يتكون جسم الإنسان من أعضاء مختلفة، تُغذيها العُروق والأوردة الصادرة من القلب، فإن حدث عطبٌ في إحدى العروق أو حال حائل دون إتمامها لمهمتها على الوجه المطلوب كان المرضُ وعدم كفاءة الجزء غير المتغذي، مما يقودُنا لأهمية كل عرق وأهمية إتمامه لعمله.
الأُمة تُشكل هذا الجسد، والأفراد بإختلاف أعمارهم وأعمالهم يُشكلون تلك الأوردة والشرايين، فإن حدث وتكاسل الفرد عن عمله تسبب بخللٍ قد يؤثر على جميع محيطه، وبالتالي تتأثر الأمة تباعًا لذلك.
إننا وفي مجتمعاتنا العربية نميلُ للإتكالية وعدم الكفاءة، ولستُ هنا بصدد نشر السلبيات وإنما لعرض مشكلة حقيقية تحتاج منك أنت أولًا كقارئ وعامل إلى المساعدة في حلها.
إن فاعلية الفرد الواحد تؤثر على فاعلية الدولة، لا تستغرب فإننا وإن قام كُل فردٍ منّا باداء وظيفته على أكمل وجه وبالجهد والإنتاجية المطلوبين فسيُغيَر الحال. فالمُجتمع مكون من الأفراد وإن صَلُحَ الفرد صلُحَ المجتمع! فالإنسان الفعال يتميز عن نِدِّه بالإستشعار الحي! فهو يلتمس الأجر الدائم في كل أعماله طامعًا بحب الله سبحانه وتعالى، مُستشعرًا مراقبة الله لا مراقبة المدير أو المسؤول، مُرتقيًا بنفسه وأعماله من الجزاء الدنيوي للأجر الباقي، فهو يسعى لما ورد في الحديث النبوي: (إن الله عز وجلّ يُحِبِ إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقِنه) [1]
ليس بعدد الساعات إنما بالإنتاجية
كثيرًا ما نميل لقياس فعالية الفرد بعدد الساعات التي يقضيها في العمل، بينما قد تكون ساعاتٍ ضائعة بين إفطار ودردشة زملاء وعدم مسؤولية في العمل، الفعالية تُقاس بالإنتاجية، فما ينتجه الفرد خلال تلك الساعات هو المهم، ويختلف الناس في كفاءتهم حسب إمكانياتهم المختلفة، ووضع حد أدنى للإنتاجية يمكن أن يساهم في معرفة فعالية الأفراد.
وإليك ناتجًا قد تعلمته من ممارسات العمل اليومية وهو أن الفرد الفعّال لا يحتاج إلى توجيهٍ لزيادة ساعات عملٍ أو جهد، فهو يعمل لأهدافٍ سامية ولتحقيق مطالب كبيرة تمنعه عن التسيُب واللامسؤولية، فإن وجد أن انتاجه اليومي قليل لأي سبب نجده يزيد ساعات عمله.
والأمر لا يقتصر على العمل الوظيفي فقط بل في جميع ممارساته اليومية من معاملات وعبادات وحتى الأوقات التي يقضيها مع الأسرة، وقد تطرق أحد السلف لمفهوم فعالية الفرد في العبادات حيث قال: (لا يكن همّ أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكن همه في إحكامه وتحسينه، فإن أحدكم قد يُصلي وهو يعصي الله في صلاته، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه.) [2]
حبًا لا تكليفًا
إن مشكلة الواحد في أوطاننا أنه يعتبر العمل لأجل المُدير أو المُؤسسة التي يتبع لها في حين أن العمل لأجله ولأجل أُمته. دعونا نُغيِر نظرتنا للعمل، فأنت عزيزي القارئ مهما كانت وظيفتك جرِب أن تجلس مع نفسك لترى ماذا سيحدث إن توقفت أنت وكل من يعمل مثلك عن العمل، وماذا سيحدث إن ضاعفتم جهودكم! تساءل: ما دورك في إنماء هذا المجتمع؟ ستجد أنه مهما كانت وظيفتكَ فهي عظيمة ومهمة ما دُمت تعمل لصالح الوطن، فلا يوجد عمل غير مؤثر. وإن كُنت طالبًا فتذكر أنه يجب عليك الإجتهاد لأجل نفسك ولأن هذه الأمة تحتاج إليك ولا تنسى أن لكَ بكُلِ سعيٍ أجر، وبكل حرفٍ غاية، ففترة الدراسة تعتبر من أهم الفترات التي يمكن أن يصقل فيها المرء نفسه ليصنع منها فردًا فعّالًا ليخرج لبيئة العمل جاهزًا لتأدية الرسالة.
ويبدأ تغيير النظر للعلم من نفس الفرد حيث يحدد حبه للعمل والبذل مقتنعًا دون أن يتأثر بمطبات الحياة المختلفة غير مردوعٍ بها.
الإسلام يحُثُ الفرد على الفعالية!
لقد ذكر الله تعالى الفرق بين الشخص غير الفعال الذي أينما وجهته لا يأت بخير والفرد المتميز الفعال الذي يمضي على الحق و هو عادل: (وضَربَ الله مثلًا رَجلَينْ: أحَدهُما أبْكَمُ لا يَقدِرُ على شيء، وهو كَلٌ على مولاهُ، أينما يوجهْهُ لا يأتِ بخير؛ هل يستوي هو ومَن يأمُرُ بالعدل، وهو صراطٍ مستَقيم؟) [النحل - 76]
إن لكل شخص مميزاته في الحياة، والذي يعمل على نفسه فقط هو الذي يمكن أن يخرج بها من براثن الركوض إلى فعالية الحياة، والكريم سبحانه يُخبرنا أن كل نفسٍ أُلهِمت لصلاحها وضلالها.
وقد كتب الدكتور جودت سعيد عن هذه الآيات: " فإذا فهمنا معنى الفعالية واللافعالية فبإمكاننا أن نفهم أن الكلمة التي وردت في الآية وهي كلمة (الكَلّ) هي الكلمة القرآنية المقابلة لمصطلح اللافعالية والسلبية، بل كلمة القرآن أدلُّ على هذا المعنى حيث أن كلمة (الكَلّ) لا تدل على اللافعالية فحسب بل تدل على أنه عبء على من يتولاه سواء كان فردًا أو مجتمعًا. كما وأن كلمة (العدْل) في القرآن تقابل مصطلح الفعاليَّة بشكل أدق، لأن الفعالية لا تشترط دائمًا أن تكون فيما ينفع بل قد يكون المرء فعالًا فيما يضر. أما كلمة العدل ففعاليته في الحق دائمًا، كما وأن أمره بالعدل ذاتي الانبعاث وليس مدفوعًا إليه ". [3]
ما يقودنا لترسيخ فكرة أن الدين وبإثارة مثل هذه التساؤلات يريد منّا أن نرتقي ونصبح عادلين فاعليين أقوياء لأنه دينُ عمل وفعالية وليس دين كسل واتكالية، فالمؤمنُ القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف! ومفهوم القوة هُنا يتبع للإستقلالية والعدل وكلمة الحق.
ختامًا، إن لكل شخص مميزاته في الحياة، والذي يعمل على نفسه فقط هو الذي يمكن أن يخرج بها من براثن الركوض إلى فعالية الحياة، والكريم سبحانه يُخبرنا أن كل نفسٍ أُلهِمت لصلاحها وضلالها، فقد أقسم الله بسبعٍ مختلفات في سورة الشمس أن (قد أفلح من زكاها، وخاب من دساها)! ولنتمعن جيدًا لفط " دسّاها"، كأنه سبحانه يخبرنا أن النفوس سواسية هُناك من يوفق لسبرِ أغواره وتزكية نفسه بعنايتها وهناك من يُهملها ويدسها حتى يصل للخيبة! لكنّ النفس تظل موجودة مدسوسة يمكن تزكيتها مجددًا، ولكَ حرية الإختيار! وليس لك حرية الحكم على مجتمعاتنا بالضلال والتدهور الدائمين فإنما يُمكن لمجتمعاتنا إظهار ونبش المخفي وتزكيته. وكما قُلنا، فالتغيير يبدأ من الأفراد.