شاع في هذه الأيام وفي العديد من المُجتمعات تراجع في رغبة الطلاب تجاه التعليم، أو تجاه القراءة تحديداً، فمعظم الطلاب سواء جامعيين أو طلاب ثانوية وابتدائي لا يُبدُون رغبةً في التعليم، وإنما يبدو الأمر بالنسبة لهم وكأنه واجب مُحتمٌ عليهم أداؤه للتخلص من عبئه، وفي المُقابل نجدهم يُريدون الوصول لحد غير اعتيادي واستثنائي من النجاح والتفوق والشُهرة وجمع للثروة دون بذل أدنى جُهد في سبيل ذلك.
نجد أن الطُلاب في العديد من المدارس والجامعات يَبدُون وكأنهم مُرغمين على الذهاب يومياً للتعلم، بل وينظرون للقراءة على أنها عقبة في طريقهم وعائق لهم، ولكن كيف يمكنهم المُضي قُدما دون سلاح العِلم؟؟ّ! ويَظلون يُرددون أكثر سؤال قد تسمعه اليوم من طُلاب العلم ألا و هو: ما فائدة هذا الذي ندرسه بالنسبة لما نُريد الوصول إليه؟؟ إنه سؤال جوهري، ولكن المؤسف أن هذا السؤال نادراً ما يُتبع بالبحث عن إجابة له، وإنما يُطرح بِصيغة استنكار واستهجان مما يزيدهم نُفوراً وبعدا عن القراءة والتعلم.
بدون هدف!
كُل هذا التِيه والتقليل من شأن القراءة وأهمية التعليم يعود إلى عدم تحديد الأهداف، فكما ذكرنا أن المُلاحظ في جميع هؤلاء الطُلاب أنّهم تشتد رغبتهم في تحقيق نجاح مُلفت مُختلف بالنسبة لهم، وهذا أمر جيد، لكن الأمر السيئ فيما يتعلق بهذه الرغبة هو عدم إتخاذها كهدف، فإنه حتماً هنالك فرق جوهري بين الرغبة والهدف، فإن كنت تملك هدفاً ما فلا بد أن تمتلك أضعافه رغبة في الوصول إليه، أما إذا كنت تملك رغبة تجاه أمر ما فإنه ليس بالضرورة أن يكون هدفاً لك، ويمكنك أن تتخلى عنه بسهولة أو تستبدله بمجرد أن تختفي رغبتك تجاهه، أو بمجرد أن ترى أمراً أكثر جاذبية منه.
لذلك نجد كل هذا الإهمال للتعليم، وعدم التعامل معه بجدية وحزم، والشعور الدائم بعدم فائدة ما يُدرس للطالب في الجامعة أو المدرسة، لأنه لا يصُب في وعاء هدفه.
يجب أن يكون لكل منا سواء كان طالب جامعي أو ثانوي أو ابتدائي أو حتى عامل، ولكل شخص في الحياة قوس قُزح وفي آخِره وعاء مليئ بالكنوز يسعى للوصول إليه، هذا الوعاء هو بمثابة الهدف الذي يصبو ويسعى إليه كُل فرد في المجتمع، وقوس قُزح هو بمثابة الطريق المؤدية لهذا الهدف واكتناز جميع هذه الكُنُوز، ولكن ما يجب أيضا على الجميع إدراكه هو أن هذا الوعاء لن يكون مليئا بالكنوز كما تتوقع ما لم تملأه أنت.
فإنه مُنذ اللحظة التي تُمسك فيها بورقتك وقلمك وتبدأ بكتابة هدفك تكون قد بنيت قوس قُزح، ووضعت في آخره وعاء فارغاً والآن عليك أنت أن تملأه، في مسيرتك التعليمية كل مادة علمية تقرأها وكل مهارة تكتسبها وكل معلومة تتعلمها، وكل خبرة تكتسبها، فأنت تقوم تِلقائياً بإرسالها عبر قوس قُزح لتستقر في هذا الوعاء، وفي مرحلة ما ستكتشف حقا أن هدفك هو ليس فقط ذلك الخط العريض الذي قُمت بكتابته أعلى الورقة، وإنما هو مجموعة كبيرة من هذه الخبرات، والمهارات التي تشكلت في النهاية لتُصبح وعاء مليئاً بالكنوز.
مربط الفرس هو أنه ليس هنالك هدف إسمه أريد أن أصبح عالماً، وإنما الهدف الحقيقي هو أنك تُريد أن تجمع العلم لِأن العالِم لا يُولدُ عالِماً وإنما يجمع العلم ولا يتوقف عن جَمعه لمُجرد أن يُنادى بصفته عالِماً، وكذلك ليس هنالك هدف يسمى أريد أن أُصبح ثرياً أو مشهوراً، فإن الثروة لا تأتي بغتةً وإنما تتطلب أن تُجمع عبر فترات.
