قدّم الدكتور جاسم سلطان في اليوم الثالث من فعاليات ملتقى ميلاد حضارة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مداخلة موضوعها: المشاريع الاستراتيجية لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بتاريخ 28 نوفمبر 2020. تقرؤون فيما يلي نصها.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
استمعت إلى مداخلات الإخوة الأحبة وما طرحوه من كلام شيق ومهم.
خطر في بالي منذ زمن بعيد أسئلة أحيانا مؤلمة، ونحن نعرض الإسلام فنقول الإسلام ممتاز، دين الحرية، والعدالة والكرامة الإنسانية والتنمية والتطور وعبادة الله الواحد، وأن البشرية في حاجة إليه، هي تعاني ونحن عندنا الدواء.
خلاصة ما نقوله هو هذا: نحن عندنا الحل للعالمين، والعالمين نحن نشخص منهم من هو بحاجة إلى الدواء، السؤال هنا أين المشكلة إذن؟ لماذا هذه البشرية وهؤلاء الناس من حولنا لا يستجيبون لمثل هذه الأشياء؟
معضلة المسلمين اليوم وتساؤل البنت الغربية..
كنت مرة في بريطانيا وكان أحد الإخوة من الإنجليز يتحدث إلى جَمْعْ كبيرعن محاسن الإسلام، وفضله على الحضارة الغربية، وتفوقه من جميع الجوانب على هاته الحضارة، فوقفت فتاة إنجليزية في نهاية محاضرته وطرحت السؤال التالي: قالت إذا كان كل ما قلته صحيحا، لِمَ أنتم في هذه البلاد؟ لما فررتم من بلادكم وأتَيْتُم إلى بلادنا؟ ما حاجتكم إذا كان عندكم هذا الأمر العظيم أن تأتوا إلينا فقراء تطلبون اللجوء والعيش والحياة الكريمة، وأنتم تقولون أنه عندكم الدواء للعالم كله؟
هذا السؤال الجوهري الكبير جدا هزني هزا في تلك اللحظة التاريخية، فعلا ممتاز، الإسلام فيه كل هذه الأشياء، لكن ها نحن أمام معضلة حقيقية هي:
أن من يدعو إليه لا يتَمَثَلُه، والمجتمعات التي يُفْتَرضْ أن تمثله لا تمثل شيئا في هذا العالم، أهل هذه البلاد يلقون بأنفسهم في البحار، ويتَجشمون العناء حتى ينتقلوا إلى الدول الأوروبية التي يصفونها بكل النقائص، فهنا معضلة أخلاقية وعقلية كبيرة جدا تقف أمام المسلمين، والنظر إلى الصورة الحقيقية التي يجب أن ينظروا بها إلى العالم الذي يحيط بهم.
صحيح الحضارة الغربية فيها كل العيوب التي يذكرها الإخوة، فيها كل المساوئ التي نذكرها، وفيها أيضا حسنات دعتنا نحن نفر من بلادنا إلى بلادهم.
نحن صحيح عندنا رسالة خالدة، ولكن عندنا قدر كبير من: إما نحن بعيدون عن التطبيق لأنها صعبة،
وإما نحن عندنا خطابين؛ خطاب مثالي، وخطاب حقيقي متجذر في البيئة التي نعيش فيها يمنعنا من أن نقدم نموذجا لهذا الكلام الذي نقوله عند المُغَالبة مع الآخرين.
إذا فَقِهَ الشباب هذا الكلام الذي قلته في البداية بروح مُنْفَتِحَة، نستطيع أن نضع أيدينا على أصل المشكلة التي نعاني منها.
وخطر في بالي سؤال آخر: ها نحن اليوم أمام استفزاز حدث من أحد الناس المتطرفين شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقتله شاب مسلم في دولة أوروبية، فانقلب المجتمع الغربي على الجالية المسلمة الموجودة، لما أقول المجتمع الفرنسي، أنا لا أقصد المجتمع وإنما نخب فرنسية محددة، هذا المشهد قابل أن يتكرر بعد يوم، يومين، شهر، سنة في مكان آخر، يا ترى هل نعود ونجلس نفس الجلسة، ونسمع نفس الأشخاص الموجودين، ونقول نفس الكلام الذي قلناه مرة أخرى كما حدث في حادثة بلجيكا؟ أيضا سؤال في غاية الأهمية ويحتاج منا إلى تعقل كبير جدا، حتى نستطيع أن ندرك ماذا نفعل نحن بأنفسنا، وليس ما يفعله الآخر بنا.
