تعد البحوث الجامعية من أهم الوحدات الدراسية في النظام الجامعي الجديد، التي يقوم فيها الطالب بإنجاز بحث علمي في مجال تخصصه (1).
ونقصد بها في هذا الصدد، بحوث التخرج في سلكي الاجازة والماستر في تخصصات الآداب والعلوم الإنسانية، تخصص الدراسات الإسلامية، على أن ما سيعرض يمكن أن يكون مشتركا مع تخصصات أدبية أخرى.
مما لا شك فيه أن البحوث موضوع حديثنا، لها ضوابط وقواعد تسير عليها، إذ لا يمكن أن يسمى البحث بحثا علميا جامعيا إلا إذا توفرت فيه تلك القواعد، وإلا اعتبر ناقصا ويمكن في بعض الأحيان رفضه، خاصة عندما لا يتوفر فيه الحد الأدنى ويطلب من الطالب تدراك الأمر قبل وقت المناقشة.
وقد كتب كثير من العلماء والباحثين الأكاديميين كتبا تعنى بهذا الشأن، واذكر في هذا السياق ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ كتاب "أبجديات البحث في العلوم الشرعية"، لمؤلفه الدكتور فريد الأنصاري (2)، فقد رسم من خلال هذا الكتاب "قواعد" البحث العلمي في العلوم الشرعية، والطالب الباحث لابد له وهو يريد إنجاز بحثه من الاطلاع على أحد تلك الكتب المتخصصة في هذا الشأن.
وجدير بالذكر أن بحوث الاجازة والماستر كانت ولا زالت شرطا من شروط الولوج إلى سلك الماستر والدكتوراه (3). إلى جانب شروط أخرى معلومة لدى المهتمين من الطلبة والباحثين…
واستنادا إلى ما سبق من كون البحوث شرط الولوج إلى المباريات، يكون من المفيد جدا استحضار مجموعة من القواعد العامة لتجويد البحوث والارتقاء بها نحو الأحسن، ومن ذلك ـ في نظري ـ ما يلي:
ـ بعد جمع المادة العلمية وترتيبها وصياغتها، يبقى الأهم من ذلك كله قدرة الباحث على التحليل، التشبيك والتفكيك
على حد تعبير الدكتور أحمد الريسوني، (4) المناقشة، إبداء الرأي والتعليق على ما تم ثبته من المعارف في متن البحث. فالبحث الأجود من بين محدداته قدرة الباحث على الحضور القوي في البحث من خلال المهارات السالفة الذكر.
ـ الحرص الشديد على السلامة اللغوية أسلوبا ونحوا وصرفا.
وهنا يمكن الاستعانة بأهل التخصص المتقنين لمجال اللغة وعلومها، في عملية التدقيق اللغوي للبحث الجامعي (5). فكلما كان البحث أدق من حيث اللغة كلما حصل على درجة مستحسنة من التقدير الجزائي. أضف إلى ذلك أنه سيعرض على لجان علمية متخصصة في مباراة الولوج إلى بعض الأسلاك الجامعية وتقدر له نقطة عددية معينة وعليه فمتى كان البحث خاليا من العيوب اللغوية كلما كان أقرب إلى النجاح في المباراة.
من الظواهر السلبية التي صارت شبه منتشرة في البحث العلمي، بدون تعميم طبعا، ظاهرتي السرقة العلمية بمختلف تجلياتها والاعتماد الكامل على الوسائل التكنولوجية الحديثة حيث المعلومات والبحوث الجاهزة، فبعض النظر عن مدى حلية أو حرمة هذا الأمر، إلا أننا يمكننا القول أنهما ممارستان مذمومتان لكونهما يرسخان سلوكا غير مقبول في البحث العلمي وهو الاتكالية والقبول بالجاهز وترك الاعتماد على النفس، على الرغم من الإيجابيات العديدة التي للوسائل الحديثة والتي لا يمكن لعاقل إنكارها من ذلك تقريب وتيسير الوصول إلى المعلومة.
وإذا نظرنا إلى الشريعة نفسها وجدناها تحث على الاجتهاد في طلب العلم ومنه الاجتهاد في البحث عن المعلومات وامتلاك مهاراة البحث، لا شيء إلا لأن البحوث الجامعية في أصلها منطلق لتكوين باحث في المستقبل يعول عليه في إنتاج المعرفة العلمية الرصينة، وإذا كان الرسول عليه السلام يحث على الأكل من كد اليد، فعن المقداد بن معد يكرب ـ رضي الله عنه ـ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده..." رواه البخاري (6). فكذلك البحث العلمي يحرص فيه على كد العقل والمجهود الشخصي، فإذا لم يألف الباحث التنقيب والبحث بذاته عن المعلومة لا شك أنه متوفق ولو بعد حين عن مسار البحث الجاد لما ألفه من الركون والدعة. ودونك الواقع والأشخاص فكم من باحث تخرج من الجامعة ولم يعد يربطه بالبحث العلمي إلا الاسم، بطبيعة الحال تتعدد العوامل التي تقف خلف هذه النتيجة لكن أرى أن واحدة منها هو ما نحن بصدد الحديث عن الآن من الظواهر السلبية في مسيرة البحث العلمي.
ومن هنا يمكن الخلوص إلى فكرة أساسية وهي أنه لأن يكتب الباحث ورقات قليلة في بحثه يحضر فيه بقوة من خلال التحليل والمقارنة والمناقشة وغيرها من المهارة وبذلك يكون اكتسب أوليات الصناعة البحثية خير له من أن يرتب بحثا من أوراق كثيرة لا حضور له فيه إلا نادرا.
إن الملاحظات السالفة الذكر، والتي أرى أهميتها في تجويد البحوث، هي خلاصة سماع في لقاءات وأنشطة علمية ومناقشات بحثية في مناسبات مختلفة، (7) ولا ريب أنها مبثوثة في كتب أهل الصنعة. وإنما غرضنا تقديم وجهة نظر قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة.