مقدمة
إن التعليم هو الركيزة الأساسية والرافعة الأولى التي تمنح الأمم الصدارة؛ فكلما صلح التعليم بأمة كلما نهضت وقطعت أشواطا نحو الرقي والازدهار، وكلما فسد التعليم بأمة كلما تأخرت أشواطا إلى الوراء نحو الانحطاط، والدول تحتاج إلى إنتاج كفاءات في التخصصات داخل جميع المجالات ليحصل التكامل المطلوب الذي يفضي إلى النهضة، لا سيما داخل المجال العلمي في عصرنا الحديث الذي نشهد فيه ثورة علمية قوامها التكنولوجيا التي جعلت العالم وطنا واحدا يعيش سكانه في قرية واحدة؛ هي قرية "الانترنت"، والمتحكم في هذه القرية هو المسيطر عن طريق العقل البشري الذي أنتجه عن طريق الاستثمار المعرفي في التعليم؛ فأنتج كفاءات علمية مؤهلة للإنتاج والابتكار والإبداع في هذا المجال، ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن هذا الموضوع داخل الدول؛ لذا اخترت الحديث عنه داخل دولتنا "موريتانيا"، لنعرف أين نحن من العالم في مجال تطوير المهارات العلمية؟
- التطوير: يعني التغيير الذي يوصل إلى تحقيق الأهداف المرجوة بصورة أكثر كفاءة.
- التــدريب: عملية توجيه وتعليم شخص أو مساعد أو عامل كيف يحسن ويعدل في كفاءته وسلوكه المهني من أجل أن يؤدي وظيفته على أحسن وجه.
- المهارات: مجموعة الخبرات والمعارف المكتسبة عن طريق التعليم والتدريب؛ ليصبح الشخص مؤهلا للإبداع في تخصصه داخل المجال الوظيفي أو خارجه.
المحور الأول: المهارات الأساسية
سنتناول في هذا المبحث أهم البرامج التدريبية داخل القطاع العام والخاص المكتسبة من خلال المؤسسات التعليمية التي تعنى بالمجال العلمي والتكوين.
أولا: أهم البرامج التدريبية للقطاع العام
يكتسب الأفراد جملة من المهارات عن طريق التدريب والتعليم في المؤسسات العمومية والأنشطة التي يطلقها بعض القطاعات الحكومية المعنية بهذا المجال مثل وزارة التشغيل والتكوين المهني التي تنظم مسابقة لدخول مؤسسات التكوين التقني والمهني أمام الشباب الموريتانيين، وتفتح أمامهم تخصصات مختلفة تتعلق بميادين التكوين في المجالات: التجارية والصناعية والصيد الصناعي والزراعة والبناء والأشغال العامة، ويختار المترشح أحد التخصصات المتاحة، ومن هذه الموسسات أيضا:
مدرسة التعليم الفني والتكوين المهني لتقنيات الإعلام والاتصال بنواكشوط:
هي مدرسة حكومية تم إنشاؤها حسب المرسوم 26 ديسمبر 2018 بدلا من فرع المدرسة متعددة الجنسيات للاتصالات بداكارTMSE، وعلى الرغم من أنها مؤسسة من الفئة الثانية حسب القانون 058، إلا أنها لا تكون حتى الآن إلا الحاصلين على الباكلوريا العلمية أو الحاصلين على BT في بعض التخصصات من خلال مسابقة ذات متطلبات عالية في اللغة والمواد العلمية.
ولديها ثلاث مصادر للطاقة وتعمل على اقتناء خمس مختبرات:
الطاقة، وتكييف الهواء والتبريد، والكهرباء والإلكترونيات، الاتصالات الداخلية والخارجية.
مدرسة التعليم الفني والتكوين الفني في زويرات:
أنشئت مدرسة التعليم الفني والتكوين المهني في مدينة زويرات بولاية تيرس زمور نهاية سنة 2015 بهدف كسب المعرفة والخبرة العلمية فى العديد من الميادين الحرفية والمهنية وتوفير ما يتطلبه سوق العمل في الولاية من تخصصات هامة لخريجي هذه المدرسة، وتجري تارة مسابقة لما يقارب 1000طالب يتم تسجيل 85 منهم مكونين لحاجيات سوق العمل من ضمنهم 60 مكونا لشهادة الكفاءة المهنية، و25 مكونا لشهادة تقني، و24 يتم تسجيلهم في التخصصات قصيرة المدى مخصصة للذين لم يصلوا السنة الرابعة من التعليم الثانوي، كما يتم اكتتاب 40 تلميذا في مجالات تتعلق بالبناء وذلك بالاتفاق مع الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين ومعهد ترقية التكوين التقني والمهني، والتخصصات المهنية الموجودة فى المؤسسة هي: الكهرباء الصناعيه والكهرباء المنزلية، أما التخصصات التقنية فهي الهندسة الكهربائية والهندسة الرياضية.
ثانيا: أهم البرامج التدريبية للقطاع الخاص
يساهم القطاع الخاص في دعم مجال التدريب داخل المؤسسات العمومية مثل اتحاد أرباب العمل، وتوجد أيضا مؤسسات خصوصية ومعاهد تشهد إقبالا استثنائيا، ففي خضم انتشار العولمة والتكنولوجيا مع بداية الألفية الثالثة، شهدت موريتانيا انتشارا كبيرا لمدارس ومعاهد "المعلوماتية" كما تسمى محلياً، فأصبحت قبلة للموريتانيين من مختلف الفئات والأعمار لاكتساب مهارات مهنية جديدة تساعد في الولوج إلى سوق العمل، وتعزز من فرص الخريجين في زمن طغت فيه التكنولوجيا، ومن بين هذه المؤسسات الخصوصية مركز لازو والمعهد التجاري ومركز نور، وترتكز الدورات التي تقدمها هذه المراكز في مجالات المعلوماتية والمحاسبة واللغات، وتقدم دروسا مختصرة تساعد الطلاب على الدخول مباشرة إلى ميدان العمل بعيدا عن المواد العلمية المصاحبة للتخصص التي غالبا ما تتطلب دراسته سنوات عدة، وتتم الدراسة في هذه المعاهد على شكل دورات تدريبية تمتد لفترة زمنية قصيرة، يتلقى الطالب خلالها دروسا تطبيقية في أحد المجالات، ويحصل على شهادة موقعة من طرف المعهد، ومعترف بها من قبل الجهات الحكومية.
المحور الثاني: المهارات التقنية
إن الدولة الموريتانية تولي المجال التقني الذي أصبح فريضة يمليها الواقع اهتماما استثنائيا؛ وذلك من خلال المؤسسات العمومية التي أنشئت من أجل هذا المجال.
أولا: أهم البرامج التدريبية للقطاع العام
سنقتصر على ذكر بعض أهم مؤسسات القطاع العام في هذا المجال؛ فمن الملاحظ أن الحكومة الموريتانية أولت اهتماما لهذا المجال وقد استحدثت حديثا وزارة التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة، وقد قدمت عدة دورات تدريبية منها ما يستهدف إدخال التكنولوجيا الرقمية في السلوكيات المراعية للبيئة، ولا سيما في مجال تزويد المنشئات العمومية بالطاقة، وتم تنظيم الدورة التدريبية بالتعاون بين قطاع التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة ووحدة تسيير المعلومات والتكنولوجيا ببرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وكذلك أقامت الوزارة سلسلة تدريبات على الحوكمة الإلكترونية، وهي سلسلة هامة من الدورات رفيعة المستوى حول الحوكمة الإلكترونية وأهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة من أجل حكامة عصرية متميزة، ويستفيد من هذه الدورات التدريبية موظفون سامون في عدة قطاعات وزارية في بلادنا، وتمزج بين المشاركة حضوريا وعن بعد، وقد تم تنظيم هذه السلسلة في إطار التعاون بين وزارة التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وهيئة أكاديمية الحوكمة الإلكترونية التي يوجد مقرها في إستونيا.
