ملحد في الثالثة عشرة من العمر.. قد يبدو هذا العنوان صادما لكنه اليوم قد أصبح حقيقة، فذلك الكم من الملحدين من أواسط المراهقين والجيل الجديد لم يعد مهملا. كما أن نسبة خلع الحجاب لدى فتياتنا اليوم لم تعد مهملة كذلك! تتغير صور صديقاتي على حسابي على فيس بوك، تتسلل خصلات شعرهن من خلف خمارهن رويدا رويدا منتقلات من الخمار إلى التوربين ثم إلى القبعات لتظهرن أخيرا تحت الشمس بشعورهن المنسدلة متبوعة بعبارة أخيرا “أنا حرة! أخيرا أشبه ذاتي!” وغيرها من العبارات التي تبنينها كشعار موحد لكل من خلعت حجابها أو لنقل غطاء على رأسها على الأقل ليُطرح السؤال: لماذا يتجه الجيل الجديد نحو الإلحاد كموضة ونحو خلع الحجاب كسبيل إلى إثبات الذات والتحرر؟
الشباب الكول والرقص على المصطلحات؟
غالبا ما نسمع في جلساتنا حديثا عن شباب ضائع، شباب مائع، شباب لا يهمه سوى تقليد آخر رقصة على تطبيقات التواصل الاجتماعي خاصة ونحن نتحدث عن جيل ما دون الثامنة عشرة. ولكن هل سمعنا ما يقوله الشباب على الجانب الآخر؟ أنا انسان... أنا لم أعد مقيدا بحدود منطقتي... أنا اليوم إنسان عالمي... لا فرق بيني وبين أي شخص آخر على وجه هذا الكوكب... كلنا ندخل تحت غطاء الإنسانية.
قد تبدو الكلمات للوهلة الأولى عادية أو ربما حتى رائعة لبعضنا الآخر... العبارة التي كنا نقولها ونرددها في وقت مضى أن العالم أصبح قرية صغيرة قد تغيرت لأن أناس القرية كانوا يحترمون أبواب البيوت ويدقونها قبل الدخول، اليوم غرفنا أصبحت مستباحة من الجميع تحت غطاء العالم الواحد والإنسان الذي يجب أن يشارك بشكل يومي نشاطاته وتعليقاته على الأحداث الواقعة في أي نقطة على وجه الأرض... قد تستغربون قليلا ما علاقة هذا بالإلحاد وبخلع الحجاب؟ من المؤسف يا سادة أن أخبركم أن هناك علاقة وطيدة جدا!
فطفلك اليوم الجالس أمام الشاشات والمنشغل بها عن محيطه الحقيقي يتلقى معلومات وإشارات عدة تجعله ينبذ اختلافه المجتمعي، ينبذ قيمه التي تجعله يبدو مختلفا وغير متناسب مع غطاء الإنسان الواحد.. ما العيب في أن يساند ذلك المشهور في محنته بعد تحويل هويته الجنسية أو زواجه المخالف للطبيعة؟ هو متضامن مع الإنسان المُشَكَّل في صورة شخص قرر أن يغير شيئا فيه لكنه يبقى إنسانا في نظره...
لذا فهو لا يفهم سبب غضبك من إقامة هكذا حملات في عالمنا الإسلامي! طفلك الذي تفخر بنشاطه على مواقع التواصل وبتعبيره عن رأيه بل وتشارك منشوراته لا يملك تعريفا واضحا لمعنى كلمة "الأخلاق" مثلا أو علاقة هذه الأخلاق بدينه، بالنسبة له كلمة الأخلاق مرادفة لمفهوم العادات والتقاليد المتوارثة. لم يعد يسكن في حي شعبي هو يسكن "كومباوند" ولذا فكثير من العادات التي هي في الأصل جزء من قيمنا الأخلاقية قد تغيرت بتغير العنوان والمسكن... لا ترتعب هناك ما هو أقوى... طفلك لا يفهم معنى حركاتك اليومية التي تقوم بها على أنها فرض وعبادة بالنسبة له هي حركات مثل الحركات التي يرى مدرب اليوغا يقوم بها على تطبيق انستجرام مثلا ليتواصل مع ذاته وحتى وإن كنت تأخذه معك على إلى المسجد وتحارب لتجعله ملتزما بالصلاة لن يستطيع فهم ماهيتها حقيقةً وهو لم يتلق تعليما حقيقيا على الصلاة ومعانيها.
لم يسمع "الإنسان" يتحدث عن صلاته الإسلامية هو فقط سمع أن هناك العديد من أنواع الصلاة وهناك أيضا نوع من التواصل مع الذات الذي يجعله يرتقي بنفسه ومادام هذا التواصل سيعود بالنفع على شكله الخارجي وعلى طاقته خلال اليوم فهو سيفضل هذا النوع من التواصل على الالتزام بالصلاة خمس مرات والنهوض فجرا واقتطاع وقت من المقابلة الرياضية أو من لعبة بابجي من أجل أن ينهض للصلاة.
أنا فيمينست.. أنا الآن حرة
وكما هو حال أطفالنا مع كلمة "الإنسان الواحد" سنجد فتياتنا أيضا منساقات وراء عبارات عدة تدخل تحت غطاء الـ"فيمينست"؛ تلك الشابة الصغيرة التي وجدت نفسها ترتدي غطاء رأس بفعل العادة ولأنها حبة حلوى مغلفة وليس كحبة الحلوى التي يدور حولها الذباب ولأنها جوهرة غالية وكل الجواهر تغلف ليخفى بريقها عن أي سارق، تريد الآن أن تُسرق.. هي امرأة "بكامل مشمشها" تروم أن تحصل على صورة المرأة الناجحة... الحرة المستقلة... الـ"سترونج اندبندنت ومن" Strong Independent Woman وغيرها من العبارات المكررة ككليشي معبر عن الأنثى الكاملة بصورتها النمطية: شعر منسدل أو مجموع فوق رأسها مع بدلة رجالية وهي تشرح مشروعا ما أو تترأس اجتماعا ما أو ربما فقط تطل بشعرها المتناثر من نافذة سيارة مفتوحة.
هذه الفيمينست الصغيرة لن تخجل من عرض تفاصيل جسدها في وضعيات مختلفة فمفهوم أن جسدها هو مصدر قوتها قد ترسخ لديها وصار اعتقادا غير قابل للتغيير... غلافها يجعلها مجرد قطعة حلوى قابلة للبلع والكسر بعد زواجها ولأنها قوية ومستعصية على البلع، فستخلع غطاء رأسها حتى يظهر عقلها المغطى للعالم.
إذا: لماذا يتجه الجيل الجديد نحو الإلحاد كموضة ونحو خلع الحجاب كسبيل إلى إثبات الذات والتحرر؟ لأننا أفرغنا جميع المصطلحات من محتواها وتركنا للعولمة مسؤولية ملئها ونحن اليوم أما استغاثة فكرية حقيقة لجيل كامل..