في عصر الإنسان القديم كانت الحروب بالسيف والدِرع، وبمرور الوقت طور الإنسان آلياته بطريقة تمكنه من هزيمة العدو بأسرع وقت، وأقل تكلفة من الناحية الإنسانية، لاستعماله البنادق والمدافع والدبابات في حربه، لكن الخسائر البشرية كانت كبيرة. مما جعل السياسيون والعسكريون يفكرون في طرق أفضل تتوافق مع التسارع الكبير لعجلة التطور، وبواقع اليوم الذي يسير بإنبهارٍ وذكاء، بسبب أتمتة كل شئ وأصبحت التكنولوجيا ساعداً أيمن للإنسان، ومؤَمِنَاً للمنازل والحكومات، ومفكراً ذكياً لإيجاد الحلول فجاءت الحروب بأشكالٍ جديدة وخفيّة وأصبحت ساحات الحروب إفتراضية.. أصبحت القوة لأقوى الأنظمة وأكثرها أماناً فماذا لو إنقلب السحر على الساحر، واستخدمت الحكومات نقاط قوتها لتحول نقاط ضعفٍ لغيرها. فهل ستكون للهجمات الإلكترونية أثراً بالغاً في صراعات المستقبل القريب؟ وهل سيكون الأقوى هو الأكثر حفظاً لمعلوماته وتأميناً لأجهزته وتقنياته؟
حروب عسكرية ناعمة
بعيداً عن الاستخدامات التكنولوجية في الحروب من طائرات بدون طيار، وأجهزة تتبع، وأشياء أُخرى مثل الهواتف وأجهزة الإرسال، والتي تطورت بشكل كبير في الفترة ما بين 1914 إلى 1990، حيث كانت المنظمات العسكرية هي المحرك الرئيسي للثورة التكنولوجية. فإننا اليوم سنتناول الجزء الرقيق – غير المرئي- من الهجمات التي تعتمد على التكنولوجيا، ألا وهي " الاختراقات" أو "الهجوم السيبراني".
ما هو مفهوم الهجوم السيبراني؟
هو حربٌ ضروس، جنودها عقول المخترقين، وساحاتها الشبكة الإفتراضية. إن لم تُستخدم بذكاء قد تجلب للمهاجمين أضراراً أكبر، وتتحول لحروب عسكرية على أرض الواقع..
إن الأمن السيبراني أو أمن تكنولوجيا المعلومات هو حماية أنظمة وشبكات الكمبيوتر من سرقة أو تلف الأجهزة أو البرامج أو البيانات الإلكترونية، وكذلك من انقطاع أو سوء توجيه الخدمات التي تقدمها.. وأيضا يمكن القول أن الهجوم السيبراني هو محاولة خبيثة، ومتعمدة من قِبَل فرد أو منظمة لاختراق نظام المعلومات لفرد أو منظمة أخرى، وفي الغالب يجني المهاجم نوعاً من الفائدة من تعطيل شبكة الضحية.. أي أن الأمن السيبراني يُعنى بالحماية والهجوم بالهجوم.
الأمن السيبراني ومستقبل الحروب
"تتوقع الولايات المتحدة تغييرات كبيرة في مستقبل الحرب. فقد أنفق البنتاغون في عام 2017 حوالي 7.4 مليار دولار
-من ميزانيته غير المصنفة - على الذكاء الاصطناعي والمجالات الداعمة. وطلبت إدارة ترامب 15 مليار دولار للإنفاق على الأمن السيبراني لعام 2019. ولكن من منظور إنساني، لا تزال التكتيكات القديمة منخفضة التقنية - أي التي لا تعتمد على التقنية بشكل كبير- سبباً رئيسياً في ضرر بعض السكان مثل قصف المستشفيات في سوريا، وحملات الأرض المحروقة في جنوب السودان" بهذا افتتح موقع The Airbel Impact Lab مقاله عن مستقبل الحرب.
