عادة ما نشاهد في المسلسلات والأفلام وحتى المسرحيات وشتى ضروب التمثيل شخصاً يلعب دور الضحية، وقد كان لهذا الشخص صاحب هذا الدور أكبر أثر على المشاهدين من جميع المستويات وعلى مختلف الطبقات الفكرية والنفسية، ونتيجة لذلك نرى الكثير من الأشخاص يلعبون هذا الدور على مسرح الحياة حتى دون أن يشعروا أنهم يفعلون ذلك.
في ظل هذا الدور نجد الجميع يحتمي من هجير أخطائه ويجعل منه عباءة الإخفاء التي تخفيه من عواقب تأنيب الضمير ومواجهة الواقع والحقيقة، وأحيانا يتم اتخاذه على شكل العاطفة التي من شأنها أن تلين أقسى القلوب وتميل أعتى المخلوقات حد الركوع، وقد تمادى الكثير في لعب هذا الدور حتى أصبح من عاداتهم اليومية التي لا غنى عنها حتى لم يعد من السهل أن نجد شخصاً يقف على أخطائه أو يقيم الحق على نفسه وعلى ابسط المقادير يعترف بأخطائه.
تأثير دور الضحية على تقدم وتأخر الفرد
من الواجب حد الفرض على كل شخص أن يقف مع نفسه كثيراً أكثر من أن يقف على أقوال وأفعال غيره، يجب عليه أن يجعل نفسه تحظى ببعض التأنيب ليسعى للأفضل، ليس علينا أن نصل لمرحلة الرضا عن النفس لأنها حتما ودون نقاش مرحلة خطرة جداً وإنما علينا أن نبقى في مرحلة القناعة ونلبث فيها سنين، نعم فالفرق شاسع مثلما كان الفرق بين الثقة بالنفس والتكبر مقدار شعرة وكذلك الفرق بين القناعة واليأس والفرق بين الطموح والطمع كل يفرق عن غيره مقدار شعرة ومع الأسف يتم الخلط بينهم أجمعين. مرحلة الرضا عن النفس تجعل الشخص في حالة من الركود لا يحرك ساكناً ولا يوقف متحركاً فنجد أن الشخص لا ينفك راضياً عن نفسه ومعجباً بها حتى يجد نفسه في المؤخرة، ليس على الفرد منا أن ينظر للجانب الناجح منه أو الطيب كما تقول الأسطورة ليس دائماً وإنما بشكل معقول فمن وقت لآخر يحب الفرد أن يسعد بإنجازاته، ولكن من الصحي أن يقف الفرد منا أكثر على أخطائه ويواجهها بحلول وليس بتبريرات وهذا ما يفعله الذي يلعب دور الضحية، كل من يلعب هذا الدور يلتمس لنفسه ألف عذر على كل ذلة يرتكبها ويلقي بذنبها على عاتق غيره ويصدق أنه لم يرتكبها بل يظل يؤكد لنفسه أنها ارتكبت في حقه ويجب أن يكون هنالك من يسانده ويدعمه وإلا فإنه أيضاً ضحية لقسوة المجتمع وأن الجميع لا يهتمون لأمره، أجد في هذه الفترة من الزمن أن نادراً ما يقول شخصاً لقد أخطأت في حق فلان، بل على العكس كلما عظم الأمر واشتد الخلاف لا يسعى أي من الطرفين إلى حل وإنما ليبرر لنفسه وبشكل من الأشكال يبدو بمنظر الضحية ليس فقط ليريح نفسه من تأنيب الضمير وإنما ليعطي نفسه سببا يهاجم به الطرف الآخر بأبشع الأساليب والصور حتى يجد نفسه تحول إلى شخص آخر من فرط الانتقام الذي لا أساس له.
