تعيش بعض الدول العربية تطورا كبيرا في مجال استعمال التكنولوجيا في قطاعات حيوية وحساسة لتغيير ظروف معيشة الفرد فيها للأفضل. وتعد دولة الإمارات واحدة من هذه الدول، فبعد أن تحولت إلى مدينة ذكية، هاهي اليوم تدخل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الذكية في تسيير قطاعها الصحي، وهي التجربة الأولى عربياً، وذلك لم يكن ليكون إلا برغبة صادقة وعمل جاد من طرف المسؤولين القائمين على هذه الدولة.
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي هو حلول الآلة محل الإنسان، بحيث يمكن من خلال الحواسيب الالية والربوتات إنجاز الكثير من الأعمال الأكثر تعقيدا وذكاءً، وحتى عمل الآلة يتسم بالذكاء مما يعني أن الذكاء الاصطناعي يحاكي الذكاء الإنساني، بل ويتفوق عليه أحياناٌ كثيرة، وقد غزى هذا الذكاء الكثير من المجالات ويتسارع الكل لاعتماده في الإدارة والتسيير، لما له من نتائج سريعة وواضحة في تغيير الوجه العام للحياة نحو الأفضل.
أهم العوامل التي ساعدت دولة الإمارات في تحقيق الطفرة الذكية في المجال الطبي:
استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي وفي كافة المجالات وهذا ما تم تسجيله في القطاع الزراعي، تم التحول إلى مدينة ذكية، بعدها أتمتة القطاع الصحي من خلال اعتماد التقنيات والأنظمة الذكية.
التعاون مع مؤسسات وشركات عالمية رائدة في مجال التقنيات والذكاء الاصطناعي، مثل شركة (أجفا ).
المؤتمرات والمعارض الطبية التي تقوم بها دولة الإمارات على مدار السنة، وتستضيف من خلالها كفاءات عربية وعالمية، لتحقق الاحتكاك بين أطباء الإمارات ونظرائهم من العالمين العربي والغربي ومن خلال هذا الاحتكاك يتم نقل بعض التجارب الناجحة والمبتكرة واعتمادها في مجال الصحة الذكية.
القطاع الصحي الإماراتي والنتائج المحققة في ظل استخدام التقنيات الذكية:
في عام 2017 أظهر مستشفى في دبي ثاني صيدليّ آلي، له القدرة على تخزين ما يصل إلى 35 ألف دواء وتقديم 12 وصفة طبيّة في الدقيقة الواحدة، بعد أول روبوت آلي سجل في مستشفى راشد؛ وهذا قلل من استخدام الورق بشكل كبير، ويقوم الروبوت الآلي بإرسال الوصفات فور كتابة الطبيب لها على جهاز الكمبيوتر الخاصّ به.
اعتماد الروبوت في الجراحة بحيث تم إجراء 44 عملية جراحية وتقديم 47 استشارة طبية، كما استعملت هذه التقنية في قسم النساء والتوليد بعدما نجحت في جراحاحات أخرى أكثر تعقيدا كجراحة القلب.
كما استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال طب العيون من أجل الكشف المبكر عن أيّ مرض في العين والتصوير بالأشعة.
كما أن هناك برامج للذكاء الاصطناعي لديها القدرة على اكتشاف مشاكل بشبكية العين وتحديد العلاج بدقة، وهذا ساعد مرضى السكري كثيرا، بحيث سيُمكّنهم من استلام نتائج فحوصاتهم بسرعة أكبر وتلقّي العلاج المناسب لهم في مرحلة مبكرة بفضل الكشف المبكر عن المرض. يمكن لهذا البرنامج أن يساهم في تخفيض التكلفة الإجمالية لمعالجة مضاعفات شبكية العين.
أهم الأنظمة والمشاريع والمنصات الصحية المبتكرة في دولة الإمارات:
okadokH أوكادوك: وهي أكبر منصة إلكترونية عن بعد في المنطقة العربية أطلقتها دولة الإمارات لعمل فحوصات وتشخيص للمرضى، مع إمكانية تحديد مواعيد مع أطباء عن بعد أيضا خاصة في ظل تفشي وباء كورونا المستجد، وقد قامت العديد من المؤسسات الصحية والمستشفيات بالتسجيل في المنصة وذلك للإستفادة من الخدمات الصحية المبتكرة والمتطورة التي تقدمها المنصة، وقد قدر عدد المؤسسات المسجلة فيها بأكثر من 38 مؤسسة، أما عدد الأطباء المسجلين فيها فقد فاق 400 طبيب في 40 تخصص كطب الأسرة وطب الأطفال والإستشارات النفسية المختلفة.
