بالحبّ، والأمل بأنّ ليلَ الدنيا ستُضيئه أنوار الدعوة، عادَ هذا الصوت الإسلامي الصدّاح الذي ما إن تصدر له أنشودة جديدة حتى يُسافر بنا إلى الزمن الجميل من أناشيد الدعوة الإسلامية المعاصرة، فقد كُنّا صغارًا يوم أن كان أبو راتب منشداً يصدح لدعوة الإسلام بـ: "فوق المآذن قف ونادي.. لبيكَ يا صوت الجهادِ"، وكنا فتياناً من فتيانها يوم أنشد: "يوم من الأيام هجموا الأعادي.. هجموا على بلادي" في ألبومه الرائع "المجد القادم"..
وكنا صغاراً حين أنشدَ لفلسطين ولحماس التي سجنته أمريكا من أجلها، ولأفغانستان، ولسراييفو، وللجزائر بلد المليون شهيد، ولمسقط رأسه سوريا.. حلب الشهباء وحماة ودمشق: "دمشقُ في القلب.. قلبي في هوى حلبٍ".. فلقد كان لإنشاده دور كبير في تعريف جمهوره بمآسي المسلمين، وآلامهم وأحلامهم.. فما سمعنا -ونحن صغاراً -عن جرائم الصرب في سراييفو وكسوفو إلا بعد مشاركته في ألبوم "جراح سراييفو"، وأنشد لأفغانستان: "يا قمم جبال سليمان النصر لشعب الأفغان".. فلله درّه.
فكم من ليالٍ خلدنا فيها إلى النوم على ترانيم أبو راتب، وكم من أمسياتٍ شهدتها مساجدنا تغنّت بأناشيده، وكم من شهيدٍ في غزة وثّقت الكاميرات وصيته وهو يُدندن لأبي راتب.. وكم مهرجانٍ تزيّن به واحتفل بوجوده..
أذكر حين كنت في الثانوية معتكفاً العشر الأواخر من رمضان في مسجد الخلفاء الراشدين بغزة، كان شيخنا الشهيد عالم الحديث نزار ريان – رحمه الله – لا ينام بعد الفجر إلا على أنشودة: "يا دعوتي سيري".. هذه الأنشودة الوجدانية التي يخاطب فيها الداعي دعوته بأن تسير ولا تعبأ بالخطوب!
هذا أبو راتب العائد بالحبّ تربطنا به رابطة وجدانية عاطفية جيّاشة رغم أننا لم نلتقي به، ولم نعرفه عن قرب، ولم يعرف أسماءنا.. لكننا منذ صغرنا نسمع له، ونُدندن أناشيده، ونحفظها، ونعلمها لصغارنا جيلاً بعد جيل.. وقد شدّني قبل فترة قصيرة فتاة صغيرة السن لا تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها تنشد من حفظها رائعة أبو راتب: "ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي"، تنشدها وتحفظها في ظل زحمة الفضاء الإلكتروني بعشرات الآلاف من الأناشيد والأغاني!
وأذكر أيضاً كيف تم عقابي على أيدي جهاز الأمن الوقائي يوم أن تم اعتقالنا على خلفية عملية استشهادية نفذها الاستشهادي صهيب عبد الرحمن تمراز في جيب للعدو الصهيوني في غزة، فقد ترك لي أخي الشهيد بلال قصيعة –وقد كان معتقلاً معنا– ورقة تحت فراشي فيها أنشودة أبو راتب: "السجنُ جناتٌ ونارُ .. وأنا المغامِرُ والغمارُ"، فوجدها سجّانوا محمد دحلان تحت فراشي أثناء عملية تفتيش اعتيادية، فأصدروا أمراً بشبحي 48 ساعة متواصلة اعتقاداً منهم بتأديبي!
أبو راتب، هذا الصوت القادم من عبق الصحوة الإسلامية، ومن عمق تاريخها المشرق المُعبّأ بالمحن والشدائد، وبالأمل الذي يحدوها نحو النصر والتمكين، ها هو اليوم يدعو الجيل الجديد إلى أن: "احمل أمل الصحوة بين جنبيك بقوة، وأضِئ ليل الدنيا من أنوار الدعوة" في ألبومه الأخير "بالحب عائدٌ أنا"، ويبث في نفوسهم الأمل بأن المستقبل لهذه الدعوة لو حملنا الصحوة بين جنبينا بقوة.
وإنها لدعوة متواضعة للعودة إلى النشيد الإسلامي الأصيل الذي يزرع القيم، ويُعزّز الانتماء لهذا الدين، ويُعلي الهمم، ويُصوّب بوصلة الاهتمام نحو: الدين، والأخلاق، وقضايا المجتمع المسلم، وإنّه لمن اليسير أن يُطلق الشباب الملتزم حملات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي لإحياء النشيد الإسلامي القديم وبثه بطرق وأساليب جديدة من خلال تجديده وإعادة إنشاده.
ولقد حافظ أبو راتب على أصالة إنشاده وأبدع فيه، فإن المستمع لألبومه الجديد "بالحب عائدٌ أنا" ليستشعر قدرته الكبيرة على مواكبة أذواق الشباب مع الحفاظ على قوة الكلمات وهدوء الألحان.
وإني لأستثمر هذه السطور لأدعو منشد الجمال والجهاد أبو راتب لإنشاء أكاديمية لتدريس وتدريب شباب الأمة على الفن الإسلامي الأصيل، الذي يبث الحماسة في قلوب الجيل، ويزرع فيهم القيم والمعاني النبيلة التي حُرِم منها إثر غزوٍ فكري خبيث، وعولمةٍ مجرمة أرادت نزع إيماننا وخرق إسلامنا وعقيدتنا.
فلأبي راتب منّا كل الحب والتقدير والدعاء، بما أبهج قلوبنا وأسعدها بأناشيده الراقية، وترانيمه العذبة، فلكم واسى جراح دعوتنا يوم أنشد وصدح ورفع الهمة..