وكذلك الشُهرة لا تأتي إلا نتيجة لتراكمات أفعال كبيرة تسترعي إنتباه الجميع، ومن هذا يُمكننا أن نُعرِف الهدف على أنه هو تجمع العديد من المهارات والخبرات والمعلومات يتم تشكيلها وتوظيفها تحت إسم معين، فإنه عند وصول هذه الخبرات والمهارات لحد مُعين سوف يُطلق عليها إسم واحد يشملها جميعاً، فإنك عندما تصل لمرحلة أن تُنادى بالعالم لن تكون قد وصلت لهدفك، إنك عندها فقط سوف تبدأ بالتصرف على ضوء أنك عالم وتبدأ مُشواراً جديداً.
وعندما تحوز الثروة وتجمعها سوف تبدأ حينها بإنْفاقها وإسْتثمارها وتوظيفها، وعندما تُصبح مشهورا سوف تبدأ بالتصرف على أنك مشهور وتستغل شهرتك وتستثمرها، ذلك إلا أن يكون هدفك فقط الحصول على لقب عالم، والتوقف والإستلقاء بالمنزل وعندها سيضيع العلم، أو تجمع الثروة وتحصل على لقب ثري وتخَزنها وعندها ستكون وبالاً عليك، أو تريد الحصول على لقب مشهور ومن ثم التوقف، وأسرع ما يضيع في أيامنا هذه هو الشُهرة، أسرع حتى من الرماد في مهب الريح.
ما هو تأثير الأهداف على رغبة طالب العلم؟
من أول الأسئلة التي يطرحها المُعلم على طلابه في بداية مسيرتهم التعليمية، وأهم سؤال هو ماذا تُريد أن تكون في المستقبل؟ هذا السؤال لأهميته لا بُد أن يتكرر على الطفل مراراً من قِبَل مُعلِمه ووالديْه وأقاربه وجميع من حوله، حتى يأخذ الأمر على محمل الجد حول ما هو الكيان الذي يُريد أن يُشكله عندما يكبُر.
الإجابة المعتادة عند الأطفال: أُريد أن أُصبح طبيباً أو مُعلماً أو مُهندساً، في ذلك الوقت حقيقة ليس مهماً ماذا يُريد أن يُصبح عليه، فقد تتغير الأهداف والرغبات والتوجُهات وحتى الأولويات، تتغير مع مرور الوقت ووفق البيئات والظروف المُحيطة.
ما يُهم حقاً هو أنه يجب على الطفل أن يُذَكر دائماً بأن كل ما يبذله من جهد و كل ما يُبديه من إهتمام هو في سبيل الوصول إلى أمر ما، عندها فقط ستتغير نظرة الطفل أو الطالب للعلم والتعليم والقراءة ولن ينظُر لها كواجب مُحتم عليه أداؤه، أو أن فترة المدرسة أو الجامعة هي مُجرد فترات روتينية يجب عليه قضائها في هذه المؤسسات كما يفعل الجميع.
ستتبدل نظرة الطالب لكل العلوم، وكذلك ستتغير نظرته لكل الموارد المُتاحة له، ستُصبح كل معلومة بالنسبة له مُهمة، ستُصبح كل كلمة تُقال له بمثابة لَبِنة من لَبِنات بناء شخصيته، سَيُعِيد النظر في كل موضوع يُطرح أمامه، على اعتبار أنه قد يكون مُهماً جداً في بناء مُستَقبَلِه.
في كل مرة يسأل نفسه ما فائدة هذا الذي ندرسه بالنسبة لما نُريد الوصول إليه؟؟ سيَسعى جاهدا تمام الجهد في الحصول على إجابة لهذا السؤال، ومعرفة ما هي الفائدة فعلاً، سيُدرك مدى صُعوبة الأمر وبالرغم من ذلك سيخوض غماره، سيُدرك تماماً مَقدار التضحيات التي يجب عليه بذلها، بل وسيُصبح أكثر إدراكاً لأهمية التضحية بالكثير من الأمور.
لهذا يجب دوما أن نُكرر هذا السؤال على أطفالنا، اجلس مع طفلك، حدثه عن المدرسة وجمالها وعن الجامعة، وعن العمل ثم قل له سوف تدخل المدرسة بالتأكيد ولكن عليك أولاً أن تُجيب على هذا السؤال: ماذا تُريد أن تكون مُستقبلاً، لماذا تريد أن تدخل المدرسة ليتعلم أن يسأل نفسه هذا السؤال كل يوم في طريق ذهابه إلى المدرسة، ويفكر لأي درجة سيؤثر هذا اليوم المدرسي في مُستقبلي، وما أهميته وكل يوم سيُرسل فكرة جديدة ومهارة اكتسبها عبر قوس قُزح لِتنتظره في الوعاء الكنيز.