تحتاج الأمة في هذه اللحظة المصيرية من عمرها أحوج ما تكون إلى المتجردين الصادقين، الذين تجردت قلوبهم وعقولهم مما سوى الله. كثيرًا ما تجد مسلمًا يحترق على حال أمته ولديه استعداد أن يبذل في سبيلها، لكن بشرط ألا تتأثر مصالحه ولا يتكدّر صفو يومه!!
وصنف آخر تجد رجالًا قد أنعم الله عليهم بصفات وكفاءات تحتاجها الأمة في هذه اللحظة الفارقة، ولكنه لا يقدمهم ولا يستثمر فيهم ولا يذلل لهم عقبة أو يفتح لهم طريقًا. أصبح نضالنا وبذلنا يتمحور حول ذاتنا ومصالحنا أكثر مما هو تجرد وصفاء واصطفاء للخير فينا.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبني الرجال ويميزهم ويقدمهم في الصفوف الأولى، بل حتى الصبيان والفتيان. كان يبحث في عقول وقلوب أصحابه عن الفذ بينهم، فيثني عليه علانية أمام أصحابه ليفتح له مسارًا بينهم وفي المجتمع، ليتقدم ويبرع وينجز. فهذا سيف الله، وهذا أمين الأمة، وهذا الصديق، وذاك ترجمان القرآن، وهكذا، والقائمة تطول.

لما حضرت سليمان بن عبد الملك الخليفة المسلم الوفاة وسألوه عن من يخلفه في حكم المسلمين، وكان المنتظر والمعهود أن يعهد بها لأحد أبنائه، قال كلمته الخالدة:"لأعقدنَّ عقدًا لا يكون للشيطان فيه نصيب."

وأمر أن تكون الخلافة لعمر بن عبد العزيز، خامس الخلفاء الراشدين. مات سليمان بن عبد الملك، وقد تكون لحظة التجرد هذه من هوى نفسه وتقديمه للأفضل والأحسن هي حسنته التي يحاجج بها أمام الله. فيكون عدل عمر والخير الذي أصاب الأمة في عهده في ميزان حسناته ونجاة له يوم القيامة.
في واقعنا المرير، أجد متلازمة "جو بايدن" -إن جازت التسمية- تتكرر في عالمنا الإسلامي، وهي أحد أسباب نكبتنا. تجد أيادي مرتعشة وشيخوخة قد أثقلها الزمن، ورغم ذلك إصرار على التصدّر والبقاء في المشهد، حتى لو تعثر في طريقه أو نادى على السيسي بالمكسيكي ونسي أسماء أقرب الناس إليه. المهم هو الحفاظ على المكان والمكانة دون فاعلية أو إدراك لمتطلبات الزمن وطبيعة المرحلة. حتى تأتي لحظة الحقيقة ويأتي الفشل، كما شاهدنا ما حدث مع كاميليا هاريس. فالقدوم متأخرًا، واليقظة في نهاية الطريق، لا يصلح أعوجًا ولا يرمّم متهالكًا. فهل يستيقظ كل "جو بايدن" من أمتنا؟! وهل نرى متجردين كسليمان بن عبد الملك في زماننا؟