كنت تحدثت من قبل في يومين أو ثلاثة في محاضرة طويلة جدا عن مشكلة المسلمين في الغرب، وقلت أننا نحن نحتاج إلى خمسة أشياء لحل مشكلة المسلمين في الغرب، خمس مؤسسات أساسية، ليست كلاما نظريا، إنما مؤسسات على أرض الواقع.
1- نحتاج مركز دراسات استراتيجية لشؤون العيش المشترك
ما هي متطلبات العيش المشترك بين المسلم الذي يحمل أفكارا نقيضة للحضارة الفرنسية، تحديدا اللائكية؟ إذا أراد أن يعيش في هذه البلاد ما هي قضايا العيش المشترك التي يجب أن يركز عليها حتى يستطيع أن يستمر في هذه البلاد؟
2- إنشاء مركز رعاية العلاقات الاستراتيجية للحوار مع النخب
نحن نعيش في مجتمع ومن أبرز القضايا التي لفتت نظري أنه لم يقم أحد من المجتمع الفرنسي، بمناصرة المسلمين رغم أن المسلمين وجودهم في فرنسا قديم، كيف لم يكسبوا أي صداقة ذات معنى في الجامعات والمؤسسات، بين النخب السياسية، صداقة أو أكثر تساعدهم في مثل هذه الظروف؟ هذا سؤال كبير جدا، نحن نحتاج إلى إنشاء مركز رعاية العلاقات الاستراتيجية.
3- إنشاء مركز لإدارة الهندسة الثقافية
بدون إعادة الهندسة الثقافية لا يمكن إيجاد جسر بين ما يريده المسلم وما يعتقده، في ثقافته، في فقهه الحالي الموجود الذي يعيش به، وبين هذه المجتمعات التي يعيش فيها، فتولد شخصية مزدوجة تعيش الحالتين؛ حالة الحاجة إلى هذه المجتمعات، وحالة النفور من هذه المجتمعات.
4- نحتاج إلى إنشاء مركز رعاية الحضور الإسلامي في المجتمع الأوروبي
فكيف يكون المسلم والمجتمع المسلم قيمة مضافة لهذه المجتمعات، في الفنون، والآداب، والمسرح، والرياضة؟ كيف يكون عندنا من الأفراد من تستطيع أن نشير إليهم باعتبارهم جزء من مشاركتنا في نمو وتطور هذه المجتمعات التي نعيش فيها، هذه القضايا تحدثت عنها سابقا لن أكررها، والآن سأنتقل إلى موضوعنا الذي نتحدث فيه.
أول قضية رئيسية ملاحظة في كثير من الأحاديث نحن لا زلنا نعيش في حالة الدفاع عن أنفسنا، يعني كل هذا التضخيم للذات ولو كان بحق، كل هذا الكلام عن روعة ما عندنا وما كان بحق، إنما هو جزء من حالة الدفاع عن الذات، وكل انتقاص من الآخرين هو محاولة لإيجاد التوازن بين الذات والآخر، وهذا لا يُحْدِثُ شيئا، فنحن من بداية القرن نفعل ذلك، لكنه لا يغير من واقعنا الذي نعيشه.
إذن ما الذي نحتاجه على وجه التحديد حتى ننتقل من الدفاع إلى؛ ولن أقول إلى الهجوم ولكن سأقول إدارة العلاقة مع الآخرين بشكل يجعل عندنا الإيجابية الحقيقية التي توصل الرسالة التي نريد أن نوصلها للآخر.
ما الذي يجب فعله لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
يوجد تغيران حقيقيان إذا أردنا أن نكون جادين في موضوع نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم. مشروع للمجتمع المسلم داخل المجتمعات المسلمة التي نحن فيها وداخل المجتمعات الغربية التي نحن نعيش فيها، لا يمكن أن يحترم الآخر مجتمعات أبناؤها يعيشون الفقر والجهل والمرض، المخدرات..إلخ.
