المصائب والبلايا من أقدار الله التي لا مفر منها، وتعرض البشر لها فوق إرادتهم وتوقعهم، وتعد أيضا من الأمور الحرجة نظرا لما قد يترتب عليها من تحول مصيري في حياة الأفراد أو المؤسسات أو الدول، وغالبا ما تتزامن مع عنصر المفاجأة، وتخلف أضرارا كثيرة؛ منها ما هو حسي ملموس ومنها ما هو معنوي وجداني، وينتج عنها أيضا مجموعة من الخسائر سواء التي تكون ذات طابع طبيعي، أو الناجمة عن تفاعل الإنسان مع غيره من أفراد جنسه ومع الأشياء الأخرى، وهذه الخسائر لا تحصل عبثا وإنما لقوة حدة المصائب أو جراء سوء التعامل معها، وإما بفعل هشاشة البنية الداخلية للفرد؛ كضعف الشخصية وقلة الثقة في النفس، أو بفعل ما تفرزه البيئة الخارجية المؤثرة في الذات؛ كالنقص في الدعم والإسناد من مختلف مؤسسات المجتمع والدولة.
لا يكاد أحد من الناس ينجو من المصائب والبلايا التي تحل بالبشرية، والتي قد تكون سببا من أسباب عيشهم في تعاسة وكدر، فكلما اشتدت درجتها إلا وصارت أكثر فتكا، بل وتصبح في أحيان كثيرة سببا في هلاك العديد من البشر.
لأن كيفية التعامل مع المصائب والبلايا تختلف بين فرد وآخر، فهناك من لا تهزه ويبقى أمامها صامدا ويكمل طريقه كأن شيئا لم يقع، وهناك من تسقطه لكنه يعاود الوقوف من جديد ليصير أقوى مما كان، وهناك من يعلن استسلامه بمجرد ما أن تعترضه في مشواره بهذه الحياة، ويعود سبب هذا التفاوت في كثير من الأحيان إلى افتقاد الفرد للتصرف الحكيم الذي يكفل له الخروج من المصائب، وقد يرجع ذلك أيضا إلى وجود ظروف معينة ليس للإنسان عليها سلطان، أو إلى شدة قوة البلايا التي تصيبه.
تعتبر المصائب والبلايا من التحديات المصيرية لكننا نحن البشر نستطيع معالجة الآثار الناجمة عنها؛ وذلك بالتعامل معها على نحو يقلل أضرارها، ويحوِّل محنها إلى منح، ويجعل شدة وطأتها عطاءً مثابا، بالرغم من أننا لا نملك القدرة على إيقاف وقوع ما يصيبنا من أقدار، لأنها لا تقع وفق مرادنا وإنما تحصل بمشيئة الله، إلا أن هذا ليس سببا مقنعا للانهزام التام أمامها؛ بالتأثر سلبا بوقعها القوي على النفس، واستنزاف جميع القوى والطاقات بالهلع والجزع منها، فيحرم المبتلى من إمكانية عبورها بثبات، في الحقيقة وإن اعتقدنا أن ما يصيبنا يحمل لنا الكثير من السوء والشر، إلا أنه دافع قوي للتعامل إيجابا معه، لكي نخرج مما يمكنه أن يؤزمنا بأقل الأضرار الممكنة، ولا يكون ذلك إلا بحسن إدارتنا للبلايا على نحو يجعلنا أكثر تماسكا وثباتا وأقل عرضة للإحباط والإخفاق.
لهذا تعد إدارة المصائب والبلايا إحدى الموضوعات البالغة الأهمية، فالتعامل معها بشكل غير واعٍ يؤثر فينا سلبا: جسديا وعقليا ونفسيا، ويجعلنا في وضع لا نحسد عليه، وهذا الأمر بالذات هو الذي فرض علينا مزيدا من الاهتمام بهذا الموضوع، لكي يكون هناك إدراك جمعي لحسن إدارة المصائب والبلايا، فبها يسهل تحقيق الغلبة على مصائبنا خصوصا عندما نمتلك إرادة فاعلة، وعزيمة راسخة، وتصميما فولاذيا، مما يعني أن هذا النوع من الإدارة يتطلب مهارة عالية، والتصدي لما يصيب البشرية ينبغي أن يكون بشكل شرعي وقانوني مع التحضير جيدا لمخطط خاص بالطوارئ؛ كي نتفادى آثار المصائب المدمرة، ونتجنب الوقوع في التخبط بقرارات عنيفة وارتجالية عنترية غير مدروسة، بفعل قوة الصدمة والإحساس بالخطر الشديد، مما يعني فقدان التركيز والتشويش على الذهن، الشيء الذي يؤدي لا محالة إلى التعامل مع العوارض المفاجئة بصورة ضعيفة وغير مناسبة.
