدد من الجامعات الجزائرية تقريبا كل ثلاث سنوات يغيرون تسمية التخصص وهو ما يصعب عملية التوظيف، باعتبار أن الطلبة درسوا نفس المقاييس وبنفس الطرق ولكن تم تبديل تسمية تخصصاتهم، مثلا في علم الإجتماع تخصص ماستر هناك من تخصصهم علم اجتماع العنف والعقاب، وآخرين جريمة وانحراف، وآخرين سوسيولوجيا العنف وعلم العقاب...إلخ، فبالرغم من أن هذه التخصصات لها محتوى واحد إلا أن التسمية المختلفة تعتبر كفارق في عملية التوظيف بالنسبة للطلبة والباحثين عن العمل.
3-2: أسباب متعلقة بطبيعة سوق العمل:
(فور خديجة. يحياوي فاطمة، 2020، ص117-118)
- عدم توازن آليات العرض والطلب على اليد العاملة المؤهلة في السوق المحلية.
- المهارات المتوفرة لدى الخريجين لا تتوافق مع طبيعة الأعمال التي تقدمها جهات التوظيف في القطاعين العام والخاص.
- عدم توفر فرص العمل في نفس اختصاص الخريجين بسبب التضخم في أعدادهم وتركزهم في اختصاصات معينة تفوق الحاجة لهم بعد التخرج.
- ارتفاع عدد المشتغلين بقطاع الخدمات بسبب تغير اتجاهات الناس ودعمهم لمبدأ التوجه المادي أو العمل الحر وجمع المال عن طريق العمل في التجارة.
وقد نجد أن محاولة البحث عن الوظيفة في القطاع الحكومي أصبح مطلوب بكثرة مقارنة بالوظيفة في المؤسسات الاقتصادية الخاصة، باعتبار أن مؤسسات الدولة توفر التقاعد وكذا الضمان الإجتماعي للعامل، بخلاف المؤسسات الاقتصادية التي قد يرى البعض أنها وبمجرد إفلاسها تقوم بتسريح العمال مما قد يوقعهم في البطالة، كما قد نجد أن غياب الدراسات الاستشرافية من طرف المتحكمين في سوق العمل وكذا المؤسسات التعليمية وخاصة الجامعات ساعد في تضخم عدد الخريجين البطالين، وهو ما دفع ببعض الخريجين الجامعيين لتفضيل الأعمال الحرة وكذا التجارة على الانتظار لسنوات من أجل الظفر بمنصب في مؤسسات الدولة.
4- مشاكل ومعيقات اندماج الجامعة ومخرجاتها بسوق العمل.
من بين المشاكل والمعيقات التي تؤثر على اندماج الجامعة ومخرجاتها بسوق العمل نذكر: (بوشمة الحاج. كيم صليحة)
- يغلب على المخرجات طابع النظري دون التطبيقي، فلا توجد إلى اليوم علاقة واضحة بين الجامعة والمؤسسات، ولا تتحمل الدولة هذه المسؤولية ويزيد مشكل الكفاءة ومخرجات الجامعة الوضع تأزما خصوصا في ظل انفصال بين المتلقى النظري للمتخرجين والحاجيات التطبيقية لمؤسسات ولسوق العمل.
- تراجع في مستوى الاعتراف الاجتماعي لمخرجات الجامعة، حيث أصبح ينظر لها كمجرد هيكل مادي واجتماعي، يجمع بين جدرانه فئات اجتماعية غير مخطط لها في تعليمها وتخريجها مع محيطها الخارجي خصوصا منه سوق العمل.
- البحث العلمي الموجود في الجامعة الجزائرية لم يرق بعد إلى المستوى الذي يعطيها مكانة أفضل في مجتمعها وفي محيطها الاقتصادي ومن ثمة والتوجه إلى الانتاج وسوق العمل، هذا جعل الجامعة الجزائرية تخفق في الاندماج وسط المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما كرس تلك الفجوة بين مخرجاتها السنوية ومتطلبات سوق العمل في الجزائر.
