مالك بن نبي، هو مفكر جزائري ولد عام 1905 في قسنطينة، ودرس فيها، كما عاش جزء من حياته مع عائلته في مدينة تبسة، وتوفي في 31 أكتوبر 1973 في الجزائر العاصمة، ودفن في مقبرة سيدي أمحمد بحي (بلكور) بلوزداد العتيق.
الحضارة والثقافة والأفكار والمجتمع هي المحاور الرئيسية لفكر مالك بن نبي، كما عمل مالك بن نبي على تطوير نظرية خاصة بالمفهوم الاجرائي للحضارة، ودوراتها الحياتية، وظروف ولادتها ووصولها الى مرحلة الشيخوخة، ومن ثم الانقراض والزوال.
عارض مالك بن نبي استيراد الأيديولوجيات الغربية، واعتبرها بمثابة سم قاتل من حيث أن افكارها تتعارض مع قيم المجتمع وثقافته، وبالتالي ستفشل عند تطبيقها، وهو ما حدث للاشتراكية مثلا، فقد فشلت لعدم قدرتها على تلبية الحاجات الثقافية للمجتمع الجزائري، الذي يحبذ الملكية الخاصة، ويحب التميز، وله خاصية التضامن الاجتماعي بطريقة طوعية وليس إلزامية.
من جهة أخرى نلاحظ أن كتابات مالك بن نبي فيها الكثير من الاستشراف بحيث، بعد أكثر من 50 سنة من وفاة المفكر مالك بن نبي مازالت أفكاره صالحة للعمل بها، بل أن الكثير من المشكلات التي أشار اليها مازالت مستشرية في المجتمع الجزائري والإسلامي بصفة عامة.
وهذا ما يؤكده الواقع الذي يقدم لنا صورة عن الاهتمام بفكره وأعماله، فمازالت أعماله تستمر في إعادة نشرها وقراءتها من طرف شباب لم يعرفونه ولم يعاشرونه في حياته، ومازالت الندوات الخاصة به وبفكره تقام في الجامعات وفي المنتديات الخاصة، فكأنه رحمه الله كان يكتب لأجيال مستقبلية غير جيله.
تناول مالك بن نبي مشاكل الحضارة بشكل عام ومشاكل العالم الإسلامي بشكل خاص، كان متشبعًا بالثقافة العربية الإسلامية والغربية على حد سواء، نحن مدينون له بمفهوم حول مفهوم "الاستعمار" من زاوية مغايرة تماما، فأستخدم مصطلح القابلية للاستعمار، الذي يعشش في ذهنيات المجتمعات المتخلفة ويعتبر مالك بن نبي القابلية للاستعمار كخاصية تختص بها تلك المجتمعات.
والمعنى العام لمصطلح القابلية للاستعمار يتمحور حول أن أولئك الذين فقدوا ديناميكياتهم الاجتماعية أصبحوا بالتالي في حالة من الضعف البنيوي الذي تحول بدوره للعمل بمثابة دعوة للاستعمار الأجنبي، وهو المصطلح الذي أبدع في استخدامه في كتابه شروط النهضة.
يحسب لمالك بن نبي أكثر من عشرين كتابا تتناول الحضارة والثقافة والأيديولوجيا والمشاكل الاجتماعية إلى جانب مواضيع أخرى مثل الظاهرة القرآنية وأسباب ركود المجتمع الإسلامي على وجه الخصوص، أراد مالك بن نبي من خلال كتاباته إيقاظ الوعي الإسلامي وإعادة إطلاق نهضة المجتمع.
لم يتوقف عن انتقاد الإدارة الاستعمارية الفرنسية بشدة، ولم يهادنها من خلال كتاباته ومحاضراته، لم يقبل أبدًا استعمار الجزائر من قبل فرنسا والوضع غير السوي الذي منحته الإدارة الاستعمارية في ذلك الوقت للجزائريين الأصليين.
من جملة ما اهتم مالك بن نبي به هو عالم الأفكار، فقد كان بن نبي مهتمًا بـ "الأفكار" كمحددات نفسية للسلوك الفردي، و "دوافع" روحية لا يمكن بدونها القيام بعمل جماعي، إن المعنى الاجرائي للأفكار هو الذي يعطي له نفس المعنى الذي تغطيه الكلمتين (الدوافع، الحوافز).
علماء الثقافة المعاصرين أدركوا الحاجة إلى بُعد روحي في الدوافع التي تحرك الرجال وتحدد أفعالهم، والحوافز التي تحفزهم على الاستمرار في العمل، فالأفكار هي التي تحفز المجموعات الاجتماعية، وتعطي معنى لحياتهم وتلهم قواعدهم القانونية، بحيث تكون تلك القواعد متوافقة مع تلك الأفكار.