إذا ذهبت إلى السجون الغربية ستجدها مملوءة بأبناء الجالية المسلمة، وهذا شيئ خطير جدا، كيف يمكن أن نقول أن هذه أمة عندها كل هذه الثروة وأبناؤها يعيشون كل هذا الفقر وهذا الألم؟
إذن نحتاج إلى معالجة الظواهر السلبية في المجتمعات بحيث تكون المجتمعات المهاجرة مثالا للمجتمعات المثالية في ناحية الأسرة، في ناحية التماسك، في ناحية العلم، في ناحية الأخلاق القيمية التي يقوم بها، أين هو مشروع الأسرة التي تعيش في الغرب؟ والأسرة التي تعيش في البلاد الإسلامية؟
هذا مشروع كبير جدا ويحتاج إلى أموال ويحتاج إلى طاقة، ويحتاج إلى شيئ سأتكلم عنه لاحقا هو أهم من هذا كله.
بدون حضور المجتمعات المسلمة كَشَامَة بين الأمم، كل كلامنا سيُصَادف بسؤال البنت الغربية التي قالت لم أنتم هنا؟ فقراء مهاجرون تطلبون social pension من المجتمع الغربي، وتعيشون على هامش المجتمع الغربي. إن كانت لكم هذه العظمة لما أنتم هنا؟ كان السؤال منطقي جدا.. أي تمثيل نمثله كمجتمعات لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الذي رسم لم يرسم الرسول صلى الله عليه وسلم، رسم حالة المجتمعات الإسلامية، لأنه يرى أنه من خلفها في الأفكار وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتالي هم حاملين وممثلين لهذه الرسالة.
المشروع الكبير الذي نحتاجه وهو كبير جدا وهو المؤسسات الممثلة للإسلام: المنابر التي نصعد عليها، الرسائل التي نبعثها، المحاضرات التي نلقيها، أي إسلام نجسد؟ أي خطاب ننقل للآخر عن الإسلام؟ هل هو خطاب موحد يحمل روح الإسلام الذي نحن نتكلم والذي سنتكلم عنها بعد قليل؟ أو هو خطاب مشوش يحمل الشيء ونقيضه في نفس الوقت؟ هو يتكلم عن الحرية ويعادي الحرية، وهو يتكلم عن المساواة ويعادي المساواة، ويتكلم عن اللاعنصرية ويعيش العنصرية.
بالمناسبة عن قضية العنصرية، نحن نشتكي من الدول الغربية التي فيها عنصرية، فلنذهب إلى بلاد الإسلام مجتمعة لا أستثني أحدا، وننظر هل توجد عنصرية في لبنان ضد السوريين؟ هل توجد عنصرية في المغرب ضد الأفارقة؟ لننظر إلى أوضاعنا نحن ونسأل أنفسنا عن قضية العنصرية، هل هي موجودة أو غير موجودة؟
أنا لا أقول عندنا أكبر قدر من العنصرية عن الآخرين، وإنما أسأل هل هي موجودة؟ هل هي سلوك إنساني ضد الآخر حين يصبح الإنسان عدوا للإنسان، نتيجة للضَوَائِق الموجودة، وطبيعة الأفكار التي يحملها؟ إذن نحتاج إلى معالجة الخطاب، كما نحتاج إلى أن نعالج الحالة ذاتها التي يتمثل فيها المسلم في هذا العنصر.
فليست المسألة مسألة مزايدة في الخطاب على الآخرين، المسألة الكبرى التي يجب أن نهتم بها والتي نهرب منها دائما، أي تمثيل لنا نحن في الواقع لهذا الأمر الذي ندعيه عن خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام، بدون أن نعبر هذه الفجوة لن يرى العالم الإسلام، كل ما سيراه هو المسلمون بمشاكلهم، بهجرتهم، بظروفهم، بمخَاوفهم وبتَعصباتهم، هذا الذي نراه هو ليس تمثيلا للإسلام، حاشا أن يكون الإسلام هذا تمثيله، لكن هذا واقع المسلمين، والأفكار التي انتشرت بينهم عن الإسلام، وبالتالي هذا يقودنا إلى موضوعنا الرئيسي الذي هو نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أولا يجب أن ننتقل من فكرة معالجة قضايا الرسالة باعتبارها مناسبات مثل المولد، أو الرد على حدث، إلا أن هذه الحياة، هي حياة كاملة يحتاج الإنسان أن يعيشها حتى يتمثل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، سأسمي هذا المشروع الذي هو الإنتقال من المناسبة إلى الحياة:
