حاورها: أ. محمد الحمزاوي
نظّمت صفحة عمران جلسة بث مباشر في إطار سلسلة لقاءات الرواد، أين استضاف الأستاذ محمد الحمزاوي المُخرجة الأستاذة إيمان بن حسين، وذلك يوم الخميس 26 ديسمبر/29 ربيع الثاني 1441هـ، لمناقشة موضوع «المرأة الريادية في مجال السمعي البصري بين الواقع العربي ومتطلبات المرحلة».
إيمان بن حسين رائدة من رائدات الأعمال في مجال السمعي البصري، ومخرجة عربية تونسية مهتمة بالأفلام الوثائقية وريادة الأعمال، لمع اسمها في الكثير الصحف العربية والإنجليزية أين ارتبط بالإخراج، ومن أبرز أعمالها الفيلم الوثائقي "هل يصنع القتلة الدواء؟"وأعمال لاحقة تعمل على إخراجها كمسلسل العابدة "رابعة العدوية" رضي الله عنها، نُرحب بك باسم عُمران وجمهوره الكريم..
بداية أ. إيمان، ما هي علاقة الإنتاج السمعي البصري بالحضارة؟! لو نعرف الحضارة تعريفا بسيطا نقول بأنها مجموع الإبداعات التي لدى الشعوب، هل الإنتاج السمعي البصري وسيلة لتصدير الحضارة إلى العالم أم أنه جزء من الحضارة؟
الإنتاج السمعي هو أداة ووسيلة في نفس الوقت، كمثال فيلم الرسالة هو رمز من رموز الإنتاج العربي، وكنت كلما شاهدت فيلم الرسالة أشعر كأنني أشاهده لأول مرة من روعته، عمل مصطفى العقاد أكبر إنجاز للسينما العربية بإخراجه لفيلم الرسالة.
هل للأفلام الوثائقية دور في توعية الرأي العام؟ لو تتحدثين عن أهميتها فضلا.
بعد الثورات العربية التي حصلت، أصبح للأفلام الوثائقية دور كبير في توعية المجتمع وتصحيح الرأي العام وفي إنارة الحقائق، وتصحيح التاريخ، وأصبح لدينا حرية أكبر من التي كانت متاحة في القديم، هناك أفلام كنت أريد أن أعملها قبل الثورة ولم أتمكن من ذلك، أصبحت هناك نقلة في حياتي المهنية، الآن صار الناس يركزون أكثر على الأفلام الوثائقية، والتي أصبحت بطريقة غير مباشرة تعالج بعض المشاكل أو تُرسل بعض الرسائل مشفرة، الآن أصبحت الحرية كاملة للأفلام الوثائقية من أجل إنارة الرأي العام، أصبح بإمكاننا أن نتحدث بصوت المواطن، وبصوت الشعب، أصبحت عندنا حريات نصل بها لبعض الحقائق.
شخصيًا في الفترة الأخيرة ركزت على الأفلام الوثائقية أكثر من الروائية، وجدت بالأفلام الوثائقية نفسي، ألقيت العديد من الرسائل عن طريق الأفلام الوثائقية، ألقيت نفسي في أفلام نوعًا ما أستطيع أن أصحح بها التاريخ، لأن تاريخ بعض الشعوب العربية مزور، وهذه فرصة لتصحيح التاريخ، نُعرف أطفالنا بحقائقه الصحيحة.
ممكن أن نقول أن الأفلام الوثائقية أصبحت هي الوعاء لمعرفة تاريخنا الحقيقي، والآن يجب أن يستمر العمل حتى نستطيع أن ننير الحضارة.
وتُوجد إرادة من المختصين في المجال الإنتاجي والسينمائي بأن يتخصصوا في إنتاج الأفلام الوثائقية، فبعد الثورة أصبحنا نعرفهم ونعرف إمكانياتهم وابداعاتهم، في تونس قبل الثورة كانت الأفلام الوثائقية قليلة جدًا، الآن زادت، وأصبح هناك زخم لهذه الأفلام مع حرية في التعبير عن الرأي.
من الأعمال التي أنتجتها، فيلم (شيخ الجامع الأعظم) للشيخ العلامة طاهر بن عاشور، وكان في تلك الفترة تاريخ مزور يزور الشخصيات الإسلامية، فالطاهر بن عاشور عالم ورمز من رموز تونس وقد نال نضجا فكريا يستحق العرض، ولي أعمال أخرى مثل وثائقي "هل يصنع القتلة الدواء؟" والذي أنتجته من أجل إظهار الحقائق.