وتمكن المنصة المسجلين من إجراء فحوصات عن بعد واستلام مختلف الوثائق الطبية المختلفة وحتى دفع ثمن المعاينة يكون عن بعد، كما تمكن المنصة أيضا المرضى من أخذ موعد مع الطبيب المفضل، وللعلم فإن العمليات المذكورة لا يتجاوز وقت إجرائها بضع دقائق. وتقدم المنصة خدماتها باللغتين العربية الإنجليزية، وقد تأسست هذه المنصة سنة 2018 من طرف فضيل بن تركية.
نظام " ملفي" المبتكر: وهو نظام مبتكر يقوم بربط مختلف القطاعات والأنظمة الصحية في أبو ظبي ببعضها البعض، مع ضمان السرية والخصوصية في ما يخص ملفات المرضى، وتتم المعاينة بطرق مبتكرة من خلال الأجهزة الذكية والربوتات، بالإضافة إلى تسجيل كافة البيانات الصحية للمرضى في قاعدة بيانية يمكن الرجوع إليها عند الحاجة، وهذا كله يدخل في إطار استراتيجية اعتمدتها دولة الإمارات سنة 2017 من خلال إدماج الثورة الصناعية الرابعة في المجال الصحي، باعتمادها التكنولوجيا المتطورة والأنظمة الذكية في تطور الصحة الوطنية.
استحداث نظام " استجابة": وهو نظام صحي لإدارة الأزمات والطوارئ مثل جائحة كورونا، يقدم النظام تفاصيل عن الأطباء والمرضى والأَسِرَة، كما يبين النظام توفر المستلزمات الطبية من عدمه داخل المؤسسات الصحية، وأيضا الأدوية والفحوصات وغيرها من الخدمات بطريقة مستحدثة تعتمد على برامج الذكاء الاصطناعي والبرامج الذكية المرافقة لتحقيق أكبر نجاح في المجال، وكان هذا هو توجه الإمارات في ظل جائحة كورونا للقضاء على الوباء.
جائحة كورونا وتصدى الإمارات لها من خلال اعتماد نظام صحي متطور قائم على الأنظمة الذكية:
حل النموذج الإماراتي في مكافحة وباء كورونا في المرتبة الأولى عالميا، فمنذ ظهور أول إصابة في الإمارات والتي كانت لعائلة صينية زائرة في جانفي 2020، انتهجت دولة الإمارات سياسة حكيمة تجاه الفيروس لاحتوائه والحد من انتشاره، بحيث كانت الإمارات من الأوائل عالميا في تحقيق نتائج ملموسة على الأرض واستطاعت التحكم في تطور الفيروس من خلال سياسة انتهجتها تمثلت في مايلي:
- اعتماد الطائرات من دون طيار في تعقيم المدن.
- اعتماد صيدلية "دوائي المتنقلة " التي تقوم بنقل الأدوية إلى منازل المرضى لتجنب نقل العدوى.
- استخدام الروبوتات في برامج التعقيم الوطنية.
- اعتماد مركز فحص الأفراد لفيروس كورونا من مركباتهم وهو الأول عربيا في دولة الإمارات، والخامس على المستوى العالمي.
- فيما يخص التشخيص أطلقت مجموعة " جي 42" مختبرا حديثا بقدرات فائقة مزود بتقنية RT.PCR
تعد تجربة الإمارات الطبية في مجال الذكاء الإصطناعي تحول كبير في العالمين العربي والإسلامي ينبئ بقدرتها على تطوير مجالات أخرى لتصل إلى مراتب متقدمة في استخدام التكنولوجيا؛ وهذا سيفسح المجال لدول عربية بالدخول معها في تعاون وشراكة من أجل تحقيق تكامل عربي وإسلامي على صعيد التقانة الذكية واستعمالاتها واستغلالها؛ وربما ابتكارها في مستقبل الأيام، ووضع بصمة عربية إسلامية في عَالَمٍ الأسبقية فيه تكنولوجياً مستقرة في الدول الغربية.