مشروع التمركز الأخلاقي للمسلم في هذا العصر:
أو التمركز الأخلاقي للمسلم في هذا الوجود، بدون هذا العنوان الكبير تحديدا "التمركز الأخلاقي"، نحن في السباق التكنولوجي حتى لو أنجزنا وتفوقنا على العالمين، العالمين سيُسَابقُوننا فيه وهو باق، ما هي الميزة الأخلاقية للوجود المسلم في هذا الكون المنعكسة على كل علاقاته الخارجية بالآخرين؟ بدون التمركز الأخلاقي لن نستطيع أن ندخل هذا العصر، فالسَابقين سابقين في أشياء كثيرة جدا، ربما نستطيع أن ننافس، يكون لنا حضور، يكون لنا وجود، لكن الميزة الحقيقية التي يقدمها الدين في حياة الإنسان هي هذا التمركز الأخلاقي، والتمركز الأخلاقي فيه ثلاث قضايا رئيسية كبرى:
-
الأولى موضوع (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)[سورة الأنبياء الآية: 107]:
فكيف يكون حضور المسلم انعكاسا لمبدأ الرحمة للعالمين في كل مكان يحضره، سواء كان فردا، أو أسرة، أو مجتمعا، أو كان داعية، فكيف يكون حضوره رحمة للعالمين؟
أن خطابه مستوعب للبشر باعتبارهم أمة الدعوة، وأن غالبية البشر هم أمة الدعوة، هم أمة تجهل عن الإسلام ما تجهل، وترى في أحوال المسلمين ما تنفر منه، كيف يمكن أن يخاطب هذين الأمرين الكبيرين في رسالته؟ إذن "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، الرحمة المرتكز الأول الأساسي للمشروع الأخلاقي للمسلم في هذا العالم.
-
المسألة الثانية التي هي قضية العدل (وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) [سورة الحديد الآية: 25]:
إذن المرتكز الثاني الذي سنُعاين به أخلاقنا وسلوكنا ومعاملاتنا قدر القسط الموجود في خطابنا، والإنصاف الذي نحمله للحضارات الأخرى وللبشرية وللناس، هل نعطيهم حقهم أم نحن نكيل بمكيالين؟ نحتاج أننا نحن نَعْدِلُ ميزان القسط عندنا بشكل كبير جدا.
-
المسألة الثالثة المهمة جدا في هذا السؤال "سؤال البر" (أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) [سورة الحجرات الآية: 9]:
فإذن قضية البر، قضية حسن الخلق، حسن التعامل، حسن التبسم، حسن السلام، عندنا كثير من الخطاب الذي ينَافِرُها ويعتدي عليها، بل لا يكاد المسلم ليقول لشخص كلمة طيبة إلا ونفر له من الناس من يقول له هذا كافر لماذا تقول له كذا؟ لماذا لا تقل له؟
نحتاج ثلاث انتقالات وتمركز جديد أخلاقي في هذا العالم بشكل مختلف تماما عن ما نمارسه، ما نمارسه هو ادعاءات على ما يجب أن يكون، وتختلط في الممارسة بكل أنواع الشذوذ في الأوصاف، والمعاملات والتصورات.
الأرضية التي يقوم عليها التطرف عندنا، وفي الغرب هي واحدة، هناك ادعاءات عنصرية، وكذلك هنا ادعاءات دينية سنجدها عندنا، وتحمل في ذات الموضوع القدرة على خلق حالة العنف التي لا تكون في مكانها، أنا لا أقول أنه ليست هناك حروب وليس هناك صراع فكري، كل هذا له مجاله في الفضاء الذي نتحرك فيه، ولكن لما نتكلم عن الإسلام كحالة عامة لتقديمها للناس، وهو يقف على ثلاثة أرجل أساسية تتمثل في قضية الرحمة للعالمين، قضية القسط للعالمين، قضية البر بالعلمين.
"التمركز الأخلاقي".. لماذا يعدُ مشروع نجاةٍ للمجتمعات المسلمة؟
هذا المشروع، مشروع التمركز الأخلاقي للمسلم في الوجود، ليس مشروعا فقط للمظاهرة، هو مشروع لنجَاتنا كمجتمعات مع بقية البشر، إذا تبنينا مشروعا للتمركز الأخلاقي في هذه الحياة سينعكس على تكوين المسلم الذي عندنا، كثير من الأشياء التي تتنافر مع هذه الثلاث قضايا أساسية تحتاج أن تبتعد من المسرح.
