يُعد شهر رمضان الكريم شهراً استثنائياً، فهو شهرٌ مبارك تفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار، وتُضاعف فيه الحسنات، وتمحى فيه السيئات، وإن عبادة الذكر من أفضل العبادات في كل وقت وحين، فهي سهلة الممارسة عظيمة الأجر، وقد ورد في فضل تلك العبادة الآيات والأحاديث الكثيرة، فكيف إذا كان ذكر المسلم لربه بلسانه وقلبه في شهر رمضان الذي تتضاعف فيه الحسنات والأجور،وذكر الله تعالى في هذا الشهر يحفز العبد ويقويه على أداء بقية العبادات والزيادة من الطاعات التي تقربه من الله تعالى، فالذكر المتواصل يعزز إيمان العبد ويقوي صلته بخالقه.
الذكر من أفضل القربات إلى الله (عز وجل)، وقد مدح الله تعالى الذاكرين كثيراً وأثنى عليهم ثناءً عظيماً، فالذكر من خير الأعمال وأفضلها عند الله وأزكاها، وللذكر فضائل كثيرة وفوائد عظيمة ينالها الذاكرون الله كثيراً والذاكرات،إذ أن الذكر هو المقصود الأعظم من العبادات، فما شرعت الصلاة إلا لذكر الله سبحانه، وقد ورد فضل الذكر في مواضع كثيرة من كتاب الله، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَرَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 41 - 43]، وقال سبحانه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، وقالتعالى: ﴿فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِ﴾[طه:١٤] (1).
وفي الحديث القدسي، يقول سبحانه وتعالى: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»[رواه البخاري].
والذكر حياة للقلوب، به تسعد النفوس وتُزهر الحياة، إنه حياة وفقده موت، وإن حياة الذاكرين نور يتلألأ، فالذكر منزلة من منازل هذه الدار يتزود منه الأتقياء ويتجرون فيه، إنه قوت القلوب، متى فارقها كانت قبوراً، وهو عمارة فإذا تعطل الذكر في القلب كانت عمارته بوراً، فالقلب الذاكر لا يخشى غماً ولا يشكو هماً، ولا يصيبه القلق مادام قرينه ذكر الله (2)، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
والذكر علامة خشوع القلب وتواضع العبد للحق، فهو يطهر القلوب من أدران الكبر والفسوق والعصيان، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 16].
وإن ثمرات الذكر وفوائده، تحصل بكثرته، وباستحضار ما يقال فيه، وبالمداومة على الأذكار المطلقة والمقيدة، وبالحذر من الابتداع فيه (3)، ومن جمال هذه العبادة أنه لا يشترط فيها وقت أو حال يكون عليه المؤمن، بل تكون في كل الأوقات والأحوال والأزمنة والأمكنة، قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ * إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 205، 206]، وقال سبحانه: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه: 130].
وفي الدلالة على فضل الذكر في التقرب إلى الله سبحانه، ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله)) [رواه الترمذي (3377)].
ولأن رمضان موسم الخيرات، وميدان التنافس في القربات، ولأن ذكر الله عز وجل من أعظم ما يتقرب العبد إلى ربه، فينبغي للمسلم وهو يتقرب إلى مولاه في هذا الشهر المبارك أن يرتبط بذكر الله تعالى قائماً وقاعداً، ماشياً وراكباً، يحفظ الأذكار المأثورة، ويحفظها أسرته وأولاده، فتقترب منه الملائكة، وتبتعد عنه الشياطين، فالذكر تجارة رابحة عظيمة الأجر، تزكي نفوسنا وتطهرنا من الذنوب والخطايا (4).