وأقامت أيضا الوزارة دورة تدريبية تربوية حول الحوكمة الإلكترونية في موريتانيا، وذلك بالشراكة مع الاتحاد من أجل المتوسط ومجموعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الإستونية ووكالة التعاون الألماني، وتهدف الدورة التدريبية إلى تمكين ممثلي القطاعات الحكومية والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص من الأدوات الضرورية لضمان إرساء تحول رقمي سلس وآمن من خلال إقامة إدارة رقمية كاملة، وتحفيز تبادلات رقمية شاملة.
وتحتوي أيضا جامعة نواكشوط العصرية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي على كليات تشمل مختلف التخصصات في مجالات العلوم الإنسانية والعلمية، ومن بين هذه الكليات كلية مخصصة للعلوم والتقنيات، وتحمل هذا الاسم " كلية العلوم والتقنيات"، وقد تم إنشاؤها في نوفمبر 1995 بموجب المرسوم رقم 95.046، و لهذه الكلية مهمة ثلاثية: التكوين والبحث في مجالات العلوم والتقنيات، بالإضافة إلى خدمات الخبرة.
وتوجد أيضا مدرسة أخرى رائدة في مجال التقنيات هي:
المدرسة العليا متعددة التقنيات
تهتم هذه المدرسة بتكوين المهندسين، وهي مدرسة رائدة في المجال الإقليمي بالمنطقة، وأصبحت تعتبر من أكبر مدارس المهندسين بالمنطقة، وقد تم إنشاؤها 2011 وشهدت عدة أطوار وعمليات إصلاح عميقة، وهي تتبع لوزارة الدفاع الوطني ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتتشكل من ثلاثة أركان أساسية:
1- معهد تحضيري لكبار المهندسين يخول لهم ولوج أكبر المدارس الهندسية في العالم عن طريق المسابقات
2- سلك هندسي متنوع بتخصصات عدة ستساهم في تطوير البلد
3- معاهد تكوين الفنيين العاليين: تشمل ما يلي:
- معهد العمران والأشغال العامة في مدينة ألاك.
- معهد المعادن في مدينة زويرات.
- معهد الإحصاء.
- المعهد العالي لمهن الطاقة الذي يشمل الشعب التالية:
شعبة الهندسة الكهربائية والطاقة المتجددة وشعبة الكيمياء التي ستساهم بإثراء البلد في إنتاج الكفاءات للاستفادة من مجال إنتاج الغاز وصناعة التحويل.
وهذه المدرسة لا يسمح بولوجها إلا للطلاب المتفوقين في مسابقة الثانوية العامة (بكالوريا الرياضيات)، ومهمة الدفاع الوطني اتجاه المدرسة هي تكوين الطلاب على الانضباط والنظام والرياضة البدنية، وأما جانب التعليم العالي الذي تديره إدارة الشؤون الأكاديمية فإنه يركز على الجوانب الأكاديمية والتربوية والتكوين في التخصصات المختلفة وأيضا التخصصات الجامعة للأقسام المختلفة، وهذا التكامل الحاصل بين الوزارتين كان السبب الأساسي وراء نجاح المدرسة، وهذا التميز هو الذي منح طلاب المدرسة القدرة على التنافس عالميا وإقليميا، والنجاح فيها متعدد ومنتوع مثل النجاح في المعهد التحضيري لولوج أكبر مدارس المهندسين بفرنسا، وكذلك السلك الهندسي؛ فالطلاب الذين يذهبون إلى الخارج بعد سنتين في السلك الهندسي يتفاجأون من قوة مستواهم المعرفي مقارنة مع غيرهم الطلاب داخل مجال التدريب والفصول التي يمضونها عند شركاء المدرسة في الخارج؛ فنجاحها إذن ليس محصورا في ولوج مدارس المنهدسين بالخارج، وإنما هي أصبحت بديلا مكافئا للمدارس الموجودة بالخارج، وينعكس نجاحها على نجاح عطاء المعاهد التابعة لها، ومن أهمها:
المعهد العالي للمهن الصناعية في زويرات
مكلف بتكوين وتعليم الطلبة التقنيين في الصيانة الاصطناعية ويهدف إلى إعداد كوادر في المجال الصناعي على مدى ثلاث سنوات تمكن الطلاب من اكتساب مهارات جديدة تخول لهم منحهم شهادة الليصانص المهنية، ويتلقى طلابه تدريبا عسكريا مدته 30 يوما يحصلون فيها على المهارات العسكرية والإسعافات الأولية ومعرفة القوانين التي تدخل في مجال التكوين المعنوي.
