ما رأيك عزيزي القارئ أن تُخرج الآن ورقة من دُرج مكتبك، وتخط عليها طلب إجازة لثلاثة أيام أو المدة التي تريدها أنت، وتتجه بها نحو غرفة مديرك للحصول على الموافقة، وإن كنت أنت صاحب العمل افعل الشيء ذاته لنفسك وامنحها قرارًا بالإجازة. ربما تهمس لنفسك بأنه ينبغي لكلماتي أن تمنحك تفاؤلا وطاقة إيجابية أقوى لمزيد من العمل والإنتاج وليس للتوقف عنه، في ظل وضع قاسٍ في عالمنا العربي، شحت فيه فرص العمل مما يحتم علينا أن نعضّ على وظائفنا بالنواجذ.
ويفترض على هذه الحروف أن تُخرج مارد النجاح وحب التميز من داخلك، وكامل قدراتك وطاقاتك ومواهبك؛ لتستمر في عملك وتبدع فيه أكثر وتحقق الربح أيضًا والراحة والصحة النفسية.
بالفعل هذا ما أرغب به بالضبط، فتوقفك عن العمل قليلا سيحقق لك ذلك، عليك أن تثق بهذا.
هذا الانقطاع المؤقت سيشعل لهيب الحماس في روحك لاحقًا ويدفعك إلى مزيد من الشغف، و سيملأ عروقك بجرعات قوية من الحيوية والنشاط عندما تعود، لنرى معًا كيف يكون ذلك.
في ولاية كولورادو الأمريكية، تجبر إحدى الشركات هناك، التي تعمل في مجال تقديم خدمات الإنترنت، موظفيها على أخذ إجازة سنوية إجبارية مدفوعة الأجر، قد تستمر لمدة أسبوعين. حيث يُفرض على كل موظف في هذه الشركة أخذ إجازة يرافقها مبلغ يقدر بـ 7500 دولار، ولكن مقابل شرط واحد؛ وهو أن ينفصل تمامًا عن بيئة العمل، سواء بالاتصال الهاتفي أو تلقي البريد الالكتروني أو الحديث عن العمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول أحد الموظفين في هذه المؤسسة، ويبلغ من العمر 34 عامًا، أنه عندما حان دوره لينال هذه الإجازة، اصطحب خطيبته وانطلاقا في رحلة إلى اليونان لمدة أسبوعين. كانت البداية صعبة قليلا عليه، فهو لم يغب هذه المدة عن عمله من قبل، يقول "خُيل لي مرارًا أنني أسمع رنين هاتفي وأصبحت أشعر بتوتر شديد، لكن النتيجة بعد ذلك كانت رائعة جدًا". ويقول هذا الموظف أنه عندما عاد من رحلته كانت روحه متجددة مفعمة بالحياة، كأنه استلم أول عمل له، وأنه أصبح لديه 30 فكرة مختلفة لم يكن له أن يفكر بها أو تلمع في ذهنه، لولا أنه غادر عالم العمل قليلا وقضى أوقاته بعيدا عنه.
حسب دراسة صادرة عن مؤسسة أمريكية خاصة بإجراء بحوث حول القلب والأوعية الدموية، فإنّ للإجازات منافع صحية كبيرة جدًا، وتعزز الصحة العقلية. ووفقًا للدراسة فإنّ الأشخاص الذين لم يتمتعوا بإجازتهم السنوية لعدة سنوات هم أكثر عرضة للإصابة بجلطة قلبية بنسبة تزيد عن 30% عن الذين أخذوا إجازة لمدة أسبوع واحد على الأقل في السنة.
وفي السويد أجرى فريق طبي للصحة النفسية البيئية، بحثًا عن كمية العقاقير المضادة للكآبة التي استخدمت على مستوى مدينتهم بين عام 1993 و 2005، فوجدوا انخفاضًا ملحوظًا لاستهلاك هذه العقاقير في أوقات الإجازات.
أنت خُلقت لتقدم شيئًا لهذا العالم، وهو ينتظرك لتفعل، فلا ترحل دون أن تفعل ذلك، إجازة سعيدة.
حسنا الآن سأكون واقعية وسأعود مجددًا عزيزي القارئ لواقعنا في غزة المحاصرة -و اسمحوا لي أن آخذ غزة كمثال- أصغي لك، ربما "لا مكان لمثل هذه الإجازات في مدينتنا المحاصرة التي تموت كل يوم"، أتفق معك، لكن يجب أولا أن نُقنع أنفسنا ونعتقد جازمين بأهمية إراحة عقولنا وأرواحنا من العمل والدراسة والروتين الذي لا تقبله فطرة الإنسان غالبًا، ونتجه نحو التجديد بين الحين والآخر.
نحن نعيش حياة واحدة وربما حالها "تعيس للغاية" في قطاعنا المحاصر، لم لا نحاول أن نساعد أنفسنا قليلا لنكون في حال أفضل -ولو قليلا- ربما لن يكون سهلا، لكن ثق بأنّ القرار إن كان نابعا من داخلك بصدق فستستطيع تنفيذ ذلك. أين أماكن الترفيه لأذهب إليها وأين المال،أتفق معك أيضًا، علينا أن نقتنع بأنّ هناك بديلا لإجازات السفر والتكاليف المرتفعة، ربما قراءة كتاب أو جلسات عائلية في المنزل وخارجه أو مشاهدة برامج جديدة أو الاستماع لدروس دينية أو جدول يومي جديد أو تأمل مع النفس أو خطة حياة أخرى.
قرر من داخلك بأن تغير روتينك، أن تنفصل عن عملك لتستمع لنفسك قليلا وتحنو عليها أيضًا، جرّب أن تنقطع عن مواقع التواصل الاجتماعي، اخرج مع صديق قديم لم ترَه منذ مدّة، توقف عن أعمالك الروتينية اكسر الملل وجرب شيئًا جديدًا حتى وإن كان بسيطا، افعل شيئًا محببًا لنفسك لم تفعله من قبل.
ثق بأنك ستعود لمهامك أكثر حيوية ونشاطا، وربما بأفكار خلّاقة، والأهم بصحة نفسية جيدة، ولكن بشرط أن تكون أخذت إجازة بحق، وانتبه ألا تصغي للمثبطين من حولك. سأشارك أمرًا عزيزي القارئ، كنت سأضع لهذا المقال عنوانًا "امنحوا أرواحكم الحياة"، إلا أنني غيرت رأيي في نهاية الأمر، واخترت ما قرأتموه، أردت أن نبحث معًا قليلا عما يمنح أراوحنا الحياة، ونبتعد ولو شبرًا عن أزمات تعصف بـ غزة من كل حدب وصوب، وأتمنى أن نفعل، لأجل أنفسنا ولأجل من نحب. أنت خُلقت لتقدم شيئًا لهذا العالم، وهو ينتظرك لتفعل، فلا ترحل دون أن تفعل ذلك، إجازة سعيدة.