إن معظم الناس كثيراً ما تتحدث عن المال والمشاكل الاقتصادية في دولنا العربية بغضِ النظر عن ما تحمله من تعقيدات وضبابية في فهمها بعمق، ومن تلك الموضوعات الباعة على التفكير: أسباب غلاء الأسعار، وانخفاض قيمة العملة وهو ما يعرف اقتصاديا بالتضخم.
في مقالي هذا، سوفَ أتطرق إلى تعريف التضخم وأشكالهِ وأسبابهِ وتأثيرهِ على اقتصاد الدول والأفراد.
مفهوم التضخم (inflation)
يعرف التضخم بأنه المعدل الاقتصادي الذي يؤدي إلى زيادة المستوى العام في أسعار السلع والخدمات، مما يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للعملة [1]. ويعرف أيضا بأنه: الزيادة المفرطة في النقود المتداولة مع انخفاض القوة الشرائية [2].
كمثال على ذلك، نفترض أن أحمد اشترى عام 2019 سلة غذائية بثمن قدرهُ 3000 ليرة سورية، وفي عام 2020 اشترى نفس السلة الغذائية، بنفس المحتوى، لكن بمبلغ 4000 ليرة سورية، فإن هذا ما يسمى بالتضخم.
أنواع التضخم
العرض النقدي (money supply)
لنفترض أنه هناك دولة قد نشأت وهي تتمتع باحتوائها موارد اقتصادية وخدمات ومعامل ومنتجات، وأنها تتعامل" بالليرة" . إذا قمنا بتقدير قيمة هذه المنتجات والمعامل والموارد، فإننا نجد أنها تساوي فرضا 10000، وقرر البنك المركزي طبع 10000 ل.س، هي قسمة هذه الموارد المتاحة في المجتمع لكي يستخدمها سكان هذه الدولة في تبادل السلع والخدمات الموجودة فيما بينهم.
فما الذي سيحدث إذا اتخذ البنك المركزي لتلك الدولة قرار طبع 10000 ل.س جديدة وتوزيعها على الناس؟
نلاحظ هنا أن قيمة موارد تلك الدولة لم تتغير، لكن كمية النقود الموجودة في الدولة ستتضاعف، هذا ليس استنتاجًا يصعُب الوصول إليه، فالكل يستطيع فهم فكرة أن الناس سيصبح لديهم ضعف المال دون بذل أي مجهود، فما الذى سيحدث في هذه الحالة إذن؟ لنفترض أنك أحد التجار في تلك الدولة وفهمت أن الناس لديهم الآن ضعف الأموال التي كانت لديهم؛ فأول رد فعل لك سيكون مضاعفة الأسعار؛ لأن كل فرد أصبح يمتلك مالا أكثر. أليس كذلك؟!
دعني الآن أسألك سؤالا: ما الأمر الأول الذي خطر فى بالك عندما قلنا في هذا المثال أنه سيتم طبع 10000 ل.س الإضافية؟ هل ظننت أن الجميع سيصبحون أغنى؟ لكن ما الذي حدث حقا؟
ما حدث هو أنه على الرغم من زيادة كمية الأموال، إلا أن الأسعار قد تضاعفت فى حين أن ما يمتلكه الناس من أملاك لم يتغير. وهذا هو الذي يحدث في الواقع … فعند طبع الدولة نقودا زائدة عن الثروة الفعلية لاقتصاد ما، لا توزع الدولة النقود على المواطنين، بل تستخدمها غالبا لسداد التزاماتها كسداد أقساط الديون الخارجية، في حين أن المواطنين لا ينالهم إلا ارتفاع الأسعار.
لذا، يمكننا تعريف التضخم النقدي بأنه ارتفاع الأسعار الناتج عن زيادة كمية النقود المعروضة في المجتمع .وبصيغة أخرى، هو انخفاض قيمة النقود وقدرتها على الشراء.
التضخم الناجم عن زيادة الطلب ( Demand-Pull )
ينص هذا النوع على أنه في الاقتصاد المتنامي مع زيادة الأجور داخل الاقتصاد ، سيكون لدى الناس المزيد من الأموال لإنفاقها على السلع والخدمات[3]. ستؤدي عندئذ إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات إلى قيام الشركات برفع الأسعار التي يتحملها المستهلكون من أجل تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
ويظهر "تضخم الطلب" بوضوح مع "التضخم النقدي"، ذلك أنه عند زيادة الأموال المتاحة للاستخدام فى المجتمع، يرغب الناس في الحصول على كمّ أكبر من السلع والخدمات والموارد، ولكن نظرًا لأن الكميات محدودة ولم يزدد المعروض منها، بالإضافة إلى تزايد الرغبة في الحصول عليها، كنتيجة حتمية سترتفع الأسعار، ونظرًا لانخفاض قيمة النقود بسبب زيادة المعروض منها؛ فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الشعور بالتضخم، فإن النقود تقل قيمتها والمنتجات ترتفع أسعارها في نفس الوقت.
قلّة العناصر الإنتاجية
هي انخفاض في عدد العمال أو المواد الخام، وغيرها من عناصر الإنتاج الأخرى التي تؤثر في العملية الإنتاجية بشكلٍ عام، وتؤدي إلى ظهور التضخم؛ نتيجة انخفاض العرض وارتفاع الأسعار[4].
يبدو أن السبب الأكثر شيوعًا لتضخم هذا النوع من التضخم هو زيادة تكلفة الإنتاج ، والتي قد تكون متوقعة أو غير متوقعة. على سبيل المثال ، قد تزداد تكلفة المواد الخام أو المخزون المستخدم في الإنتاج ، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف[5].
تضخم الدخل
يعرف تضخم الدخل بأنه ارتفاع فى الأسعار يحدث نتيجة ازدياد النقود المتاحة في المجتمع مما يؤدي إلى زيادة دخل الأفراد، ونظًرا لزيادة الدخل المتاح لدى الأفراد يزداد الطلب على السلع والخدمات والمنتجات. أي أن "تضخم الدخل" هو حالة تجمع بين "التضخم النقدي" و"تضخم الطلب" في آن واحد.