العلامة الطاهر بن عاشور (تونس، 1296 هـ/1879م- 1393 هـ/ 1973م)
ومن الجميل أن يكون في بلادك قضاء عادل ينصفك وينصف ما تُنتج من أفلام وثائقية، ونحن كمخرجين نهتم بإظهار الحقائق وبأن يكون القضاء معنا، بالنسبة لأفلامي يعتبر ابني البكر والوحيد هو فيلم "هل يصنع القتلة الدواء؟"، ولابد أن يأتي يوم وينكشف الحق، ويُوجد أناسٌ عندهم الشجاعة لاكتشاف أشياء كثيرة مثل الإجرام، فهذا الفيلم كان له تأثير كبير في الساحة التونسية والصحافة العربية، يعني أن تأتي لوزير وتجالسه وتواجهه بالحقائق وتكشف تورطه، ليعترف بعدها، ليس هينا.
نحن للأسف في العالم العربي لا نملك الجرأة والشجاعة في الأفلام الاستقصائية والتحقيقات التي نواجه بها وزيرا أو قامة اجتماعية، فإن وُجد وزير أجرم في حق شعبه، لابد أن يعلم الشعب حقيقة ذلك.
ننتقل إلى الجانب الريادي: كيف استطعتِ المراوحة ما بين التسيير والإدارة وريادة الأعمال وما بين الجانب الفني؟
الإثنين لهما علاقة ببعضهما البعض، أقوم بترتيب المواضيع من خلال فريق يعمل معي، وهمزة الوصل بيني وبين الفريق هي شركة الإنتاج، الفريق يشرف على عقود تناسبني أنا وتناسبهم.
أبرز وسيلة لنجاح أي عمل هو فريق العمل الخاص بك، إذا كان فريق العمل يؤمن بك كمبدع أو كفنان أو كرئيس، إذا أحبوا شخصك وأحبوا فكرتك فقد نجحت..
لذلك أنا أشرف على العقود والجانب المالي، الفريق الخاص بي كل شخص عنده وظيفة خاصة، أما في إدارة الشركات، كنت ناجحة في كل شيء إلا الجانب المادي، لذلك لغاية الآن لا أنتج أفلامي، فأنا أكون همزة الوصل بين قناة وبين شركة إنتاج، فقط في الفكرة والنقاشات المتعلقة بالجهد العقلي، فأنا فاشلة في الموضوع المالي لذلك دائمًا أستعين بمدير للإنتاج.
الوسيلة الأولى والأساسية هي كيفية انتقاء الشخص للفريق المناسب والمبدع، ثم عندما تكون محاطًا بفريق ممتاز يكون المجال أفضل بكثير، عندي فريق أؤمن بقدراته ولولاه لما نجحت في أي فيلم أو إدارة.
كان عندكِ نجاحات كبيرة في التعامل مع المستثمرين، وإقناعهم في تنفيذ المشاريع والأفلام، فأنتِ كريادية كيف استطعتِ إقناع المستثمرين والحلفاء الذين يشترون المنتج؟
لو سألت أي مخرج، سيقول لك أصعب مهمة هي إقناع المستثمر بفكرتك كي يموّل الفيلم الخاص بك، ففي الدول العربية وجدت الآلاف ممن رفضوا في البداية، فلو أن فيلما ما لم يحقق مبيعات كبيرة فيجب أن تكون الإيرادات الخاصة به كبيرة.
بالنسبة لي أقنعت بعض المستثمرين وأصبحت عندهم ثقة في إسم المخرج، أحيانًا يفرضوا أسماء ممثلين مشهورين، فالأصل وزارة الثقافة هي التي تدعم المشاريع الإنتاجية، فنحنُ كشباب نحب أن تسعى البلد في دعمنا، فيجب أن تعطي الدولة الفرصة لنا كي تتولد الأفكار.
لاحظنا أن المخرجين القُدماء يأخذون الدعم من وزارة الثقافة، أما المخرجين الجُدد فلا يهتمون بهم كالقدماء، فليتهم نظروا إلى الفروق بيننا! فرق شاسع بين أفلامنا وأفلامهم، هذه فرصة نعطيها ونوجهها لهم بأن يدعمونا ويدعموا شبابهم، فمن حق الدولة أن تشجع أفرادها.
تبدأ المؤسسات الحكومية الغربية في الدعم من الجامعات، يتحصل الشاب وهو في الجامعة على الدعم، وخاصة من كبرى الشركات التي تلتقط الشخصيات الفريدة في الإبداع، قناة الجزيرة عندما لم أتلق دعمًا من دولتي دعمتني هي واهتمت بقدراتي، وهي التي أنتجت أفلامي، وكنت أتمنى أن يكون فضل تونس عليّ كبيرًا ولكن للأسف، حتى اللحظة عندي 12 فيلما، ولا فيلم أُنتج بدعم تونسيّ، كل الدعم كان من الخارج.
الإنسان يحاول أن يكون له عمل يخرج به إلى الناس، لأن هذا العمل سوف يفضي على تجربته المزيد من المصداقية ويعطيه قيمة مميزة، ثم يكون هذا العمل له حجة للمستثمرين لإقناعهم في الدعم، والشخص يجب أن يؤمن بالفكرة، مثل هذه النوعية من المنتجات الأفلام الوثائقية، فيها ربح ومداخل كبيرة وخاصة عندما تعطى العناية من طرف المستثمرين، بالرغم من هذا ما زالت المؤسسات التي تسير هذا المجال في الدول العربية ضعيفة، يجب على أصحاب القرار أن يقدموا كل شيء لهؤلاء.