كثيراً ما نلاحظ في مجتمعنا هذا إنتشار المقولات سواء الشعرية أو النثرية على شكل فيديوهات وصور وحتى أغاني ونجد الجميع يعيش معها في حالة من النشوة لأنها تمثله وبشدة وتحكي عن واقعه الذي يعيشه، أصبح الجميع تحت ظل هذه المظلة يتحدثون عن من خانوهم ومن تركهم وحيدين، ويتحدثون عن من طعنهم من الخلف والأكثرية يتحدثون عن أنه لا أحد يقف معهم أو يساندهم ويدعمهم وبذلك فقد تخلى عنهم الجميع، هذا الدور حقاً مثير للإشمئزاز فقد جعل المجتمع بأكمله (لو كنت أستطيع لجزمت بأنه ثلثي العالم) يعيش في حالة من الاحباط واليأس والحزن اللامتناهي فلا ينفك يشعر الواحد منا بالظلم والغدر والخيانة وهو يعيش في الهالة التي ترسمها له مشاعره حصراً حول هذه الأفكار التي هي بالأساس أوهام، أصبح العالم و كأنه محاط بغيمة سوداء من الحقد واليأس والخذلان وفقدان الثقة بالنفس وكل هذا راجع لهذا الدور البغيض، بل والأسوأ من ذلك أن كل شخص يرسم لنفسه صورة الملاك ذي الجناحين والدائرة على رأسه فكل شخص طيب وقلبه أبيض ولا يستحق أن يعامل هذه المعاملة والكل قاسي ولا يتفهم مشاعره، حسنا إذا إذا كان كل العالم هكذا من إذا يتسبب لهم بهذه الجروح والآلام، كل هذا من وحي خيالهم؛ ليس تماماً وإنما له النصيب الأكبر؛ فإذا وقع خلاف بين شخصين لابد أن يكون هنالك شئ سبب لهذا الخلاف سواء مشترك بين الطرفين أو بسبب طرف واحد وفي كلا الحالتين يزداد الأمر بعدم الاعتراف بالخطأ؛ إذا كان العالم يسير بمبدأ الجاني والضحية -وحتماً هو يسير هكذا- فلابد لأحد الطرفين أن يكون الجاني والآخر الضحية ولكن ما زاد الأمر سوءاً أن الطرفين يلعبان دور الضحية وكل طرف يخبر عن الثاني أنه الجاني وهكذا يحدث الفراق الأبدي، بيت القصيد أنه مهما كنت مظلوماً أو مغدوراً فأنت ظالم وغادر في نفس الوقت على الأقل من وجهة نظر الطرف الآخر، لذلك يجب أن يتوقف المجتمع عن لعب هذا الدور مع المجتمع نفسه ويخرج عن دائرة الرضا عن النفس التي لا تمنح تقدماً على الإطلاق، ففي هذه المنطقة يظل الفرد ينظر فقط لمحاسنه متجاهلاً النظر لأخطائه جاعلاً إياها تزداد وتكبر في تبعثر وإهمال .
تخيلوا معي أن هنالك في مكان ما مصنع نسيج يحتوي على ماكينتي نسيج، واحدة تعمل بصورة ممتازة وتدر إنتاجاً رائعاً للمصنع في وقتٍ قصيرٍ جداً، والأخرى متعطلة لا تعمل أبداً، فإذا اكتفى صاحب هذا المصنع بإنتاج هذه الآلة وأعجب به ولم يصلح الأخرى فلا يسمى هذا قناعة بل رضا عن الإنتاج فالقناعة في أن يسعد بما عنده ويحسن منه ويأخذه للأفضل أما هو ففي حالة رضا وهذه الحالة ضررها أكثر من نفعها فإنه ومع مرور الوقت سيضعف إنتاج الآلة التي تعمل وسيضطر لصيانتها ولا يعلم حجم الضرر الذي قد يلحق بها وإلى أي مدى قد يتوقف حاله إذا تعطلت، وفي الجانب الآخر نجد أن الآلة الأخرى يزيد تعطلها يوماً بعد يوم نتيجة الإهمال فقد تصاب بعض القطع بالصدى وأخرى تتآكل ويوماً بعد يوم يزداد الأمر سوءاً وبهذا لن يكون لصاحب المصنع جانب حسن ينظر إليه. إما إذا كان صاحب هذا المصنع قد إهتم بصيانة العطب الذي في الماكينة الثانية منذ البداية ولم يرضى فقط بذلك الانتاج لكان طور من نفسه أكثر فأكثر يوماً بعد يوم.