زاوية النظر لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعرضها ستختلف اختلافا جذريا عما نقدمه اليوم، أنا أذكر في الستينات حدث جدل كبير جدا وفي السبعينات لما أصدر الشيخ محمد الغزالي كتابه عن سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ورد عليه الشيخ الألباني يومها أنه لا يعتمد الأحاديث الصحيحة، طلب منه الشيخ الغزالي يومها أن يحقق الأحاديث التي في كتابه عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فحققها الألباني ومما نقده على الشيخ الغزالي أن الغزالي رفض الحديث الذي يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق وهم غارون أي غدر بهم، فالغزالي استبعد الحديث بأن متنه يدل على غدر الرسول والرسول ليس بغدار، بينما الألباني أصر على إثبات الحادثة وإثبات هذا الموضوع على اعتبار أنه موجود في الأحاديث، على اعتبار أنه عندنا الحق وعندنا ما يشاغب عليه، عندنا القضية وما يخالفها في حقيقة الواقع، وهذا يحتاج إلى تنقية سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من كثير مما ألحق بها، ومما يصادف نصوص القرآن في سلامة أخلاق الرسول ووعيه وتصرفه في الحياة ومع البشر، هذا موضوع يتعلق بنا كيف نستطيع أن ننقي منابعنا مما يَشْغُبُ على صورة الرسول عليه الصلاة والسلام، فليس غريبا أن شخصا غير مسلم أنه يعادي الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه طبيعة الحياة، هو يعادي الله سبحانه وتعالى فلما لا يعادي الرسول؟
في البيئة الغربية هناك حق للهجوم على الله سبحانه وتعالى فكيف بالهجوم على الرسل؟ لكن السؤال الكبير عندما نحن نحمل تراثنا مثل هذه المواضيع التي تدين الرسول عليه الصلاة والسلام، أو تشْغَبْ على صورته، إذن نحتاج تنقية هذه المنابع بدون رأفة وبدون تردد، حتى نقدم شيئا لأنفسنا نقوله لأبنائنا متسق مع ذاتنا، غير القصة وعكسها.
ثم قضية ثالثة في غاية الأهمية بالنسبة لمشروع التمركز الأخلاقي، نحن المسلمون مشغولون بأنفسنا، ولسنا مشغولين برحمة للعالمين، لا نشترك مع أية أمة أخرى في قضاياها، إذا ظلم الإنسان في أمريكا الجنوبية لا يعنينا فهو كافر، إذا ظلم الإنسان في أفريقيا لا يعنينا فهو كافر، ما يعنينا في شيء، الذي يعنينا فقط إذا حدث شيء للمسلمين وخاصة إذا كانوا من طائفتنا ومن مجموعتنا البشرية، أما الإنسان بكونه إنسانا ليس مصدرا لإلهامنا وتحركنا ونصرة المستضعفين ليست هَماً عندنا.
التمركز الأخلاقي يعني استعادة التمركز القسط عندنا نحن أولا، أنا حاولت في مداخلتي أن أقول ما الذي يجب عمله وتغييره تغييرا جذريا، بحثت هذا الموضوع بتفصيلات كبيرة، لكن عندنا موانع كبيرة جدا تمنعنا من الدخول في هذا المعترك الحقيقي الذي يغير مسَارنا التاريخي.
ما الذي نَحتاجه لتغْيير مسَارنا التاريخي؟ الأمر ليس بسيطا، نحن في مسار انحدار وانكسار كبير، ولكن صعودنا ممكن، لكن بشروط موضوعية أننا نحن ننتقل للعصر بخطاب جديد يحمل مكونات الخطاب الذي نفتخر به، خطاب العدل وخطاب الرحمة وخطاب الخلق، هذا خطاب عابر للإنسان والقارات والزمان والمكان، ولكننا لا نتمثله، لا على شكل المجتمعات، ولا على شكل المؤسسات، فقط نستدعيه عندما يتحدانا أحد، فنَستدعي أحسن ما عندنا ونُقارنه بأسوأ ما عندي، إذا توقفنا عن كثير من الأشياء التي نفعلها اليوم، لمراجعة كبرى في هذه المحطة، ستكون الثمرة كبيرة والتحول كبير، أما إذا لم يحدث ذلك، فأقول وأرجو أن لا نكون، بعد سنة، أو سنة ونصف، أو سنتين في هذا المكان نُقَرِضْ أنفسنا، ونخاطب أنفسنا دون أن نحدث تحولا في ذاتنا (قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) [سورة آل عمران الآية: 165) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.