وفي محاولة منهم للإجابة عن كيف ستشكل التقنيات الناشئة سلوك الحرب وعواقبها؟ وكيف ستؤثر على أمن المدنيين؟ تمت الإستعانة ببرنامج بومبشيل -برنامج بودكاست يغطي قضايا الأمن القومي والدفاع- حيث تمت مناقشة "كيف يتحول الإبتكار التكنولوجي إلى نزاع مسلح"؟ وهل ستصبح المواجهات بالروبوتات القاتلة؟
لكن رأت كلٌ من "شولمان" و"سيمبسون" -مقدمتا البرنامج- أن الخطر لن يصل لهذه الدرجة، فالإنسان وبالأخص رجل الجيش يظل يحمل نزوة السيطرة، ويفضل الإحتفاظ بسلطته في استعمال السلاح. لكن يمكن الإستفادة من هذه التقنيات كإستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي AI وتعليم الآلة ML في توجيه عمليات الاستهداف لضمان حماية أرواح المدنيين وذلك من خلال تقليل التحيز البشري، واستخدام هذه التقنيات لتحديد المقاتلين وغير المقاتلين يعني – المدنيين - بدقة أكبر.
ومع ذلك توافقت الضيفتين على أن اتخاذ القرار البشري لا يزال ضروريًا لضمان المساءلة عن الأضرار الجانبية، وللحماية من الإجراءات المضادة المصممة لخداع الآلات.
الحرب السيبرانية واستهداف المدنيين بدلاً عن الحكومات
بالنسبة للمدنيين لا يمكننا مناقشة مستقبل الأمن السيبراني دون التفكير في الاتجاهات الناشئة في مجال التكنولوجيا، والعوامل المهددة، فمع تطور المنظمات وتقنياتها المتعلقة بالبيانات الضخمة والحوسبة المعرفية وإنترنت الأشياء (IoT) أصبحت حياة الناس مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بهذه التقنيات، فباتت جميع المعاملات شِبه مؤتمتة أو تسير لتصبح كذلك، ورغم الراحة التي توفرها هذه التقنيات إلا أن التهديدات السيبرانية تتزايد تباعاً من حيث الحجم والتعقيد، والسباق مستمر لتأمين هذه الأنظمة والأجهزة قبل أن يكتشف المحتالون كيفية استغلالها والذي سيؤدي لنتائج وخيمة لا تُحمَد عُقباها.
وغالبًا ما لا تتم مناقشة الحرب السيبرانية في سياق العمل الإنساني ، ولكن الهجمات السيبرانية على البنية التحتية المدنية الحيوية - مثل هجوم "واناكري" لعام 2017 على الخدمة الصحية الوطنية البريطانية - كان له آثار مدمرة على السكان المحليين.
قوة البيانات الضخمة (Big Data)
المزيد من الأجهزة يعني المزيد من البيانات، فالمعلومات والبيانات التي يستخدمها الناس في مختلف مواقع التواصل الإجتماعي، تُستخدم لصالح الحملات الإعلانية والتسويق، وذلك من خلال الطرق التي قام ويقوم بتطويرها علماء البيانات، وقد يكون مرّ عليك ما حدث في "وادي السيلكون" من تسخير لهذه البيانات الضخمة لأجل حملات إنتخابية "حملة ترامب الإنتخابية"! حيث يمكن عبر البيانات معرفة ميول كل شخص وتحليل شخصيته ودراسة المجتمع ككل والتأثير على سلوكه.
ولك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث إن إستطاع مجرمو الإنترنت أو "موجهو الهجوم" الوصول لهذه البيانات !حتى الدماغ البشري نفسه يمكنه إنتاج بيانات للباحثين لتحليلها حيث يستخدم العلماء أجهزة استشعار لفهم كيفية تفاعل الدماغ مع بعض المنشطات والعواطف لصالح التقدم الطبي. وغني عن القول أن البيانات التي تنتجها هذه التجارب ذات قيمة عالية للباحثين والجهات الخبيثة على حد سواء.
استخدام إنترنت الأشياء "Internet of Things IOT"
مع أتمتة الأجهزة المنزلية فإن الخبراء الآن على دراية ومقدرة لحماية الأجهزة المحمولة نوعاً ما، لكن ماذا عن السيارات والثلاجات وغيرها من الأجهزة المنزلية المؤتمتة التي بات التحكم فيها عن بعد ممكنا؟ والأهم من هذا المعدات الطبية المستخدمة في المستشفيات والمتصلة بالإنترنت إما لإخطار الأطباء أو معالجة المرضى!