المعهد العالي للتعليم التكنولوجي بروصو
يعتبر المعهد العالي للتعليم التكنولوجي مؤسسة عمومية جامعية تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال، وتسدي هذه المؤسسة تكوينات متعددة ومكثفة للطلاب ما بعد الباكلوريا في المجالات الزراعية والرعوية والصناعات الغذائية مما شكل إضافة نوعية لتشجيع المهارات في هذه المجالات الهامة في النسيج الاقتصادي الوطني من جهة والاستجابة لمتطلبات سوق العمل من جهة أخرى، وتركز البرامج البحثية والتطبيقية والإرشادية للمعهد على الإشكاليات ذات الصلة باحتياجات تنمية القطاع الزراعي وقطاع الصناعات الزراعية في موريتانيا وفي شبه المنطقة، ويستقبل الحاصلين على شهادة البكالوريا العلمية والموجهين من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ويضم خمس تخصصات تتعلق بإنتاج ووقاية النباتات، وإنتاج وصحة الحيوانات، والصناعات الغذائية، والهندسة الريفية، والهندسة الإلكتروميكانيكية الموجهة المكونة الزراعية.
ويعتبر المعهد قطبا متميزا في المنطقة وله شراكة مع الكثير من الجامعات والمعاهد والمدارس في البلد وفي المنطقة والعديد من الدول الأخرى، وقد حصل مؤخرا على ميداليتين في فرنسا حول دوره الريادي في البحث العلمي والمحافظة على البيئة من خلال تحويله لنبتة التيفا (يور) الضارة إلى نبتة نافعة عن طريق تحويلها إلى فحم منزلي بغية التخفيف على الغابات في بلد صحراوي مهدد بالرمال، مما شكل نموذجا يحتذى به في جميع أنحاء العالم.
ومدة الدراسة بالمعهد ثلاث سنوات أولها سنة تحضيرية وتكون مشفعة بتدريب لمدة شهر في المؤسسات المهنية، وخلال السنة الثانية يوجه الطالب إلى أحد التخصصات الموجودة بالمعهد ويخضع الطالب نهاية هذه السنة لتدريب ولمدة شهر، وفي نهاية السنة الثالثة والأخيرة يقوم الطالب بتدريب يتمثل في مشروع نهاية دراسته ولمدة شهرين.
ومن المؤسسات التي تهتم بالمجال التقني أيضا:
المعهد العالي لللتقنيات الرقمية
تم إنشاؤه حديثا في هذه السنة 2021 بهدف التطوير والتدريب في المجال الرقمي، وسيقوم بالإشراف على المديرين التنفيذيين المؤهلين تأهيلا عاليا في مجال الرقمنة، ونظام الدراسة في المعهد شبيه بدرجة البكالوريوس في الهندسة ويعتمد على التدريب المهني، وطلاب المعهد العالي للتقنيات الرقمية يستفيدون خلال دراستهم من 28 أسبوع من التدريب والتعليم خلال ثلاث سنوات.
والهدف من هذا المعهد هو توحيد وتطوير التدريب المهني على مستوى الترخيص في المجال الرئيسي الرقمي، وهندسته التعليمية هي تدريب SupNum وهو عبارة عن ترخيص احترافي مستوحى من بكالوريوس هندسة التعليم العالي الأنجلو ساكسوني، وتسمح الدورة التدريبية الخاصة به بتطوير المهارات اللازمة لممارسة الوظائف في المجال الرقمي فضلاً عن تطوير المهارات العرضية للاستقلالية والشعور بالمسؤولية والعمل الجماعي.
ومن المؤسسات التي تعنى بالمجال التقني في موريتانيا:
- مدرسة التعليم التقني والتكوين المهني الصناعي بنواكشوط.
- مدرسة التعليم التقني والتكوين المهني التجاري بنواكشوط.
