لطالما نُردد عند قراءة الكتاب الكريم (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) أو رُبما نسمعها أثناء القيادة أو العمل.. إلخ، ولكن هل نَعلمُها يَقيناً؟! وهل نحتوي هذهِ الآية بقلوبنا؟!
دعونا نذهب سوياً لنغوص في أعماق هذهِ الآية الكريمة وتسلط الضوء على أثرها بحياتنا اليومية، فها هو الإنسان يولد ولا يعلم ما أخفاه لهُ قَدره حتى إنهُ يُولد وهو يبكي ليعلم فيما بعد أن هذه الحياةَ كَبدٌ في كَبد ولا راحةٌ أو كمالٌ فيها لبشر.
يبدأ خطواته نحو الحياة التي سَتُعلمه الدروس وكل درسٍ يختلفُ عن الآخر ولكن البعضُ لا يتعلم! ليقع مُجدداً بفخاخ هذهِ الدنيا. إذاً هذه الخطوات سَتُعلمهُ السعيَ الحقيقي ليصل أو لنقل ليحقق جُزءاً مما يُحب ويهدف.
إن مفهوم السعي في الحياة أن تأخذ بالأسباب كُلها لِتُحقق ما تَرجوه حتى تلكَ السُبل التي لا تنتمي لها قد تُجبر أن تذهب إليها زاحفاً لتصل للقمة التي تطمح، لا عليك أن أعلم شعورك جيداً كيف تَسلُك ذاك الدرب الذي لطالما رددت لن أسلُكهُ ولكنها الحياة يا عزيزي القارئ!
بعد الثانوية تلتحق بالجامعة التي تُحب أو بجامعةٍ أخرى وتدخل ذاك التخصص الذي تحلم إن سمحت لك الحياة طبعاً أو تجازف بالإعادة مرةً ومرتين وعشر حتى تتخصص بتخصص حُلم الطفولة، وبالتأكيد تأخذكَ مواقف ودروس بهذه الفترة لتتخرج بعدها بكل همة لتصطدم بواقعٍ لا يشبه خيال ذاك الطفل الذي كان يلعب بطائرتهِ الورقية ويردد: أنا لها.
تبدأ بالسعي والأخذ بالأسباب كلها وتَذهب هنا وهناك وتطرق باب هذا وذاك لعلك تصلُ لشيءٍ مما تطمح ولكن لا شيء! أو ربما تحقق شيءٌ لا يُشبهك أو يشبه ذاك الحلم! لا علينا ذاك الحلم وتلك الأمنية وتلك الجامعة.. لِما لم يتحقق أيٌّ منها، رغم سعيّك! لحكمة يعلمها الله وتجهلها أنت بعلمك المحدود لم يُعطك إياها ليسَ لكي يحرمك، حاشا ولكنه سبحانه الأعلم بقلبك الرقيق وما يُسعده ويُبهجهه
ولتعلم يقيناً أن كل مساعيك لم تذهب هباء بل حُفظت بسجلات السماء بين أسماء الساعين (واَسعوا في مناكبها).
فهذا نبيُ الله نوح "عليه السلام" يأتي لقومه يدعوهم أعواما عديدة لما هو خير لهم ولكن دون جدوى فَيوحىَ إليه من أعلى السموات "أنّ اصنع الفلك"، أي السفينة ولكن ماذا ستفعل السفينة في أرضٍ صحراء لا مياه بقربها..!
تخيل معي هذا المشهد، فبدأ عليه السلام بِصنع الفلك وأخذ بكل الأسباب والقوم يسخرون منه ولم يلتفت عليه السلام لهم حتى جاء أمر الله فأغرق الأرض كُلها لأجل سفينة نوح عليه السلام ومن معه.
العبرة إذاً: اصبر لأجل حُلمك ولا تلتفت وتذكر أن المُلتفت لا يَصل.
وانظر معي لمحمد صلّى الله عليه وسلم لم يحقق رسالة الدعوة رغم أنه أخذ بجميع السُبل بالسرِ والعلن لدعوة قومه للتوحيد ولم ينجح كما كان يهدف فقد أخذ السبيل الأقوى ألا وهو الهجرة ليحقق هدفهُ كما يجب وسعى بالأرض لتصل رسالته العالم أجمع وتستضاء الأرض بنور هديه..
فالعبرة هنا: هاجر النبي ليعلمنا أن الأهداف تبقى ثابتة رغم الظروف وأن أثر العمل سيصل للوطن وإن ابتعدنا عنه.
هذه هي حِبكة الأقدار تخطط أنتَ وتأتي الأقدار لتكتب لك تخطيطاً جديداً يحمل بين طياته الكثير من الخير الخَفي والمُعلن لك والكثير من السلام والحبّ الإلهي الذي يُحيطك من كل جانب.
وختاماً عزيزي القارئ: لا تيأس إذا أخّر الله ما تُحب اصبر وابتسم وأعلم أن الله يرتب لك في الغيب من الفرح ما يستقر في قلبك، كن بخير.