الطبيعة البشرية تأبى الخضوع والانقياد للأمور غير الثابتة المبهمة، فهي بفطرتها تأبى أفول الآفلين منها الأشياء والأفكار والمعتقدات، فتبقى في حيرة من أمرها تتبع الحقائق وتحاول إثباتها ليتقبلها العقل، كذلك هي حقيقة الوجود والخلق والأمور الكونية التي نجد أنفسنا فيها في حيرة وشك بين ما يمكن إثباته وتبنيه وبين ما يجب التصديق به والعمل به، وبين ما هو ثابت وراسخ، وبين ما هو آفل ومقيد بوقت أفول لحظي لخدمة الغاية الكبرى في الوجود.
"لا أحب الآفلين" اتخذها سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في المنظومة الكونية أو لنقل للبحث عن حقيقة الخلق ما بين الثبات والأفول، بين الخالق والمخلوق، وبين منظومة عقلية إبراهيمية أساسها البحث والتدبر في الكون، البحث عن حقيقة الخلق بين هذا ربي وإني لا أحب الآفلين، بين ما يبقى ويأفل.
من زاوية أخرى نجد أن الحقائق الكونية تحتاج إلى مدبر لها وتسير وفق نظام كوني مدبر من الحي القيوم هذا ربي فهو أكبر، المنطق البشري يحكم من منطلق الحجم فمن هو أكبر سيكون هو الأقوى، وسيكون هو الأحق بالحكم والتدبير، وبين الأفول تلغى حقيقة القوة والكبر وبالتالي فهو قانون ملغى لا ينطبق على عظمة ما يجب أن يعبد وفق منطق العقل… فنصل لحقيقة أن المدبر للأمور الكونية لا تنطبق عليه القوانين الكونية في حد ذاتها، بل هو المدبر لها وفق التفكير البشري ومنظومته الفكرية، فهو يحتاج إلى البحث ليصل إلى حقيقة أنه أمام عظمة الخالق، سيصل إلى العجز إلى محدودية العقل وإلى مرحلة التصديق والتسليم.
منظومة التفكير الإبراهيمية تثبت أنه من الضروري جدا تشغيل هذه المنظومة المعجزة التي ميزنا الله -عزوجل- بها للوصول إلى حقيقة الوجود وخالق الوجود ليصبح الإيمان أعمق، إيمان ثابت راسخ لا يشوبه شيء من الشك إذا كان أكبر من محدودية أفكارنا لنصل إلى الإيمان العميق وإلى أن نقول هذا ربي هذا مدبر أمري إني لا أحب الآفلين، وكل ذلك وفق هداية الله -عز وجل- فهو الذي يهدينا إلى هذه المعاني العميقة لنفهم شمولية المنظومة الكونية بين خالق ومخلوق وبين الثبات والأفول.
فأفكارك يجب أن تبنى على أسس صحيحة من بدايتها لتصبح حقائق يؤخذ بها فتصير منهج حياة أساسها الثبات لبناء مشاريعك أو حتى بناء حياتك، فكل ما هو مرتبط بالعقل سيخضع لحقيقة الوجود والبحث عن الغاية من الوجود لفهم المهمة واستيعابها وحمل الأمانة والإقناع بها ونشرها وفق ما يأمرك به الله -عز وجل- فالعقل البشري هو معجزة كونية ربانية توصلك لله -عز وجل- وتوصلك لرسالتك الأولى ولمهمتك الأعظم بأن تبحث عن مفاتيح الطريق ومؤشراتك وخريطتك للوصول لهذه الحقائق والعمل بها لخدمة الغاية الكبرى.
هذا ربي لإن يهديك الله إلى مهمتك فتأخذ معها زادك الفكري.