- مدرسة التعليم التقني والتكوين المهني للأشغال العامة بنواكشوط.
- المديرية العامة للتكوين التقني والمهني: وتعنى بما يلي:
* تنظيم وإنعاش نظام التكوين التقني والمهني.
* ضمان متابعة وتقييم سياسات وبرامج التكوين التقني والمهني.
* إنعاش وتنسيق أعمال إعداد خارطة التكوين التقني والنظم حسب الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية.
* تكوين العمال المؤهلين والفنيين وحملة شهادة الباكلوريا الفنية والمهنية والفنيين الساميين والمكونين.
* تنسيق أعمال وإعداد ومراجعة برامج التكوين التقني والمهني بالتعاون مع مختلف الفاعلين في مجال التكوين التقني والمهني والمنظمات الاجتماعية المهنية
* السهر على الاستخدام الأمثل للفضاءات التربوية والمصادر البشرية والمالية المعبأة.
* مراقبة جودة خدمات مختلف المتدخلين في قطاع التكوين التقني والمهني والقيام بالتقييم الدوري لسير عمل وأداء جهاز التكوين التقني والمهني.
* ترقية وتطوير التكوين المهني الأولي في الأوساط المهنية وخاصة التمهين والتكوين المتناوب.
* تطوير نظام وطني لتوجيه المترشحين للتكوين التقني والمهني.
* تنظيم امتحانات ومسابقات التكوين التقني والمهني.
مركز للتكوين عن بعد، قصد تطوير المهارات المحلية في مجال صناعة النفط والغاز
قررت موريتانيا بدافع آفاق تطوير مشاريع الغاز والتشبث باستراتيجيتها الهادفة إلى تعزيز فوائد قطاع النفط والغاز على الاقتصاد الوطني خلال سنة 2019، و بالشراكة مع شركتي BP و"كوسموس انيرجي" النفطيتين إنشاء مركز للتكوين عن بعد قصد تطوير المهارات المحلية في مجال صناعة النفط والغاز، ورؤية المركز تتمثل في أن يكون أداة عملية للمساهمة في ترجمة استراتيجية الحكومة المتعلقة بالمحتوى المحلي من خلال توفير القيمة المضافة اللازمة للمهارات الوطنية بغية الاستجابة لعرض خدمات القطاع، ويهدف إلى تلبية الاحتياجات المحددة من التكوين والتدريب لقطاع النفط والغاز لهياكل التدريب مثل المدرسة العليا متعددة التخصصات وجامعة نواكشوط، ويعمل المركز كذلك على تفعيل الشراكة مع شركات عالمية أخرى.
ثانيا: أهم البرامج التدريبية القطاع الخاص
من أهم المؤسسات الخصوصية في هذا المجال:
المعهد الدولي للدراسات العليا التطبيقية
يعتبر المعهد مؤسسة أكاديمية عليا تشتمل على تخصصات علمية وعصرية مختلفة هي:
ـ إدارة وتسيير المؤسسات
ـ المحاسبة
ـ قانون الأعمال
ـ القانون الضريبي
ـ المعلوماتية وشبكات التواصل
ـ إدارة وتسيير البيئة والتنمية المستدامة
ـ الهندسة ( الهندسة المدنية والهندسة الكهرومائية)
ويعتمد المعهد أفضل آليات وطرق التكوين بأساليب تواكب أحدث المستجدات التكنولوجية وآخر مقاربات البحث العلمي، ولتحقيق هدف التمييز المرسوم أصلا أقام المعهد شراكة قوية مع مؤسسات علمية خارجية في المغرب وفرنسا وكندا، كما أقام مقاربة تشاركية بلغات متعددة: العربية الفرنسية الانكليزية، ويتمتع المعهد بطاقم تدريسي متميز ويمنح شهادات معترف بها من طرف الدولة الموريتانية، ويمكن لخريجيه العمل في القطاعين الخاص والعام والمشاركة في مسابقات الوظيفة العمومية، وإضافة إلى البعد الأكاديمي بإمكان المعهد إعداد دراسات استراتيجية معمقة خدمة للمؤسسات العمومية والخصوصية، لتنويرهم بشأن القرارات المناسبة في مجالات التنمية على المستوى الوطنى والدولي.
