تحرير: بريان والش Bryan Walsh
إن جائحة COVID-19 وارتفاع نسبة البطالة والاضطرابات الاجتماعية المتصاعدة، تدفع المجتمع الأمريكي إلى الاقتراب من حافة الانهيار.
إن الحضارات لا تدوم إلى الأبد، وعندما تنهار فإن سبب ذلك دائما ما يكون الفشل الداخلي. في خضم سنة من أحلك سنواتنا، لا يزال عند الولايات المتحدة العديد من العوامل لصالحها، لكن مصير المجتمعات السابقة يحمل دروسا مخيفة لما قد ينتظرنا.
إذا كانت تبدو أمريكا وكأنها دولة على حافة الهاوية، فقد تكون حقا كذلك. يُحذر الخبراء الذين درسوا انهيار الحضارات في الماضي من أن الولايات المتحدة تظهر عليها أعراض مجتمع معرض لخطر وجودي حقيقي.
يقول لوك كيمب Luke Kemp وهو باحث مشارك في مركز دراسة المخاطر الوجودية بجامعة كامبريدج Cambridge
"الولايات المتحدة معرضة لخطر السقوط على مدى العقد المقبل، هناك علامات إنذار مبكرة والعوامل المساهمة في الانهيار آخذة في الارتفاع".
وتشمل هذه العوامل ما يلي:
المرض: لن تكون الولايات المتحدة أول حضارة يُطيح بها فيروس مجهري.
ضرب "الطاعون الأنطوني" الإمبراطورية الرومانية في ذروة قوتها خلال أواخر القرن الثاني، وقد انتشر عبر طرق التجارة ليقتل ما يقدر بنحو 7 إلى 8 ملايين شخص.
طاعون آخر حدث خلال منتصف القرن السادس قضى على نصف الإمبراطورية الرومانية و"أدت تداعياته إلى دفع الرومان إلى حافة الانهيار" كما كتب أستاذ كلاسيكيات في جامعة أوكلاهوما كايل هاربر Kyle Harper سنة 2017.
من المستبعد أن يُخلف COVID-19 خسائر بشرية بشكل كبير، لكن انتشاره السريع قد أبرز الجانب السلبي للعولمة، في حين أن معركة الحكومة الأمريكية للسيطرة عليه كشفت عن فشل مؤسساتي وفساد متجذر في المجتمع الأمريكي.
عدم المساواة: أحد العوامل التي تتكرر كثيرا وتساهم في انهيار الحضارات هو ارتفاع عدم المساواة، بينما تستحوذ النخب على الثروة والسلطة على حساب الجماهير. تؤدي عدم المساواة إلى اضطرابات اجتماعية وتهدم التضامن الاجتماعي اللازم للتعامل مع التهديدات الأخرى الداخلية والخارجية.
قبل الجائحة المستجدة، كانت الفجوة بين أغنى الأسر الأمريكية وأفقرها عام 2019 هي الأكبر مما كانت عليه منذ خمسين عاما. وبينما كان دخل الفقراء يرتفع بفضل سنوات من التوسع الاقتصادي، فإن هذا النمو تضاءل بسبب تدفق الثروة إلى أغنى الأغنياء.
وكما قال لي المؤرخ باتريك وايمان Patrick Wyman: "إن إدراك عدم المساواة لا يقل أهمية عما يمكن للناس الوصول إليه بموضوعية".
ومن شبه المؤكد أن يؤدي COVID-19 إلى تفاقم عدم المساواة، خاصة إذا انتهز أرباب العمل الفرصة لإدخال الأتمتة في أماكن عملهم. كما أظهرت الجائحة ضعف العمال السود، الذين يعملون بشكل غير متناسب إما في القطاعات الأكثر تضررا من الإغلاق أو في مواقع الخطوط الأمامية التي تضعهم في خطر أمام فيروس كورونا.
الاضطرابات الاجتماعية: شهدت كل ولاية احتجاجات في شوارعها خلال الأيام الأخيرة، واشنطن العاصمة تخضع لتعزيزات أمنية مشددة. ما يشهده الأمريكيون "هو ما يحدث للبلدان قبل الانهيار" كما يقول محلل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية لصحيفة واشنطن بوست.
إن رغبة الرئيس ترامب في تجاوز المعايير المحددة من خلال التهديد بنشر قوات الجيش -في ما يصفه بجهد لمواجهة النهب الذي صاحب بعض الاحتجاجات، ويعتقد معارضوه بأنه نوع من السلطوية- ستؤدي إلى مزيد من العنف.
يواجه الناخبون المستقطبون بشدة انتخابات رئاسية يمكن أن تتعطل بسبب الوباء، وهي الانتخابات التي قد تكون نتائجها محل نزاع وحتى مقاومة من قبل العديد من الأمريكيين. فبغض النظر عن المرشح الذي يفوز، "الولايات المتحدة تتجه نحو حرب أهلية ثقافية" كما حذر الكاتب توماس فريدمان Thomas Friedman.
هذا الانقسام الراسخ -بمساعدة الآثار الاستقطابية في وسائط التواصل الاجتماعي والتي يتخللها عنف حقيقي بشكل متزايد- يهدد بإضعاف أمريكا في مواجهة التهديدات الخارجية، من الجائحة المستمرة إلى صعود الصين إلى تفاقم ازمة تغير المناخ.
لكن عند النظر في التاريخ الأمريكي، نجد أمثلة أكثر سواء لكل من هذه العوامل. كانت الاضطرابات الاجتماعية في عام 1968 أكثر دموية، وقد أودت جائحة الأنفلونزا الاسبانية في عام 1918 بحياة عدد كبير جدا من الأشخاص، كذلك إنهاء الخطيئة الأصلية للرق تطلبت حربا أهلية أسفرت عن مقتل 750 ألف شخص.
لكن كما قال توماس فريدمان Thomas Friedman في مقاله: "هذه المرة لسنا محظوظين فإبراهام لينكولن ليس الرئيس".
خلاصة القول: إن سجل أمريكا في تجاوز الأزمات الوجودية السابقة يمنحنا الأمل في النجاة، لكن ذلك ليس يقينا. يمكن للأشهر القليلة القادمة أن تخبرنا ما إذا كانت الولايات المتحدة تسير على طريق التجديد أم الخراب.