بغض النظر عن اتجاهاتنا وتوجهاتنا، وعقلياتنا وثقافاتنا، وهواياتنا واهتماماتنا، وقدراتنا وامكانياتنا، مهما كان وضعنا إلا أن النجاح هاجس وتطلع، ومع أن الكثير ممن حولنا ومنذ نعومة أظافرنا يحدثوننا عن النجاح، ولكن نادرٌ من يحدثنا عن كيف ننجح، ولا أدري لماذا؟، هل على أساس أن النجاح فطرة سوف نتعلمها بأنفسنا حيث أننا نحن البشر خلقنا ونهايتنا الفوز أو الخسارة؟ الجنة أم النار؟!، وحتى هذه الفطرة نعلمها جيدا ولكن لا يجيدها منا إلا من رحم ربي، النتائج نحصل عليها في النهايات فلماذا لا يتم تدريبنا على مهارات النجاح منذ نعومة أظافرنا؟ أليس كلنا نولد على الفطرة ولكن بيئتنا تهودنا أو تنصرنا أو تمجسنا! فإذا كان النجاح فطرة فذلك لا يمنع أن نتعلم ونتدرب على إتقان مهاراته لتحسين النتائج والبقاء مع الفائزين... بل ضرورة ملحة.
من أحد أهم مدمرات فطرة النجاح خلق وابتكار الأعذار، دائما نقدم الأعذار سواء كانت حقيقية أو واهية لأنفسنا، نعذر أنفسنا بشكل مفرط، مع أننا غالبا لا نعذر الآخرين مهما كانت أعذارهم، دائما الآخرون مقصرون بينما نحن أو أولادنا وما يتعلق بِنَا لنا أكثر من ٣٦٥ عذرا، بهذا الإفراط في الأعذار نقتل النفس اللوامة في أنفسنا التي تدفعنا للتصحيح، ونغتال تحمل المسئولية لفلذات أكبادنا، ولو قمنا بعملية عكسية بحيث قللنا من تقديم التبريرات والأعذار عن تقصيرنا وعن هفواتنا وإخفاقاتنا وفِي نفس الوقت التمسنا الأعذار المبررة والمنطقية للآخرين لما اختلفنا مع أحد، ولما أضعنا الوقت في مجادلات عقيمة، ولكن تركيزنا يَنصَبُّ على تطوير مهاراتنا المطلوبة للنجاح.
يشترك معظم الناجحين في خاصية تقليل التذمر والانتقاد إلى الحد الأدنى، بل أصحاب المراكز الأولى لديهم مبدأ شطب التذمر من حياتهم واستبداله بالحمد والشكر، لأن ما نقوله ونعتقده هو ما سوف نجده أمامنا، أما سر المهارة في النجاح هنا يكمن في التركيز على كيفية خلق فرص النجاح وسط التحديات والمعوقات، بينما الآخرون ينصب تركيزهم على الانشغال بالتذمر والانتقاد.
ما المانع أن نعتقد أن النجاح صناعة وجهد؟ ألم يقل عز وجل في كتابه الكريم: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) ٣٠ سورة الكهف، فالنتائج الطيبة مقرونة بحسن العمل، ولو كانت الحياة سهلة بدون منغصات ومنعطفات لما وجدت "فلاتر" للتمييز يمرّ منها أصحاب العزائم القوية، المهارة للنجاح هنا أن أصنع من الأزمات فرصة للنجاح بدلا من التذمر والانتقاد.
من المهم أن نغرس في أنفسنا وفِي أطفالنا (أنا مسؤول عما يحدث لي)، من المهم أن نزرع (أنا من يصنع النجاح وليس النجاح من يصنعني)، من المهم جدًّا أن نتعلم مهارة تحمل المسئولية منذ الصغر وممارستها.
ولكي أكون مسؤولا عما يحدث لي لابد أن أتعلَّم وأتقن احترام النظام والطابور، وأن ألتزم بالصدق والمصداقية مع نفسي ومع الآخرين، وأن لا أتكبر على الاعتذار عند الخطأ، وأن أتعامل مع الوقت بكل احترام وتقدير. ومع هذه النقاط الأربعة التي يفتقد أغلبها الكثير منا أكون قد تعلمت مهارة "أنا مسؤول عما يحدث لي"، وأستطيع أن أعلمها للصغار بعد أن أكون مثالا جيدا أمامهم.
المهارة الأخيرة التي نحتاج أن نتقنها بشكل جيد هي أنه مهما كانت الظروف لا نبني نجاحنا على فشل الآخرين، بل العكس تماما نحاول أن نجعل البيئة المحيطة بِنَا محفزة للنجاح، لا يمكن أن أخلق بيئة سلبية كلها ظلام وتحطيم وإحباط وعدم الرّضى وأطلب من الآخرين حولي التميز والإبداع، المحيط الخصب بعوامل النجاح والتميز يجعل النجاح أكثر جمالا، لنهرب من الفكر العقيم (أتمنى الفشل للآخرين حتى أكون متميزا). النجاح بدرجة ٦٠ ٪ لا يعني تميزا حتى لو الآخرون كانوا تحت ٥٠٪ ، النجاح عملية تكاملية بقدر ما تكون انفرادية، الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)، وهذا سر عظيم من أسرار مهارات النجاح يجب أن نتقنه.
يتبع...