المحور الثالث: الشركات الاقتصادية وعائداتها على تطوير المهارت التقنية والفنية بالبلد
سنقتصر على بعض الشركات بالبلد.
أولا: شركة تازيازت
تازيازت تدعم تطوير المهارات الفنية في موريتانيا وذلك من خلال الدعم الذي تقدمه كتوقيعها اتفاقية لمدة 3 سنوات لتجديد شراكتها مع مركز التكوين والتدريب المهني (CFPP) في نواكشوط، وذلك لتكوين 240 شخصا لمدة ثلاث سنوات، وتقدر التكلفة الإجمالية للبرنامج بـ 22,8 مليون أوقية جديدة (حوالي 641000 دولار أمريكي)، وستكون فرص التدريب متوفرة مع التركيز على صيانة المنشآت الصناعية و المباني السكنية وأشغال البناء وأنابيب المياه والحفر والخياطة، وسيستفيد المتدربون أيضا من دروس في محو الأمية أو المعلوماتية أو اللغة الانجليزية، وتهدف شركة تازيازت من خلال هذه الشراكة إلى توفير المزيد من الفرص لصالح السكان من جميع الأعمار بغية تمكينهم من العمل بشكل مستقل أو العثور على وظائف في سوق العمل، وكان مركز التكوين والتدريب المهني قد نظم خلال برنامج الشراكة الأول بينه وبين تازيازت في 2015 و 2016، وحدات تكوينية في مجالات اللحامة والبناء والكهرباء وقيادة الشاحنات لصالح 60 شخصا وتم على إثر ذلك منح أموال لتمويل مشاريع صغيرة.
ويأتي تجديد الشراكة بين تازيازت ومركز التكوين والتدريب المهني لينضاف إلى العديد من المبادرات الأخرى التي تمولها تازيازت لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المحلية، بما فيها:
• الدعم المالي لإنشاء المدرسة الوطنية الموريتانية للمعادن، والتي أصبحت الآن جزءً من المدرسة العليا متعددة التقنيات (Ecole Supérieure Polytechnique) وتستقبل تازيازت كل سنة متدربين من هذه المدرسة وقد تم توظيف العديد منهم.
• من 2012 إلى 2016، تم تكوين 60 شابا في مجالات اللحامة والبناء والكهرباء وقيادة الآليات الصغيرة.
ثانيا: شركة معادن نحاس موريتانيا MCM
وضعت MCM مجموعة واسعة من برامج التدريب والتطوير لمساعدة الأفراد على زيادة معارفهم ومهاراتهم وللتأكد من استخدام كافة مواهبهم واهتماماتهم، ويلتحق خريجو الجامعات بشركة MCM من خلال برنامجها الدولي للدراسات العليا الذي تديره الشركة الأم فيرست اكوانتوم، وبرنامج الدراسات العليا المحلية لشركةMCM، ويتم منح الطلاب المدمجين في البرنامج مجموعة واسعة من الفرص والخبرات لتوسيع مهاراتهم في عالم الصناعة المنجمية، والبرنامج الدولي للدراسات العليا (IPG) هو نقطة انطلاق الدراسات العليا في شركة فيرست اكوانتوم، ويخضع المترشحون الناجحون لبرنامج تطوير لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات؛ يمدهم بالخبرة في العمل التي يحتاجونها لتحويل المعارف النظرية التي تعلموها في الجامعة إلى مهارات عملية، وفترة التطوير التقني تدوم سنة واحدة تقريبا وتركز على مجال تخصص الخريج وتتوج بتقديم أطروحة في المجال والقيام بمهمة خاصة في مختلف مناجم شركة فيرست اكوانتوم، وبعد الانتهاء بنجاح من برنامج الدراسات العليا الدولية قد يمنح الخريجون العمل داخل الشركة على أساس عقد عمل قياسي فيما يستفيدون من الترقيات بعد ذلك حسب أدائهم، ويتم تقييم تميز الأداء داخل المجموعة وفق طرق متعددة بما في ذلك المشاركة في برنامج التطوير المكثف للمجموعة (ADP).
