وصف الله سبحانه نفسَه بأنه غفّار، وغفور للذنوب والخطايا والسيئات لصغيرها وكبيرها، وحتى الشرك إذا تاب منه الإنسان، واستغفر ربه، قبل الله توبته، وغفر له ذنبه، قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *} [الاسراء :53] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا *} [النساء :110] ومهما كبرتْ ذنوبُ هذا الإنسان فإنَّ مغفرة اللهِ ورحمتَه أعظمُ من ذنوبه التي ارتكبها، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم :32] .
وقد تكفّل الله سبحانه بالمغفرة لمن تاب وآمن، قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *} [طه :82] ومن فضله وجوده وكرمه تعهده أن يبدِّلَ سيئاتِ المذنبين حسناتٍ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *} [النساء :96].
ولكن لا يجوزُ للمسلمِ أن يُسْرِفَ في الخطايا والمعاصي والفواحش بحجّة أنّ الله غفور رحيم، فالمغفرةُ إنّما تكون للتائبين الأوابين، قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا *} [الاسراء :25].
قال الشيخ علي الصابوني رحمه الله تعالى: أي إن تكونوا قاصدين للبِرّ والصلاح دون العقوق والفساد فإِنه جلَّ وعلا يتجاوز عن سيئاتكم ويغفر للأوابين وهم الذين كلما أخطأوا عادوا إلى ربهم مستغفرين.
وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: أيْ: إن توفّر فيكم شَرْط الصلاح، فسوف يُجازيكم عليه الجزاء الأوفى. وإنْ كان غَيْر ذلك وكنتم في أنفسكم غير صالحين غير مخلصين، فارجعوا من قريب، ولا تستمروا في عدم الصلاح، بل عودوا إلى الله وتوبوا إليه. {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الإسراء: 25]
والأوابون هم الذين اعترفوا بذنوبهم ورجعوا تائبين إلى ربهم.
وقال سبحانه تعالى: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [النمل :11] فاشترط تبدُّلَ الحال من عمل المعاصي والسيئات إلى الصالحات والحسنات، لكي تتحقّقَ المغفرةُ والرحمةُ، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء :48] يبين الله أنَّ المقيمَ على الشرك حتى الوفاة لا غفرانَ لذنوبه، لأنّه لم يبدّل حسناً بعد سوءٍ، وكذلك قوله تعالى عن المنافقين: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون :6] لأنهم لم يخلصوا دينهم لله، ولم يصلحوا من أحوالهم.
وأمّا إذا حصل ذلك فإنَّ المغفرةَ تحصلُ لهم مع المؤمنين، قال تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا *} [النساء :146] فلابدَّ من الأخذِ بالأسبابِ المؤدية إلى المغفرة، وأمّا إنْ مات وهو مقيمٌ على الكبائر مِنْ غيرِ أن يتوبَ، فإنّه ليسَ له عهدٌ عند الله بالمغفرة والرحمة، بل إنْ شاءَ غفر له وعفا عنه لفضله، وإن شاء عذبه في النار لعدله، ثم يخرجه برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يدخله الجنَّة، وذلك للموحّدين خاصّةً. (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى ص 151)
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ ]طه:٨٢[.
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ﴾ أيّ: كثير المغفرة
والرحمة لمن تاب من الكفر والبدعة والفسوق والعصيان.
﴿لِمَنْ تَابَ﴾: عما يرتكب من كبائر وهفوات،
فالتوبة ضراعة إلى الله، ورجوع إليه وهي ذاتها عبادة وإن الله يقبل التوبة من عباده، التوبة تجبّ ما قبلها من معاصٍ كما أن الإيمان يجب الكفر. (تفسير أبو زهرة، ٩/٤٧٦٣)
﴿وَآمَنَ﴾: معناها ملأ الإيمان بجلال قلبه
بأن قرن توبته بإذعان مطلق لله تعالى وكان عمله كقلبه، ولذا قال: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ بأن قام بالعبادة مخلصاً محتسباً وعمل النافع للناس، وكان يحب الشيء لا يحبه إلا الله.
﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أيّ: مشى على الصراط المستقيم، وتابع الرسول الكريم واقتدى بالدين القويم فهذا يغفر الله أوزاره، ويعفو عما تقدم من ذنبه وإصراره، لأنه أتى بالسبب الأكبر للمغفرة والرحمة، بل الأسباب كلها منحصرة في هذه الأشياء، فإن التوبة تجبّ ما قبلها والإيمان والإسلام يهدم ما قبله، والعمل الصالح الذي هو الحسنات يذهبن السيئات وسلوك طريق الهداية بجميع أنواعها، من تعلّم علم وتدبر آية وحديث، حتى يتبين له معنى الحق، ورد بدعة أو كفر أو ضلالة وجهاد وهجرة وغير ذلك من جزئيات الهداية، كلها مكفرات للذنوب محصلات لغاية المطلوب. (تفسير السعدي، ٣/١٠٣٨)