على امتداد الزمان والأحيان تصاعد الجدل والحوار شيئاً فشيئاً حول صراع الهوية، حيث افترق العباد لعدة فرق ومعسكرات حول الأسباب وطرق العلاج، وكذلك امتدت الجدلية بين محذرٍ لتطور واستمرار هذا الصراع، وبين من لا يرى أصلاً صراعاً في الهوية بل هو تطور طبيعي لهذه الهوية، سواء تعلقت بالجانب الديني أو اللغوي أو الوطني.
أحاول في هذه السطور القليلة الإضاءة على جانب من جوانب هذا الصراع، وهو صراع الهوية اللغوية في نسختها العربية، وهذا يعني أنني أرى أن هناك صراعاً في الهوية، ولكني أرى فيه جوانب إيجابية طبعاً، ولعل الحصيلة اللغوية للأطفال من أحد أهم ملامح هذا الصراع، سواءً أكان الطفل العربي في البلاد العربية أم يقيم في دول غير عربية حيث تزداد المشكلة صعوبة وتحدياً.
الأسباب وقليل من الحلول
أولاً: تعتبر العائلة التي تحيط بالطفل من أهم مصادر المعرفة اللغوية، حيث يتعلم فيها الطفل أولى كلماته المتعثرة والمتقطعة، ولا تلبث أن تأخذ حصيلة هذا الطفل بالتطور وفق القالب العائلي، من حيث الفصحى والعامية، غزارة المفردات وفقرها، التراكيب البسيطة أو المعقدة، وهنا تكمن مسؤولية العائلة في سنوات ما قبل المدرسة أن توفر للطفل مصادر تطوير الحصيلة اللغوية كقراءة القصص، مشاهدة الأفلام الهادفة والمناسبة، حرية التعبير عن المشاعر والخيال.
ثانياً: تأتي المدرسة في المرحلة التالية حيث يتعرض الطفل على مدار سنوات كثيرة لشتى أنواع المناهج، ويخضع لعدد كبير من الأساليب التدريسية، وتتأثر حصيلته اللغوية بمستوى المناهج والمدرسين.
وتتحد الأسباب كلها هنا في التأثير على الحصيلة اللغوية للطفل، لاسيما مع مزاحمة المواد العلمية للمواد الأدبية، وأسلوب المدرس في إتاحة الفرصة للطفل أن يُعبّر عن رأيه ومشاعره بحرية وطلاقة، والفروق الفردية بين المتعلمين، ومدى مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب.
ثالثاً: يعتبر المجتمع عموما هو الدائرة الثالثة في حياة الطفل ومن أكثر القطاعات التي تؤثر على الحصيلة اللغوية للطفل، فمن خلال التلفزيون يكتسب الطفل كماً هائلاً من المفردات ولكنها للأسف بمجملها تكون باللهجات المحلية والعامية، وكذلك من المسرحيات وأفلام الكارتون التي تعبث بالذاكرة اللغوية للطفل وتجعل منها مستودعاً لكل غثّ ورديء، ولا ننسى حالة التنمر والاستهزاء التي يتعرض لها الطفل إذا حاول التكلم مع أقرانه باللغة العربية الفصحى، فيعزف بعدها عن التكلم بها، وكذلك لا تزال مؤسسات خدمة اللغة العربية قاصرة على تغطية الاحتياج الحقيقي لأطفال المجتمعات العربية لاسيما تلك المتموضعة في الدول الأجنبية، ناهيك عن تركيز الآباء على إكساب أطفالهم اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية والتركية، بدلاً أو تزامناً من التركيز على اللغة العربية بزعم تأمين مستقبل أفضل لأبنائهم.
ماذا أفعل لزيادة الحصيلة اللغوية لدى أطفالي؟
- الاهتمام بمدارسة القرآن الكريم مع أطفالك من ناحية القراءة والتفسير والحفظ، حيث أن القرآن الكريم فيه روائع الألفاظ والتراكيب والصور.
- الاهتمام بقراءة الشعر والأدب المخصص للأطفال شريطة أن يكون باللغة العربية الفصحى السهلة، وتشجيع طفلك على حفظ الشعر وإلقائه أمام أقرانه.
- إعطاء الجوائز لطفلك كلما انتهى من قراءة قصة أو أبيات من الشعر أو حفظ آيات من كتاب الله تعالى، فالتحفيز من أهم طرق الاكتساب والتطور.
- البحث عن المسابقات والبرامج والمناظرات التي تُعنى باللغة العربية، وتشجيع طفلك للمشاركة بها، بل وبالتفوق فيها.
- إجراء بعض التدريبات المنزلية البسيطة التي تتيح لطفلك التعبير بألفاظه التي يمتلكها، كوضع صورة معينة أمامه والطلب منه أن يعبر عنها بخمسين كلمة، أو يُعَبر عن مشاعره تجاه حدث معين هو تأثر به.
- اطلع مع أطفالك على معجم واحد على الأقل من معاجم اللغة العربية واطلب منه استخراج بعض المرادفات والأضداد لكلمات تطلبها منه.
لنبق على ثقةٍ بأن الحصيلة اللغوية لدى الطفل تزداد بالتدريب والتمرين والمثابرة، وبوجود الرغبة والإرادة لذلك، كما نحن جميعاً على يقين بأن المال يزداد وينمو من خلال الدورة الاقتصادية المستمرة المليئة بالجد والتعب والمثابرة.