في قواميس اللغة، رَسَخَ الشّخْصُ أي ثَبَتَ في مَوضعه، والرَّاسِخُ في العِلْم: هو الّذي دَخلَ فيه دُخولاً ثابتاً، وتمكّن منه والراسخون كصفةٍ للعلماء، ذكرت مرّتيْن في القرآن المجيد.
وقد منّت علينا الثورة والحمد لله، بنصيب وافر من الراسخين، ولكن في اختصاص نادر، غير صالح للتصدير، وغير قابل لِلعَوْلَمَة.
الثورة تمخّضت فولدت "سَقَطًا مُشوّهًا "من مثقفين، راسخين في الإفك الإعلامي ..خبراء في التأويل السّلبي، ومُدمنين على التفسير التآمري ..يطلّون علينا صباحا مساء، عُقدتهم "الإسلام" وغَيْظُهم ظاهرة التديّن بمُفرداتها ورموزها.
الِإفك كذِب وافتراء يمارسه ضعفاء العقول، للصَّدّ عن الخير، وتشويه الخَيّرين والطعن في الصادقين، كما جاء في قواميس اللغة حيث تقول المعاجم: أفَك الرَّجلُ: أي كذَب وافترى، وأفِك: ضعُف عقلُه وصار سفيهًا، وأفَكَهُ عنِ الخَيْرِ: صَرَفَهُ وصَدَّهُ ..وكل ذلك يمارسه هؤلاء بحذق وخبرة ومكر وخبث.
شعارهم المشترك والمتفق عليه: "أنا أفتري، إذَنْ أنا موجود"، لهذا تراهم صخّابين في الإعلام، لعّانين في النوادي، بذّائين في المؤتمرات، مُجازين في السبّ والشتم، مبرّزين في الهمز واللمز، يحرّفون الكَلِمَ عن مواضعه، لا يرجون للرموز الوطنية وَقارًا، ولا يولون المقدسات الدينية اِعتبارًا، ولا يتمنون للبلاد إعْمارًا، لأنهم لا يرون الوطن بعد الثورة إلا "زَرِيبَةً" يعبثون فيها ويرتعون، كما ترتع الأنعام، لا يقدّسون أخلاقا ولا يحترمون أذواقاً، ولا تهمّهم مفردات الشرف والحياء.
حتى يكاد المتابعُ لِحَراكهم يُجزم بأنهم بقيّةٌ من نَسْل "السّامريّ"، خبير التضليل العقائدي الذي وبّخَه موسى عليه السلام، وأحرق مشروعه، ونسَف حُلمَه في البحر(وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)[سورة طه الآية: 97].
والسّامريّ هو رمْزٌ لكل انتهازيّ، يسرق بصمات غيره لتسويق مشروعه (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)[سورة طه الآية: 96].
السّامريّ هو أوّل من استغلّ فتنة الإعلام المَرْئي لتسويق ما يريد من الضلالات، والمتمثل في الصّورة الرّقْميّة للعجْل الذهبي وفي خُواره، والذي مثّل سَبْقًا في تقنيّات السّمْعي البصَري في زمانه، ونجح من خلاله في خداع وفتنة جمهور بني إسرائيل.
فقد ركّز"السّامريّ" على سحر الصّوت الذي مثله الخُوار (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ)[سورة طه الآية: 88]، واختار الخدعة والتضليل الإعلامي للتشكيك في المُعْتقَد (فقال هذا اِلاهُكُمْ واِلاهُ موسى) والسّامريّون الجُدُد، الأوفياء لمنهج المُؤسِّس، يُخرجون لنا في كل مرة، عُجُولا، أجساداً لها خُوار، ولها ضجيج وصخَبٌ، يشغلون بها الناس عن معالي الأمور، ويدفعونهم إلى استهلاك طاقاتهم وإنهاك أوقاتهم في سفاسف لا تُصلح حالا ولا تنفع وَطنًا.
وقد ظنّ هؤلاء الراسخون، أن الثورة قد منحتهم حُريّةَ الإفْك -تحت مظلة حرية الرأي وحرية التعبير- فتمدّدوا في الإعلام، وتمَركزوا في الفضائيات، مُتخذين منها استراحات، يجترّون فيها أحقادهم الإيديولوجية، ويبثون عبر شاشاتها أضغانًهم الثقافية والاجتماعية.
تعرفهم بسيمَاهُمْ، وتعرفهم في لَحْن أقوالهم، وخُبْث اطروحاتهم، تراهم ينبشون في الأرشيف كل ما يثير فتنة، أو يؤجّج نارا، أو يُفرز وَحْلاً ومُنزلقاً يعطّل حركة السير نحو الغد.
هؤلاء الراسخون في الإفك، قد افتروا على القرآن كَذِبًا بقول"قِسّيسُهمْ"، أنه لم يجد في القرآن آية صريحة تحرّم الخمر، كما افتروا على القرآن زورًا بقول "راهِبَتهم" إن القرآن قديم وفيه كلام خطير يفرّخ للدواعش، كما افتروا على الرسول صلى الله عليه وسلم بُهتانا بقول "قدّيستهم" إن موته غامض ويدخل تحت تصفية حسابات سياسية، وقول "غبيّهم" صلاة الاستسقاء ليست إلا شعوذة.
وما زال في جعبتهم، الكثير من ذخائر الإفك وقذائف الافتراءات المُعلّبة، يجهّزونها لمواعيد قادمة، حسب رزنامة محددة.
ونختم بتذكير أهل الغيرة على الحق والثورة والوطن، بما قاله العالِمُون بسُنن التغيير الاجتماعي بأن (الباطل المتحرّك، لا يوقفه إلا حقّ ٌمتحرّك).