يا "شاهد القرن"؛ إن القرآن لم يصر بعد "ظاهرة" علمية وحضارية نستمد منه التصورات والمفاهيم والمناهج والحلول. وأما "وجهة العالم الاسلامي" فلم تحدد بعد بدقة، وما زلنا نتراوح "بين الرشاد والتيه"، بالرغم من أننا "في مهب المعركة". ولأن "الصراع الفكري" ألهانا عن "القضايا الكبرى"، فلم نحل بعد "مشكلة الثقافة" لنقوم بالإعداد لـ"ميلاد مجتمع" يحقق "شروط النهضة"، وصرنا نعيش "مشكلة الأفكار" بقوة، بفعل هيمنة "أعمال المستشرقين" فكرًا ومنهجًا، وهيمنة مُقلديهم من أبناء أمتنا؛ فتاه "المسلم في عالم الاقتصاد" بعد أن تجاوزته الدول "الإفريقية الأسيوية" في الفكرة وفِي التنفيذ، فبقينا في محيط "تأملات" نظرية، ولَم ننتبه بعد لمسؤوليتنا وهي "دور المسلم ورسالته" في تحقيق النهضة ومشاركة الإنسانية تحضرها. وصار كثير من أبناء أمتنا ينفذون أهداف "المسألة اليهودية"، التي أبعدت مشروع "الكومنولث الإسلامي"، واندفع بعض منا يدمر بغداد وصنعاء ودمشق و"مجالس دمشق"، مما جعلنا نتطلع إلى نداء الوعي فنقول "لبيك" إلى وعي حضاري جديد يخرجنا من "العفن" لننطلق في "آفاق"  الجزائر والأمة والعالم "من أجل التغيير" وتحقيق "البناء الجديد"، والخروج من التخلف، وحل (مشكلتنا الحضارية).
هذا يا استاذي حالنا. وبالرغم من أنه حال مؤلم، فإنه مقدمة -بحول الله- للتغيير، بفضل الله ثم بفضل الشباب الذين أهديتهم أنشودتك الرمزية، في مقدمة "شروط النهضة" وقلت لهم:
أي صديقي:
 لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق.
وكل من سيستيقظ بدأ يتحرك وينتفض في خدر النوم وملابسه الرثة.
 ستشرق شمس المثالية على كفاحك الذي استأنفته، هنالك في السهل، حيث المدينة التي نامت منذ أمس ما زالت مخدرة.
 ستحمل إشعاعات الصباح الجديد، ظل جهدك المبارك، في السهل الذي تبذر فيه، بعيدا عن خطواتك.
وسيحمل النسيم الذي يمر الآن البذور التي تنثرها يداك ... بعيدا عن ظلك.
 ابذر يا أخي الزارع. من أجل أن تذهب بذورك بعيدا عن حقلك، في الخطوط التي تتناءى عنك ... في عمق المستقبل.
ها هي بعض الأصوات تهتف. الأصوات التي أيقظتها خطواتك في المدينة، وأنت منقلب إلى كفاحك الصباحي. وهؤلاء الذين استيقظوا بدورهم، سيلتئم شملهم معك بعد حين.
غنِّ! يا أخي الزارع! لكي تهدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر، نحو الخط الذي يأتي من بعيد.
وليدوِّ غناؤك البهيج. كما دوّى من قبل غناء الأنبياء، في فجر آخر، في الساعات التي ولدت فيها الحضارات.
وليملأ غناؤك أسماع الدنيا، أعنف وأقوى من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنالك.
ها هم ينصبون الآن على باب المدينة التي تستيقظ، السوق وملاهيه، لكي يميلوا هؤلاء الذين جاؤوا على إثرك، ويُلهوهم عن ندائك.
وها هم قد أقاموا المسارح والمنابر للمهرجين والبهلوانات، لكي تغطي الضجة على نبرات صوتك.
وها هم قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار. ولكي يطمسوا بالظلام شبحك، في السهل الذي أنت ذاهب إليه.
وها هم قد جملوا الأصنام ليلحقوا الهوان بالفكرة.
ولكن شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع، وستعلن قريبا انتصار الفكرة، وانهيار الأصنام، كما حدث يوم تحطّم "هُبل" في الكعبة.