وتدرب الشركة الموظفين على مجموعة كبيرة من المهارات ويأخذ برنامجها للتدريب النظري 12 أسبوعا ويشمل تعليم كيفية أخذ القياسات الدقيقة، وتقنيات اللحامة والبناء والرسم وطرق التجميع، ويمتد برنامجها الأساسي للتدريب الميكانيكي لمدة 6 أسابيع، ويشمل ما يلي:
أجهزة القياس، وأنواع مختلفة من المضخات، وصيانة المضخات، وتحديد الأجزاء المختلفة للمضخة، وصيانة وتجميع مضخاتWARMAN وفقا لممارسات العمل الآمنة، وأنواع مختلفة من الأعطال على المضخات وكيفية إصلاحها.
وتجدر الإشارة إلى أن دولة قطر دعمت التكوين المهني بموريتانيا حيث دشنت المؤسسة القطرية الموريتانية للتنمية الاجتماعية معهد امتياز للتكوين المهني الذي يوفر فرص تعليم مهني متخصص في عدة مجالات لما يقارب 200 تلميذ في السنة الأولى ويأتي إنشاء المعهد في إطار جهود المؤسسة التنموية الهادفة إلى المساهمة فى القضاء على الفقر والحد من آثاره السلبية في موريتانيا، ويتيح الفرصة للشباب الذين لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم الثانوي للحصول على تكوينات مهنية فى مجالات حيوية كالهندسة الكهربائية والطاقات المتجددة وشبكات المعلوماتية وتسيير وإدارة المؤسسات والبنوك والتأمينات، وأنجزت المؤسسة القطرية الموريتانية للتنمية الاجتماعية مشاريع هامة فى موريتانيا منها بناء 5 مراكز للتكوين المهني، وتقع مراكز التدريب المهني الخمسة التي تدار 4 منها بشكل مباشر من قبل المؤسسة القطرية الموريتانية للتنمية الاجتماعية في كل من نواكشوط وسيلبابي والنعمة ولعيون، وتوفر دورات تدريب مهني تبلغ مدة كل منها سنتين يحصل الخريجون بعد إكمالها بنجاح على شهادات معتمدة.
المحور الرابع: نسبة الإقبال وجودة الكفاءة
إذا نظرنا إلى الدول المتقدمة نجد أن خريجي التخصصات التقنية والمهنية فيها يمثلون ما يناهز70% وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بنسبة 5 % الموجودة عندنا مع أن دول الجوار وصلوا إلى ما يقارب 25%، وهذا يؤكد أن نسبة الإقبال عندنا في المجال التقني والفني ما زالت ضعيفة، وإن كانت وتيرة الوافدين على المعاهد العمومية والخصوصية في الآونة الأخيرة ازدادت تزامنا مع إعلان الحكومة الموريتانية إعطاء أولوية خاصة لخريجي المدارس والمعاهد المهنية نظرا للدور الذي يتطلعون له في بناء جيل متعلم يُسهم في الدفع بعجلة التنمية والبناء أشواطا إلى الأمام، وهذا الإقبال قد يكون فيه اختلال ما بسبب أنه قد يكون مقتصرا على العاصمة دون غيرها من مدن الداخل لارتفاع نسمة السكان بالعاصمة ولقلة الوعي لدى أهل الداخل بأهمية هذا النوع من التعليم، وعدم احتياج السوق بالداخل لأهل الخبرات التقنية، فأغلب الأسواق الداخلية تعتمد على الخبرة المكتسبة عن طريق التجربة التقليدية والممارسة لا عن طريق التعليم والتدريب.
لكن الحقيقة هي أن كثيرا من خريجي هذه المعاهد والمدارس أصبحوا لا يخفون امتعاضهم من عدم وجود آلية تمكنهم من الولوج إلى سوق العمل مما جعلهم يعتبرون أن الدعوات التي أطلقتها الحكومة في العناية بأصحاب التعليم المهني دعوات لا تصدقها القرائن على أرض الواقع، والمقبلون على التكوين بالمعاهد الخصوصية أكثر من 60% منهم في الغالب خريجو الآداب والعلوم الإنسانية الذين يطمحون لتعزيز مكانتهم في سوق العمل إلى جانب أصحاب الشعب العلمية والمهنية التي غالبا ما يُتاح لهم العمل بشكل أفضل.
