يأتى كتاب "قولٌ في التجديد"، في طبعته سنة 2018م، ضمن سلسلة من الإصدارات التى تهتم بقضية تجديد الفكر الإسلامى وسُبل تحقيق ذلك التجديد المنشود، وتَكمُن أهمية هذه السلسلة أنها تَصدر عن طريق "مجلس حكماء المسلمين" الذي يرأسه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، وبالتالى فكُتَّابها جميعًا على درجة رفيعة من العلم والتخصصية، ومن ضِمن هؤلاء مؤلف هذا الكتاب الذي نعرض أهم محاوره، الأستاذ الدكتور حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية، وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو مجلس حكماء المسلمين.
"إن الأفكار والنُّظم والفلسفات والمذاهب، بل والأديان والشرائع تتأصل وتترسخ، وتمتد وتتوسع، في عالم الفكر وفي عالم الواقع أيضا، بـ(التجديد) المتواصل، الذى يربط بين الأصول الثابتة والظروف المتجددة، ويقيم هذا الرباط أو العناق بينهما هلى هَدْى من روح المذهب أو الفكرة أو الفلسفة أو الدين."
بهذه الكلمات يفتتح المؤلف كتابه الذي يقع في 272 صفحة، ويحتوي على أربعة مباحث رئيسية تتناول القضية من جوانب نظرية وتطبيقية من واقع تجربته الشخصية.
المبحث الأول: القول الأساس في تجديد الفكر الإسلامي
ويبدأ هذا المبحث بتعريف معنى كلمة "الفِكر" أولاً، وخلاصة ذلك أن الفكر هو "حركة عقلية تثيرها حدود مشكلة معينة، تنطلق مستهدية بمبادئ مقبولة لدى المفكر والبيئة التى يتوجه إليها بالخطاب، بُغية الوصول إلى حل أو حلول لتلك المشكلات".
وبناءً على ذلك التعريف فإن معنى "الفكر الإسلامي" من وجهة نظر المؤلف هو: "ثمرة لعمل عقلي يعالج مشكلة من مشاكل المسلمين في أي عصر من العصور، مستهديا بتقاليد العلماء المسلمين في النظر والاجتهاد العقلي، ملتزما بالقيم الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله".
ويتوصل بعد ذلك إلى أن التجديد الفكرى واجب، بل ضرورة دينية شرعية، "وقد وضع علماء أصول الفقه هذه القضية في شبه معادلة رياضية: (الشريعة صالحة لكل زمان ولكل مكان، ونصوص الكتاب والسنة محدودة، وأحوال الناس ووسائلهم إلى مقاصدهم متجددة وغير محدودة، ولا يمكن أن تفي النصوص المحدودة بأحكام الحوادث المتجددة غير المحدودة إلا بالاجتهاد)".
ثم يؤكد أن التعصب والتقليد من أعدى أعداء التجديد، فقد تصدى الإسلام للتقليد الأعمى من غير دليل.
ويتوصل في نهاية المبحث إلى أنه لا يجوز أن يقوم بالتجديد والاجتهاد إلا مَن بلغ "حَدّ الكفاءة"، وذلك بثلاثة أمور: "التمكن من علوم اللغة العربية، والتفقه في العلوم الشرعية، والمعرفة بالواقع المعاصر".
المبحث الثاني: لمحة سريعة عن التجديد المعاصر في العلوم الإسلامية (نظرة تطبيقية)
يوضح د.حسن الشافعي في بداية المبحث الفرق بين "الفكر الإسلامي" و"العلوم الإسلامية"، مؤكدًا أن تلك العلوم تُمثل "البنية التحتية للفكر الإسلامي، بل للفكر الإصلاحي في مصر بوجه عام". ثم يحددها في خمسة علوم، هي: علوم القرآن- علوم الحديث- علوم العقيدة أو علم الكلام- علم الفقه- علم أصول الفقه، "وبدون العناية بهذه العلوم النقلية في الأجيال التى تتصدى للدراسات الإسلامية والعربية يتسطح الفكر الإسلامى، بل يرتكب الإنسان أمورا لا يدركها.."، داعيًا إلى وضع قانون معاصر لـ"تأويل" النصوص العربية والإسلامية.
والشق الثاني من هذا المبحث تناول إجمالًا المحاولات التجديدية في العصر الحديث في كل من: علوم القرآن وعلوم العقيدة والفقه وأصول الفقه، وعلوم النهضة التي أصبح رائدها المفكر "مالك بن نَبي".
المبحث الثالث: أنموذج تطبيقي (الإمام محمد عبده- مصطفى عبد الرازق)
تناول المؤلف في هذا المبحث التطبيقي نموذجين، حيث بدأ بالإمام محمد عبده ودوره في تجديد علم الكلام. حيث بدأ بالتعريف بالإمام ونشأته العلمية وتدرجه في المناصب في الأزهر حتى استقالته منه، مشيرا إلى نقده للجمود الذى كان عليه الأزهر وعلماؤه حينها، فكان يقول: "إن أهل الأزهر يتعلمون كُتبًا لا عِلمًا".
وفي موضوع التجديد فإن الإمام محمد عبده قد ألف كتابين في علم الكلام، يُعبران عن معالم أفكاره التجديدية في هذا المجال، هما: "رسالة التوحيد" و"حاشية على شرح الجلال الدَّوانى للعقائد العضدية".
وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف قد استحسن الرأي الذى مال إليه الإمام محمد عبده حول الحديث النبوى الشهير: "ستفترق أمَّتى إلى نيف وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة"، حيث قال إن الرواية التى يرجحها هى: "... كلها في الجنة إلا واحدة"، لما فيه من الرحمة وما يبعثه من أمل.
المبحث الرابع: إصلاح التعليم الديني في شبه القارة الهندية (الهند وباكستان وبنجلادش)
لماذا اختار المؤلف تجربة إصلاح التعليم الديني في تلك المنطقة تحديدًا؟ ربما لسببين: حيث إن له تجربة شخصية في التدريس والتعليم هناك لمدة خمسة عشر عامًا، حتى إنه أصبح ثاني رئيس للجامعة الإسلامية في باكستان من 1998 حتى 2004. وثانيًا للصلات الوثيقة التي بينها وبين المؤسسات الدينية الرسمية في مصر.
وفي النهاية يوضح المؤلف أن التجديد والاجتهاد ليس مقصورًا على مؤسسة بعينها كالأزهر، فهناك علماء وأساتذة جامعات يجمعون الشروط المطلوبة للتصدي لمشكلات الأمة.
مشددًا على وجوب تضافر كل الجهود والمؤسسات العلمية بمصر وخاصة الأزهر حتى "نقف في وجه الفكر المتشدد في صوره القديمة والمتجددة: تكفيرًا أو إرهابًا أو إساءة إلى الدين... ونوحد صفوفنا ضد داعش وأمثالها في الداخل والخارج".