من منظور مالك بن نبي فإن الأفكار في حد ذاتها كيانات مستقلة تتمتع بالقدرة على التأثير وحتى تغيير مسار الحياة البشرية، كما أنها حاجة بشرية لا تختلف عن الحاجة للطعام والشراب والدواء.
تمتلك الأفكار خاصية القدرة على إحداث تأثيرات ملموسة على الإنسان وعلى حياته، فالأفكار والعواطف والابتكارات تعمل على أساسها، من جهة أخرى فإن البيئة الثقافية لها تأثير على الدماغ وبالتالي على العقل وطريقة التفكير والتي يمكن أن تكون في البداية مرنة.
ويشرح لنا بن نبي علاقة الأفكار بالفعل وبالأفعال من خلال ثلاثة مستويات، متدرجة من حيث أن هناك عالم الأشخاص، وعالم الأفكار، وعالم الأشياء، وكل عالم يتعلق بمستوى معين، فنفرق بين:
- المستوى الأخلاقي فيما يتعلق بعالم الأشخاص.
- والمستوى المنطقي ويتعلق بأفكار الكون والحياة.
- والمستوى التقني وهو كل ما يتعلق بعالم الأشياء.
بالنسبة لتلاميذ مالك بن نبي، الذين اجتهدوا في شرح أفكاره فيؤكدون على أن مالك بن نبي ميز بين الأفكار الأصيلة الحقيقية والأفكار الميتة والخاطئة، وقبل كل شيء، اعتبارها دوافع أعلى للإنسان. ويذكرنا عمر بن عيسى أيضًا بـ "الفكرة الدينية" التي اعتبرها مالك بن نبي كمحرك أساسي للحضارة، ويعطي مثال بقوة بفكرة الإسلام الذي حرك الجيل الأول من المسلمين.
أما نور الدين بوكروح، فيعتقد أن بن نبي كان مهتمًا بالأفكار كدوافع وحوافز، فهي محددات نفسية للسلوك الفردي، في نوعية دوافعها الروحية التي بدونها لا يمكن القيام بعمل جماعي، وهذا ما يؤكد نظرته للفكرة الدينية كخاصية حضارة محفزة.
على مستوى آخر فإن مالك بن نبي قدم لنا توضيحا فيما يخص الأفكار الميتة، والأفكار القاتلة، فالأفكار الميتة مفادها أنها لم تعد تعمل، ولم تعد قادرة على تمثيل التطور، وتعيق أي عملية تقدم إلى الأمام، وبالتالي فقدت فعاليتها، وأصبحت لا تنتج سوى حالات الانحطاط.
أما الأفكار القاتلة، فهي تلك الأفكار التي يتم استيرادها من عالم ثقافي آخر، لا يتناسب مع البيئة التي يتم اقتراحها أو فرضها فيها، مما يضر بالتوازن القائم، والأفكار الميتة هي تلك الناتجة عن الوراثة السوسيولوجية، بينما الأفكار القاتلة هي تلك التي يتم استعارتها من الغرب، دون محاولة تقييمها من حيث صالحيتها للمجتمع الإسلامي.
كما عالج مالك بن نبي مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي وهو عنوان لكتاب، قدم من خلاله مالك بن نبي إشكالية الفكر الإسلامي في سياق نظرية للأفكار من خلال محاولة تسليط الضوء على المعايير والبنية الخاصة بالجانب الخاص بالحضارة الإسلامية. لبيان أسباب تدهوره والحلول الممكنة للخروج منه.
ركز مالك بن نبي على أطروحة رافقت تقريبا كل كتاباته والمتمثلة في أن الفكرة تأتي الى العالم صحيحة أو خاطئة، فعندما تكون صحيحة، فإنها ستحتفظ بأصالتها حتى النهاية، ولكن يمكن أن تفقد فعاليتها خلال مسيرتها.
وتبقى الفكرة صحيحة على مستوى اللاهوتي والمنطقي والعلمي والاجتماعي، ويؤكد مالك بن نبي في هذا الصدد، أن تاريخ الفكرة لن يعتمد على طابعها الجوهري الأصيل، بل سيعتمد على ديناميكيتها وقوتها داخل عالم ثقافي.
كانت هذه اطلالة صغيرة، أو قل أنها ومضة مما جادت به قريحة مالك بن نبي، وغيض من فيض مما ورثناه عن فيلسوف الحضارة (كما يحلو للبعض أن يلقب به مالك بن نبي)، لقد قام بتفكيك جزئيات عالم الأفكار ليبني نظريته التي ماتزال صالحة إلى اليوم وفي ظل كل المتغيرات التي يعرفها عالم القرن الواحد والعشرين.