مع هذا التطور تزداد أهمية التوجه فعلياً لمجال الأمن فعادةً تستخدم هذه الأجهزة كنقاط لتُحقق نوعاً من الهجمات يُسمى هجمات منع الخدمة الموسعة Distributed denial of service DDoS Attack وهو هجوم يعمل على الإستخدام الكثيف أو الوصول لصفحة محددة من أماكن مختلفة وكثيرة جداً في نفس الوقت، لزيادة الضغط عليها حتى تفقد القدرة على استيعاب الكم الهائل من الطلبات فيحدث لها dawn ولا يتمكن المستخدم من الوصول إليها.
تنطبق جميع التهديدات المذكورة أعلاه المتعلقة بالبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء على تقنيات الرعاية الصحية أيضًا. وهو أمر في غاية الخطورة، فمشغلوا برامج الفدية ينجذبون بشكل خاص إلى بيانات الرعاية الصحية لأنها بالغة الأهمية وصعبة التأمين وشخصية للغاية. لذلك يجب على القادة في المجال الأمني إيلاء اهتمام وثيق لهذه الصناعة عالية الاستهداف.
بهذا أصبحت الحروب تأخذ طابعاً فئوياً وشخصياً، حيث لا يمكن للحكومات إنشاء حروب إعتماداً على هجمات إلكترونية لم يثبت إنتماءها لحكومة أخرى، بل لفئة محددة! وقد أشارت "سيمبسون" إلى أن معظم الهجمات السيبرانية تهدف إلى "البقاء دون عتبة الرد العسكري الواسع النطاق" من خلال استهداف الشركات الخاصة، ووسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من الأنظمة الحكومية، ومع ذلك لم يتضح بعد ما إذا كانت الحرب السيبرانية ستقتصر على الفضاء السيبراني، أو ستثير ردود فعل عسكرية تقليدية يمكن أن تهدد أرواح المدنيين.
ويمكننا أن نخلص لأن الهجوم السيبراني والأمن يعتبران أهم عوامل صراعات المستقبل، حيث أن ضمانهما يضمن القوة والأمان.
استخدام مختلف!
هل يمكن استخدام هذه التقنيات المسخرة والمسيّسة وفقاً لأهواء بعض المتعصبين أو المسؤولين لتقليل احتمالية أو شدة الصراع العنيف والأزمات الإنسانية؟
نعم، يمكن توظيف هذه الذكاءات لحماية البشر بدلاً عن إهلاكهم، ونجد أمثلة كثيرة حيّة لذلك مثل أنظمة الإستشعارات للكوارث وأنظمة الحماية.
كما ضربت بعض البلدان مثل الصين مثالاً مميزاً بالإنجاز الكبير الذي حققته في مجابهة جائحة كورونا، مستخدمة الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة. كما يمكن إستخدام الهجمات السيبرانية لإكتشاف المتفلتين وتقليل الفساد، ويمكن توجيه الأمن السيبراني لزيادة أمن المنظمات الحكومية والمدنية لضمان الاستقرار والتقدم.
ختاماً، هذا المقال يعكس جزءاً فقط مما يمكن أن تستغله الهجمات السيبرانية، وما يزال هناك أجزاء أخرى كثيرة بعواقب وخيمة..
وبالنسبة لنا كبشر، بالرغم مما حققناه من تقدم عبر العصور، إلا أن صراعاتنا ما زالت قائمة رغم ما يعكسه التاريخ من عدم ديمومة للسلطة، وعدم إستقرار المُلك والجاه، لكن الإنسان يظل يبحث عن زينة الدنيا والسلطة - وهذا لا يعني أن كل الحروب لأجل ذلك فقط، فهُناك حروبٌ لإعلاء الحقّ ونصرته - فنسأل الله لأقوامنا الرفعة والسداد، وأن يجعلنا عوناً وأملاً للمظلوم، وخوفاً ورُعباً للظالم وأن نتوجه لتعلُم هذه التقنيات لأجل أن يكون لأمتنا دورٌ كبير في تعمير وحماية الأوطان لا تدميرها.