قبل أن ندخل في هذا الموضوع الواسع لابد أن نضع عينات فاحصة لمعرفة بعض الكلمات أو المصطلحات كالقومية والغربة الثقافية.
- القومية: هي مبدأ يجمع أمة ذات تاريخ مشترك، أو بالأحرى هي صلة اجتماعية تنشأ من الإشتراك في الوطن، والجنس، واللغة، والمنافع، وقد تنتهي بالتضامن والتعاون إلى الوحدة .
- أما الغربة الثقافية: فهي البعد عن العلوم والمعارف التي يطلب الحذق فيها، أو هي عدم الإحاطة بالعلوم والفنون والآداب وبشؤون الناس.
ولقد بدأت غربة الإنسان التشادي منذ دخول المستعمر الفرنسي إلى الأراضي التشادية، ولا زالت إلى يومنا هذا، ظلت هذه الغربة في الإمتداد، وأدت بالإنسان التشادي إلى مرحلة ضعف الإنتماء القومي، لأن الثقافة تعبر عنها اللغة، والمجتمع التشادي فقد اللغة، وظل يزهو بلغة دخيلة، لا تنتمي للإنسان التشادي ولا ينتمي إليها هذا المجتمع، سواء كان جغرافيا أو تاريخيا، لأنها دخلت في فترة وجيزة بحكم الاستعمار الفرنسي.
فكيف يمكن أن نعبر عن ثقافة ما مع ثقافات أخرى من دون لغة؟ ومن دون لغة تتحول الثقافة إلى شبه مركز كبير لتوليد الطاقة الكهربائية لكن لا توجد أسلاك كهربائية لتوزيع هذه الطاقة لمختلف أنحاء المدينة، أو أي مكان آخر؛ هذا هو وضعنا الآن في التشاد.
فقدان اللغة هو فقدان للارتباط، وبشكل أدق هو حالة غربة عن الثقافة التي ينتمي إليها هذا الإنسان.
وإذا كنا نفهم معنى اللغة، لغتنا تبقى هي الأساس حتى وإن كنا نستعمل لغة أجنبية أخرى، لأن تحول الثقافة يبدأ أولا باللغة من خلال كلمات ومصطلحات بسيطة، ومن ثم تُعَمَمْ ويتوارثها الأجيال جيل بعد آخر،وبهذا يتم طمس الهوية ومن بعدها القومية.
المجتمع التشادي ينقسم إلى مجموعتين
- المجموعة الأولى: أشخاص فقدوا الإنتماء القومي ومعهم الإنتماء الوطني، إذا سألتهم، سيقولون لك نحن ننتمي لتشاد فقط. وإذا سألتهم سؤالا آخر: لأي مجموعة قومية تنتمي التشاد؟ لا يعرفون، ولن تجد عندهم أية إجابة سوى الصمت.
- المجموعة الثانية: أشخاص فقدوا الهوية والأخلاق وبالتالي فقدوا الوطن.
وعلى هذا الأساس، تم استهداف المجتمع والمؤسسات من قبل الإستعمار، وقد بدأ العمل الفعلي بنزع فكرة القومية، لأن القومية هي ماضي وحاضر ومستقبل الشعوب، وأساس وجودها على سطح الأرض، لذلك تم سلب الدستور وتجريده من أي شيء عقائدي، يحمل معنى العقيدة بالمفهوم الواسع.
وبسبب كل هذه المفاهيم، أصبحنا نعيش الحرب والضعف المادي والتشرذم، لكن مع ذلك يجب علينا التحلي بالحيطة والحذر حتى لا نجبر على تقديم تنازلات تتعلق بالهوية والإنتماء القومي، وأن نقف سدا منيعا أمام حثالات الفرنجة الذين زرعهم المستعمر في أوساط الشعب، وإذا تمسكنا رسميا واجتماعيا وشعبيا وثقافيا وسياسيا بهويتنا وانتمائنا القومي، المحصلة في النهاية تكون وطنية.
انتماء الإنسان التشادي والقومية التشادية
لاشك أننا نعلم علم يقين أن الإنسان التشادي ينتمي لتشاد، مع وجود فئة إثنية ينتمي إليها وترجع هذه الفئة لجذور وأصول خارجية، لكن إلى أين تتجه التشاد؟ ولمن تنتمي القومية التشادية؟ هل هي أفريقية أم عربية؟
قبل أن نبين ونوضح ونحدد القومية التشادية لابد أن نشير إلى أشياء أساسية لا يستطيع الإنسان بدونها معرفة أو تحديد القومية وهي: الجغرافيا، التاريخ، العرق، الدين، الثقافة. من خلال هذه العناصر نستطيع أن نحدد القومية التشادية أو أي قومية أخرى.
- الجغرافيا: بحكم موقع التشاد في وسط القارة الإفريقية إلا أنها تمثل انحدارا جغرافيا متاخما للنطاق الإسلامي المتصل، من جهة الشمال الشرقي، وهذا الجزء يعد من أكبر الأجزاء الجغرافية التي تمثل مساحة التشاد الواسعة.