ونفس الحال في النفس البشرية إذا توقف المرء كثيراً على أخطائه وجوانبه السيئة وعالجها أولاً بأول وفي نفس الوقت يتقدم بجانبه الحسن سيكون في حالة من التقدم المستمر على الجانبين، أما إذا افتخر بجانبه الحسن فقط سيبقى على حاله فلن يقي جانبه الحسن شر التراجع ولن يداوي جانبه الخاطئ مما أصابه من آفات. اعزائي بالحديث عن موضوع الرضا فإني قد خصصت به الرضا عن النفس وليس الرضا بما قسمه الله لك وقدره لك فأيضاً هنالك فرق شاسع بينهما وإنما الأخير لمختلف عن طرحنا لذلك لم أخصه بالذكر .
إخوتي في الله بمن فيكم أنا دعونا نرتقي بفكرنا ووعينا، فإن كان هناك شخصٌ تَرَكَنا في منتصف الطريق فقد تركْنا ألف شخصٍ في منتصف الطريق، وإن كان هناك شخصٌ قد طعننا من الخلف فقد طعنا ألف شخصٍ من خلفهم، وإن كان هنالك شخصٌ خذلنا، فقد خذلنا ألف شخص، لماذا نتذكر فقط من ضايقونا ولا نتذكر من ضايقناهم، أنا لا أعلم وكذلك أنت لا تعلم إن كنا ضايقنا شخصاً أو لا فلكل شخص معاييره للخذلان والغدر والخيانة وإنها أمور متفاوتة فما لا يؤثر فيك قد يجرح غيرك مسبباً له شرخاً لا يندمل، لذلك لابد وأننا في يوم من الأيام قد أخطأنا في حق غيرنا فنحن لسنا ملائكة، فقط علينا أن نسامح وننسى من أخطأ في حقنا ليسامحنا وينسى ذلاتنا من أخطأنا في حقه. أخي وأختي وصديقي وصديقتي إذا حدث أمر سئ لك فاق توقعاتك لا تسارع بلوم غيرك ولا تلقي بعاتق الأمر على من هو سواك، لابد ان تحمل نفسك بعض المسئولية لابد وأنك في مرحلة ما من هذا الأمر كنت أنت المخطئ هكذا سيخف وقع الأمر عليك وستتقبله بصورة أفضل وستساعد نفسك على الخروج منه إنساناً آخر؛ إنساناً أفضل يعلم أين أخطأ ويعلم كيف لا يكرر خطأه، فإن لم تستطيعوا أن تجدوا تلك النقطة التي اخطأتم بها أيضا لا تلوموا غيركم فإن المؤمن أمره كله خير وتذكروا لو كان خيراً لبقى، لوم الغير لا يغير من حقيقة الأمر ولا من نتيجته وإنما فقط سيزيد من ألمك والأسوأ إذا كان الخطأ ليس كلياً من الغير فقد يغير ما بينكم ويذهبه دون رجعة، كذلك إن لم يحالفك النجاح في أمرٍ ما فهذا لا يعني أن النجاح يرفضك ويبتعد عنك، وإذا لم توفق مرة في دراستك فهذا لا يعني أن الدراسة لا تليق بمستواك، وإن لم تُقبل في وظيفة ما فهذا لا يعني أن صاحب العمل لم يعجب بك، دائما ما يكون لك يد في الأمر وأبدا ما يكون التدبير من عند الله، حتى إذا ما أصبت بمرض عضال فأنت لست بضحية لهذا المرض وحتماً إن الله لا يكرهك، بل إن هذا المرض هدية الله لك للتكفير عما سلف وفرصتك للتوبة وحب الله لك.