- تعرف الجامعة مشاكل أخرى منها اللاتوازن بين مدخلاتها ومخرجاتها خصوصا بين أعداد الطلبة الوافدين إليها والمتخرجين منها، وسوق العمل وحاجياته ومدى استيعابه لهؤلاء، وبالتالي الذي يحصل في مخرجاتها هو اللاتوازن الدائم بين العرض والطلب الاجتماعي.
- غياب أي استراتيجية واضحة للتفاعل بين الجامعة سواء في حاجيات السوق من التخصصات أو من حيث العدد الممكن اسقطابه سنويا في سوق العمل، إضافة إلى كل ذلك الانفصال الكبير بين محتوى التعليم الجامعي ذي التكوين النظري في معظمه ومقتضيات سوق العمل التطبيقية، مما أدى إلى عدم قدرة الجامعة الجزائرية على التلبية النوعية للتخصصات لصالح الطلب الاجتماعي. (بوشمة الحاج. كيم صليحة)
وتبعا لما تم التطرق إليه سابقا يمكن القول أن هناك فجوة حقيقة بين التعليم العالي في الجزائر وبين سوق العمل من خلال غياب روى واستراتيجيات وحتى دراسات أولية، وهو ما ساعد في تخرج العديد من الطلبة ولكن بمستويات ضعيفة، خاصة وأن بعض الطلبة في بادئ الأمر لا يسطّرون الطريق التي يريدون الوصول إليها، أي أنهم لا يحددون أهدافهم منذ البداية وهو ما قد يصدمهم عند التخرج من الجامعة بإيجاد شبح البطالة ينتظرهم، فقد نجد أن البحث العلمي في الجامعة الجزائرية طغى عليه الجانب النظري فقط، سواء من خلال تكوين الطلبة الذين لا يتم برمجة مخرجات علمية وميدانية لهم في عديد التخصصات، وهو ما يجعلهم يجهلون مجالات العمل الخاصة بهم، بل إن بعض الطلبة قد يلجؤون لبعض التخصصات التي يرون في مسمياتها أنها مشوقة، ولكن عندما يصطدمون بالواقع يجدون العكس، بالإضافة لغياب عامل التوجيه وخاصة في الجامعة الجزائرية، بحيث أن الطالب الجديد لا يجد من يشرح له طبيعة التخصص وكذا سوق العمل أو الوظائف المتوفرة في تلك التخصصات، كما نجد كذلك التسهيلات التي وجدها طلبة البكالوريا وخاصة الطلبة الجدد الذين انتقلوا بمعدل 9 من 20 إلى الجامعة بحجة وباء كورونا أثر على عملية التكوين الفعال والجيد وخاصة بالنسبة للسنوات الأولى في الجامعة، زيادة على ذلك التعليم عن بعد تبعا لجائحة كورونا والذي نرى أنه أثر سلبا على عملية تكوين الطلبة، فمن غير المعقول أن يدرس الطالب شهر واحد حضوري في السنة كلها مقسم بين 15 يوم حضوري في السداسي الأول، و15 يوم حضوري في السداسي الثاني، فكل هذه العوائق قد تؤثر على ترتيب الجامعات سواء على المستوى العربي أو الدولي، لذلك وجب إعادة النظر في مثل هذه النقاط السوداء التي قد نقول أنها أثرت بالسلب على العملية التعليمية في الجزائر.
التوصيات والاقتراحات:
من بين التوصيات والاقتراحات التي خلصنا إليها تبعا لهذه الدراسة مايلي:
- ضرورة إعادة ربط الجامعة بسوق العمل، من خلال إبرام عقود شراكة بين الجامعات ومؤسسات اقتصادية بغرض تكوين الطلبة في التخصصات المطلوبة ومنحهم مناصب عمل بعد تخرجهم.
- ضرورة إرشاد الطلبة خاصة في السنوات الأولى من التكوين الجامعي وتعريفهم بالتخصصات ومجالات العمل فيها.
- ضرورة التوفيق بين التكوين النظري الجامعي وكذا الجانب التطبيقي حتى لا يكون هناك عائق للطلبة عند ولوجهم لسوق العمل.
- يجب التشجيع على المقاولاتية وفكرة إنشاء مؤسسات مصغرة بهدف التقليل من بطالة الطلبة المتخرجين.