- التاريخ: يعود تاريخ التشاد إلى عصر الإمبراطوريات، حيث قامت أول مملكة عربية إسلامية في التشاد في القرن الثاني الهجري- الثامن الميلادي، وهي مملكة كانم شمال شرق بحيرة التشاد، ويعرف تاريخ الإمبراطورية بشكل أساسي من سجلات الأحداث الملكية أو جيرجام الذي تم اكتشافه في عام 1851 بواسطة الرحالة الألماني هاينريش بارت. ترجع أصول الأسرة الكانمية، إلى سيف بن ذي زين اليمني الذي قدم من اليمن، ويرجع تاريخ الأسرة الكانمية إلى الأصول العربية. ثم بعد ذلك مملكة وداي الإسلامية العربية التي ظهرت في القرن السادس عشر شرقي بحيرة التشاد، والأسرة التي حكمت هذه المملكة هي أسرة عباسية عربية قدمت من العراق مرورا بالسودان حتى وصلت أراضي المنطقة التي يوجد فيها عدد كثير من القبائل كالمبا أو الوضائيين، والكنعانيون، والهلاليون العرب والتنجر وغيرهم من القبائل الأخرى، نزل جامع العباسي العربي في المنطقة حيث نشر الدعوة الإسلامية، أنشأ الخلاوي القرآنية وأنجب ابنا سماه عبد الكريم الذي أسس هذه المملكة الإسلامية العربية.
مملكة باقرمي أو سلطنة باجرمي هي مملكة إسلامية وسبب تأسيسها وقيامها هو الدين الإسلامي حيث أن سكانها كانوا قبائل متفرقة في مملكة كانم إلا أنه عندما دب الضعف في كانم تجمعوا واستقلوا بحكمهم واستقروا. كان أول حكام باقرمي الإسلامية برني بيسى ومن أهم ملوكهم عبد الرحمن جورانج الأول ثم الثاني الذي تحالف مع الإحتلال الفرنسي، وقبلهم مالو وإبنه عبد الله. وقد ورد ذلك في العديد من المصادر التاريخية والإكتشافات الأثرية ( أركيل الباحث، الآثاري، فضل كلود الدكو، عبد الرحمن عمر الماحي، الدكتور عثمان علي، الدكتور محمد علي عبد السلام، بن عمر التونسي، الرحالة نشتقال، وغيرهم من المؤرخين التشاديين والأجانب).
- العرق: يعود أصل المجتمع التشادي إلى الجذور العربية بحكم الأسر العربية التي حكمت الممالك الثلاثة في ظل الإسلام، كما أشارت جل المصادر التاريخية أن أول من دخل إلى الأراضي التشادية هم الكنعانيون والهلاليون العرب.
- الدين: عام 46 هجرية حوالي 666 م وهي الفترة التي وصلت فيها طلائع المسلمين بقيادة عقبة بن نافع إلى أقليم ( كوار ) ونسبة المسلمين في التشاد تساوي 85% وقد ورد ذلك في مجلد حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة، وقد ورد أيضا في مؤلفات عبد الرحمن عمر الماحي. - وتعتبر التشاد دولة إسلامية من عام 666 م حتى عام 1909.
- الثقافة: إن الثقافية التشادية متنوعة ومتعددة ولكنها في العموم ترجع للثقافات العربية بل هي في الأصل ثقافة عربية. ويظهر لنا واضحا بأن القومية التشادية هي قومية عربية بحكم الجغرافية، والتاريخ، والعرق ، والدين، والثقافة.
وأن نعيش كتشاديين مع بعضنا يجمعنا انتماء واحد من الناحية السياسية والثقافية والإجتماعية فهذا شيء طبيعي، ولكن التركيبة التشادية الحالية جعلتهم الظروف في مكان مناقض لانتمائهم الطبيعي.
وهناك طبقة مسمومة طبخها الغرب والإستعمار كانوا هم وقودا لها والآن بدأنا نلمس سموم هذه الطبقة، لذلك علينا أن نبطل مفعول هذه السموم بالتضامن والحوار مع الآخرين بل مناقشة أفكارهم. ومن المعلوم أنه لا يوجد أي تعارض بين الإسلام والعروبة فكلاهما يكمل الآخر.
العروبة والإسلام في التشاد
هل يتمكنوا من فصل الإسلام عن العروبة؟ ولم يتمكنوا من فصل عروبة الرسول الكريم العربي عن دينه، وقد تباهى صل الله عليه وسلم في أكثر من حديث بالعروبة. ولن يتمكنوا من فصل العروبة عن الإسلام قبل أن يتمكنوا من فصل مضمون القرآن الديني عن لغته ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة يوسف الآية: 2]. لسنا بحاجة للآية لكي نعرف أنه عربي، يعني التأكيد على هذا الشيء هناك ربط واضح لمفهوم العروبة الذي هو مفهوم حضاري شامل، يشمل كل الأعراق والطوائف والأديان.
العروبة هي حالة حضارية ساهم في بنائها كل من تواجد في منطقة السودان الأوسط(( تشاد))، ومجرد أن يتآمر علينا الفرنسيون وأتباعهم الأذلاء وبعض من أبناء جلدتنا، هذا لا يعني أننا نسلم الراية لهؤلاء، لأن غياب الإنتماء لا مصلحة لنا فيه جميعاً.
فُرِضَ علينا التقسيم وقَبِلْناَ بحدود أوطاننا ولكن لا نرضى بطمس الهوية، فبعض الأمور قابلة للتقسيم كالجغرافيا والاقتصاد؛ أما الهوية فهي ثابتة وإن لم تكن كذلك فسوف تزول وتنتهي؛ ثابتة لا يعني بأنها جامدة، بل تتطور بتطور المجتمعات، كلما انضمت إليها مجتمعات وأطياف أخرى كلما ازدادت غنى. إذاً هي تتطور دائماً وتنمو وتكبر، ولكن عدى عن ذلك فهي في حالة اندثار وضمور.