الإنسان ذلك المخلوق العجيب الباهر، الفريد بصفاته وخصاله التي أختص بها عن باقي مخلوقات المولى عز وجلّ. الإنسان ذلك المخلوق المبجل المكرم المتفرد بالتكليف الإلهي المشرَّف الموهوب بالمكانة والمقام والمعزز بأرقى شيء ألا وهو العقل الذي به فعل العجب العجاب والذي به يسلك طريق النجاة ومن دونه يسلك طريق الخراب والخسران.
مكرم بقوله عز وجلّ (ولقد كرمنا بني آدم) وبقوله (إني جاعل في الأرض خليفة) وغير ذلك من الآيات والأحاديث لكن هذا التكريم في الأصل، كما أنه نعتُ بيّنٌ ساطعٌ لمرتبة ومكانة هذا السيد الإنسان وبالتالي تكون النظرة إلى هذا المخلوق نظرة وقار واحترام لِمَا وهبه الله وخصه به.
أي أن على عاتق كل إنسان أن ينظر إلى الآخر أخيه وشبيهه من فوهة الكرامة التي تنفي كل ما حطَّ من الإنسان في تربة مسكنه الذي أوى إليه بتوقيت محددٍ مقضى فيه بالمحدودية والنهاية.
الإنسان هو ذلك النجم الساطع الذي يأفل ويختفي إذا توهجَّت من حوله شُهب الأشرار التي من داخل نفسه كالكسل والخمول، والخور، والتفاهة، والأنا، والكبر، والبخل، والغل، والحقد، وإذا ما هوّن من شأنه، أو انتقص من قدر نفسه العزيزة، أو من خارج نفسه والتي سنتعرض لها فيما هو قادم من المقال.
يأفل وينعدم السيد الإنسان بإعلان قيم الدمار، سوء المعتقد، انحلال الأخلاق، اضطراب القيم ومس المبادئ وانقلاب المعايير والموازين والأحكام.
يأفل الإنسان وينعدم في جغرافيا الإستبداد والبطش، وكتم الأنفاس، وفي قرار لا أريكم إلا ما أرى وما يتبعه من قرار، يتبدّدّ ذلك السيد في سلطة القرار الأوحد والأمر الذي لا يراجع ولا ينظر في مقدماته ولا مؤخراته وفي كل أمر أو فعلٍ بلا هالة إنسانية ولا اعتبارٍ للإنسانية.
يأفل الإنسان في مقتبل عمره ويرافقه الأفول إلى أن يوارى الثرى بواسطة فعل التربية السيئة سواء من الأسرة أو المدرسة، وبذلك يصبح الحي الميت هو حيٌّ كأي جسد بروح لكنّه ميّتُ الفعل، والحدث لا فعلٌ يفعله ولا عمل يُحدثه لا تقديم ولا عطاء؛ إنما قد يصبح ضرره أكثر من نفعه وهنا أفول للإنسان مع وجوده ككيان حي لكنه ليس أكثر نشاطا وحيوية من بقية الكائنات.
يفنى الإنسان عندما تنعدم الإنسانية، وتسود الغلظة والشدة والفظاظة بدل اللين والوساطة والسلامة وتنكس راية الكرامة والحرية وتنتشر القيم البهيمية، وترفع راية العبودية وقلة الشأن ومساس الكرامة والمكانة.
يأفل الإنسان إذا ما استشعر وهو بين جدران مدينته بالتغرب والوحدة واللاشبيه، وعندما يعبقه عبير خيراتها ولا يجد له انعكاسا نفعيا مع أنه من ذويه بكل المقاييس.
يضيع الإنسان ويفقد رونقه وتتعطل بوصلته في أجواء اللا تقدير واللا اهتمام واللا تمكين، وعندما ينظر إليه بنظرة دونية، أو إنتقاصية وفي فوضى العشوائية والعبثية والتفاهة، وعندما ينعدم التخطيط والتدبير بكل أشكاله سواء تخطيط أُموره ومهامه وحياته أو تخطيط الأثمن له وقته، يضيع ويفنى الإنسان في أجواء ينعدم فيها التفكير والإبداع وإعمال العقل أو وصل هذه المكارم بأي سوء.
يأفل الإنسان في بيئات لا تقدر العلم ولا أهله، ولا طريقه ولا تبذل إسرافا من أجل شيوعه وقيامه والاستثمار بِه وفي عقله، ولا تعنى بالإبداع والتميز وأهل المغامرة في التميز بمختلف الفنون، وفي بيئات الخرافة بشقيّها الديني، أو العلمي، وتقديس الاشخاص وتجاهل المحتوى، واستشراء العواطف بدل الحقائق العلمية الصرفة وميل الإنسان إلى العاطفة أكثر منها شيء آخر وإذا تمكنت العاطفة من مجتمع أو من فرد فاقرأ عليه تعويذات السلام.
يأفل الإنسان في بيئات تفاضل بين هذا وذاك وتقيم الحواجز بين النوع الواحد "الإنسان" وتشتّتّه لأنواعٍ شتى لا كيمياء جامعة؛ إنما المساحات الشاسعة والفوارق المتباعدة.
فمنهم من يرى المرأة دون المستوى وذا البشرة السمراء دون المستوى وتلك العائلة دون المستوى، ونحن من كذا وأولئك من كذا في هذا النوع من الأجواء يكبل الإنسان وتحطم قدراته وتخدش نفسه بدل الاستفادة المجتمعية من هذه القدرة الخارقة وكيف لا تكون خارقة والله سبحانه وتعالى يصفه بخليفته. ذلك الإنسان الملوّن بألوان مختلفة منها الأبيض والأسود والأسمر والأصفر والأحمر ذلك الإنسان المذكر والمؤنث امرأةً ورجلا، شابا أم طاعنًا لا فرق الكل مكلف ومشرف بخلافته للمولى سبحانه وتعالى وأي مساس لهذا التشريف والتكليف لا يعني إلا تبديد لفاعلية هذا الإنسان ما يعني أفوله دنيويًا.
يأفل الإنسان في مدن القهر والتسلط والتجبر، والإستبداد والخشونة، والفقر والتخلف، والذيل والتبعية حيث لا نبضٌ للقلبِ ولا إلهامٌ للعقل في مدن الجبرِ والقهر، والسراب، وعن نفسي أقول: القلبُ هاجرَ منذ عرف، والعقلُ من قبلِ ذلك، وما الحول حولي إلا جثثٌ هامدة في شبه عمرانٍ وماهو بعمران، جثث مهما حاولت أن تحيّا، أو خيّل لها ذلك سيبقى سلطان الموت أشرس وأحكم قوة وأنفذ.
يحيا الإنسان أحيانا بأبسط الأشياء بأشياء قد لا نوليها إهتماما ويأفل بحجبها وما ضدها خاصة في بداية حياته في طفولته في ريع شبابه يحيا بعبارات المدح والثناء والتقدير ونعت مراكز القوة، والتدليل عليها وبتقديم العون بشكليه المعنوي والمادي وفي الأخير الحياة أفضل من الموت "الحياة المقصودة هنا الفاعلية والموت انعدام الفاعلية" وواجبنا كخلفاء لله أن ننشر الحياة حتى تدب في كل شي وبذلك نكون قد قمنا بواجب الخلافة على ما يمكن فنفلح وأمتنا في الدنيا بوابة الآخرة وفي الآخرة الموطن الأبدي، والنعيم السرمدي.