وعموما فعطاء هذه المؤسسات ما زال ضئيلا إذا نظرنا إلى الاحتياجات داخل السوق، وربما يكون ذلك عائدا إلى عدم جودة المحتوى الذي تقدمه المعاهد الخصوصية أو عزوف أهل السوق عن البحث عن الأكاديميين، وأما المؤسسات العمومية فأحسنها عطاء هي المدرسة العليا متعددة التقنيات وذلك ما انعكس على طلابها في ولوجهم لأكبر المدارس الهندسية عالميا، وأما غيرها من المؤسسات ما زال عطاؤه لا يلبي الرغبة التي يتطلع لها السوق ويطمح لها المجتمع.
المحور الخامس: تقييم عام
احتلت دولة موريتانيا المرتبة 54 عالميا على مؤشر كفاءة إدارة الموارد في (تقرير التنافسية العالمية العاشر لسنة 2021 في السلسلة التي تختص بتقييم التنمية الاجتماعية والبيئية والاقتصادية للدول)، وتلعب عوامل الطقس، وتوافر المياه العذبة، ونوعية الأراضي الصالحة للزراعة، وتنوُّع الموارد الطبيعية، دورا كبيرا في تحقيق الاكتفاء الذاتي على نحو مستدام يضمن تجدد الموارد، لكنها متأخرة في المؤشرات الأخرى التي تمثل ركيزة أساسية في نهضة الاقتصاد وازدهار الدول، وذلك مثل مؤشر رأس المال الاجتماعي، ومؤشر رأس المال الفكري الذي هو بدوره أحد مخرجات التعليم إذ يعدُّ أساس الابتكار في المستقبل والنجاح الاقتصادي، وما تزال افريقيا ضعيفة الأداء فيه، مما يعزز الخوف من الوقوع في شراك الفقر لفترة طويلة، ورغم كثرة الثروات وتنوعها وقلة نسمة السكان فإن موريتانيا ما تزال بعيدة في مجال التنمية المستدامة سواء في مجال الحد من الفقر والقضاء على البطالة أومجال تحقيق الاكتفاء الذاتي.
خاتمة
إن الاهتمام بالمجال التقني وتطوير المهارات داخله أمر يمليه الواقع ويفرضه المستقبل الذي نتطلع لأن نصبح جزءا منه، ومن الملاحظ أن الحكومة حديثا ضاعفت الاهتمام بالمجال التقني والتكوين المهني، لكن هذا الاهتمام لم تنعكس إيجابياته بعد لا على نهضة الدولة ولا على سوق العمل رغم كثرة المؤسسات المعنية بذلك، وهذا ما يفرض مراجعة صارمة داخل هذا المجال حتى يسير وفق وتيرة مضبوطة بمعايير واضحة يمكنها أن تساعد في تلبية رغباتنا في المستقبل القريب.
توصيات:
1_ الحد من هجرة الكفاءات العلمية واستقطابهم بعد تخرجهم من الجامعات العالمية عن طريق تقديم قيمة معنوية ومادية لهم ترغبهم في ذلك.
2_ منحهم السلطة المطلقة في قطاعاتهم التي يديرونها؛ ليبدعوا فيها وينهضوا بها من دون مضايقة.
3_ إبعاد الوساطة في اختيار الطلبة الذين يدخلون المدارس التقنية والأساتذة المكونين.
4_ التركيز على جودة المحتوى وجديته داخل المدارس والمعاهد كلها بدون استثناء.
5_ تركيز الوزارة المهتمة بالمجال الرقمي على مواكبة الثورة التكنولوجية في جانب الاقتصاد.
6_ مضاعفة استثمار الشركات الأجنبية في مجال التعليم، فاستثمارهم ما يزال ضئيلا رغم أنهم يحصدون ثرواتنا الذهيية والحديدية والسمكية وغيرهم بشكل لا يكاد العقل يقبله ولا المنطق يصدقه.