وتجدر الإشارة إلى أن إدارة المصائب والبلايا عملية تستلزم الصمود، لكي نكون قادرين على إبعاد الأفكار السوداوية، والمشاعر المظلمة، وردود الفعل السلبية تجاه مصائبنا.
الأمر الذي سيؤدي بشكل طبيعي وربما حتمي إلى الإعلان عن تحقيق الانتصار بأقل الخسائر، وإلى الرفع من قدرة تفاعل مناعتنا الذاتية بفعالية مع ما يصيبنا من بلايا، لهذا نقول أن هذه العملية في حقيقتها تعد معركة إرادة أكثر من كونها معركة مواجهة، لكنه في نفس الوقت لا تقتصر على ذلك فقط، لأنها تحتاج لأمور أخرى ذات أهمية بالغة في خلق حلول ناجعة، ويمكن إجمالها في خطوتين رئيسيتين:
تطويق المصائب والبلايا بإحكام
إن أكثر ما يصيبنا من بلايا إن تركناها بدون تطويق ستغلي غليان المرجل وتتصاعد وتائر غليانها في كل الاتجاهات، وستكبر لتغطي مساحة واسعة من جهدنا وتفكيرنا وطاقاتنا، وتتحول من مصائب بسيطة إلى حروب طويلة الأمد الرابح فيها خسران، فعندما نقوم بمحاصرة المصائب والبلايا نمنعها من الامتداد، ونحد من انتشارها على نطاق واسع، ونحول دون وقوع آثار سلبية عميقة المدى، بل ونحجمها ونجعلها صغيرة أمام الإمكانيات المتاحة والاختيارات المحدودة للوصول للحلول الممكنة.
فإن من أكبر الأخطاء التي نقع فيها نحن معشر المبتلين أننا ننجر وراء المصائب وتسترسلنا بكل ما تحمله من هواجس ومخاوف وغيرها من عناصر الانهزام إلى حيث لا نريد، في المقابل نجد بأن ما هو مطلوب منا بالأساس يتمثل في التمكن من تطويق مصائبنا، لنكون أقوى وأكثر استعدادا وتحكما في تأثيرها علينا؛ بمنع كل من يحاول إقحام أمور وحسابات أخرى عنوة باستهتار واحتقار، وفرض العزلة على القوى الخارجية التي ترغب في الزيادة من حدة ما أصابنا دون أدنى احترام لرقابتنا الداخلية.
احتواء المصائب والبلايا والسيطرة عليها
قبل البدء في هذه الخطوة ينبغي أن ننتهي من الخطوة السابقة؛ بحصر مصائبنا وتطويقها بطوق محكم، إذا أردنا الإمساك بزمامها من الداخل، والتمكن من التلطيف من حدتها، والتحكم فيها بشكل يستبعد معه خروجها عن سيطرتنا، فنحتويها وكل ما له ارتباط بها، لكي تتم معالجتها باستقلالية تبعدنا عن باقي الأمور التي يمكن أن نعاني منها.
وهذا ما سيعطي هيمنة كبيرة للمصيبة التي نريد أن نحسن إدارتها، ما سيجعل المنظومة الإدارية الذاتية لدينا تضع ضمن أولوياتها ما نحدده نحن، فنتجنب بذلك الوقوع في شراك ما هو غير متداخل معها.
فكلما كنا قادرين على احتواء مصائبنا إلا وكنا منظمين أكثر، ولنا استطاعة كاملة على بسط سيطرتنا وحسم المعركة لصالحنا، لأننا بذلك نصبح أفضل وأكمل، بحيث تكون كل خطوة من خطواتنا لها وقع إيجابي في علاج مختلف الانعكاسات السيئة والآثار السلبية، خصوصا التي تترك تبعات تمس استقرارنا وأمننا وأماننا الداخلي.
وفي الأخير علينا أن نعلم بأن التزامنا بما ذكرنا على المستويين الخارجي والداخلي سيفيدنا كثيرا في إدارة مصائبنا رغم تعددها، لأنها تبقى مشتركة في الجوهر وإن اختلفت في المظاهر والأسباب، وكلما كانت نظرتنا إليها متسمة بالواقعية والحكمة إلا وكان تعاملنا معها جيدا، مما يعني سهولة تجاوز أضرارها بسلام، ولا يمكننا أن نتصرف بسلوك صحيح مع ما يقع لنا من مصائب بدون ما أن نحسن إدارتها، فبذلك تعظم مكاسبنا وتختصر المسافة التي بيننا وبين الحلول الفعالة في أجواء سليمة خالية من الخوف والتوتر، وبهذا نكون قد صرفنا جهدا أقل مع نتائج أفضل في اجتيازنا للمصائب بأمان، ونعود بقدرة تنافسية أقوى مما كنا عليه من قبل، ونتأهب ونكون على استعدادا تام لخوض مثل هذه المعارك الطاحنة دون كلل أو استكانة.