كيف ينظر الرجال إلى قيادة المرأة بحسب تجربتك، بالتحركات والسفر ودعوتك للقضاء في عدة قضايا، كمرأة ريادية ما هي العراقيل والمضايقات التي تعرضتِ لها، ورغما عنها تقدمتِ في الريادة وصناعة الأفلام الوثائقية؟
ليست قضية إمرأة أو رجل، بل قضية إيمان، أن تؤمن بالعمل الذي تعمل به، الفن عملٌ راقٍ إذا أمنت به ستصل إلى ما تحبه، والقضية ليست قضية أموال، أنا إنسانة صاحبة مبادئ أؤمن بها، كنت مُدركة أن يومًا ما سأكون مخرجة، والمضايقات كثيرة منها غير الأخلاقية، تعبت وثابرت ولكن وصلت لأنني مؤمنة برسالتي وكنت أطمح أن يكون عندي عمل وبصمة في هذا المجال.
لا تستعجلوا الوصول إلى الشهرة، الفرق بينك وبين غيرك الإيمان بمواهبك، وفي إطار العراقيل التي تتعرض لها المرأة منها عراقيل ثقافية، ثمة تحضير قانوني وسباق للدفاع عن الأعمال والأفكار، فيجب عليك أن تبني الأرضية قبل أن تغوص في الفن.
في فيلمي "هل يصنع القتلة الدواء؟"، كان الكيان الصهيوني والبنتاغون متورطون في القتل، ليست القضية فقط على العالم العربي، عام ونصف وأنا أجهز في هذا الفيلم وعندي 16 من المحامين العرب والأوروبيين، أخذت بالتدابير لآمن نفسي والدليل أن الفيلم لا توجد فيه ثغرات قانونية، فهو مُلّم بالزوايا كلها والاعترافات فيه مؤكدة والصور فيه مؤكدة، والحقائق الموجودة تحصلنا عليها من قبل الوزارات.
وثائقي: هل يصنع القتلة الدواء؟
أستعين في أي فيلم بمحامي ومؤرخين وأكاديميين يراجعون المسائل القانونية والتاريخية، من بداياتي كنت أعمل ذلك، حتى السيناريو نكتبه ونعرضه عليهم، وهذه تدخل في إطار صناعة الثقة، فيجب أن تقدم عملا موثقا ومؤكدا 100% لتضمن استمرارية ثقة الناس فيك، حتى أن ثمة منهم متطوعون قد عرضنا عليهم مبلغا ماليا ورفضوا ذلك، فمن خلال هذا يمكن أن نُقلِّل المخاطر، بدراسة أي مسألة من البداية، وبمجرد أن بعض الناس سمعوا أنني سوف أعمل فيلما "هل يصنع القتلة الدواء؟"، هددوني بعائلتي، لأنه كان موضوعا مهما جدًا ووثائقه واضحة.
إن مجموعة من المصطلحات كفكرة أو قلم أو سينما تنفر بعضًا من الجمهور، فكيف نستطيع أن نقنعهم أن هذا يدخل في عملية البناء الفكري والحضاري؟
السينما فن، وهي من أوائل الفنون، وحسب رأيي لسنا في حاجة أن نصحح مفاهيما سينمائية، الآن الملتقي بالدرجة الأولى أصبح واعيا، يوجد بعض الناس ليس لهم أي علاقة بسينما لكن أصبحوا يناقشوني في أشياءٍ متغلغلة فيها، الآن هُناك إقبال ووعي كبير بدور سينما، وهو إقبال ثورة، فسينما فن ورسالة توعية، تدخل في الإطار التوعوي والتثقيفي، وتشمل الإطارات كلها.
ما هي الرسالة التي تقدمينها إلى جمهور عُمران أستاذة إيمان، كدعوة لاقتحام ميدان الإنتاج السينمائي وتأسيس مشاريعٍ يصلون بها إلى مراتبٍ عالية يُحققون فيها المنفعة المرجوة ويتركون بصمتهم المتميزة والعميقة؟
أدعو الشباب أن يؤمنوا بسينما كفن، وينسوا أنها مصدر للشهرة والمال، أن يؤمنوا بأنفسهم وأفكارهم والقيمة الحقيقية لهذا المجال، فسينما مجال راقي وتصلح به ضمائر الناس وتحكي به بصوت الشعب.
من أمنياتي أن أعيد تاريخ شخصية إسلامية، ففي فترة من الفترات كنت قد جهزت مسلسلًا لرابعة العدوية، نُحب هذه الشخصيات، ونحب أن نعيد أفكارها ونعيدها لعقول الشباب كي لا تُنسى!
ممكن للإنسان أن يصل إلى الكثير من الإنجازات من خلال الإيمان بالمجال والفكرة والفن، وهذا مجال يخاطب العقول.