تتشكل شخصية الإنسان من عدة عوامل بيئية ومجتمعية وثقافية. فتجد أختلافاً في شخصيات البشر، وطباعهم، وأشكالهم تبعاً لاختلاف هذهِ العوامل.

  ويصنف علماء الاجتماع البيئة المناخية من العوامل التي تشارك في تكوين شخصية الإنسان، وهذا ما أشار إليه المؤرخ العربي ومؤسس علم الاجتماع ابن خلدون في مقدمته الشهيرة لكتاب العبر في ديوان المبتدأ والخبر، فهو يرى أن التباين في درجات الحرارة يشكّل تباين في شخصيات البشر وطباعهم وحتى أشكالهم. فيرى أن الأشخاص الذين يعيشون في مناخ أكثر اعتدالاً فيكونون أيضاً أكثر اعتدالاً من غيرهم في الجسم، والعقل، والشخصية بشكل عام، ويكونون أكثر اعتدالاً في مسكنهم، وملبسهم، وطعامهم، وحرفهم اليدوية. فتجد أن أغلب الحضارات نشأت في بيئة معتدلة مناخياً. يترتب على ذلك أن المناخ قد يؤثر في تكوين شخصية السكان، فالبيئة المناخية الحارة توسع ما يسمى الروح الحيوانية. أي أن الروح تتوسع في الطقس الحار مما يجعلنا نشعر بالسعادة والبهجة. وعلى النقيض من ذلك فهي تنقبض في الطقس البارد فنشعر بالحزن نتيجة لذلك. وهذا ما يفسر ميل سكان الأقاليم الغربية الى الحزن أكثر منه في الأقاليم الشرقية. 

يربط ابن خلدون بين المناخ كالهواء وأخلاق البشر فأعطى مثالاً عن الأفارقة وسكان السودان والذين وصفهم بالطرب والولع بالرقص (نتيجة المناخ الحار) بأنهم أكثر مرحاً وإقبالاً على الحياة مقارنة بسكان الأقاليم الباردة. كما ويذكر ابن خلدون على سبيل المثال المصريين الذين كانوا يعيشون على الساحل والذي كان مناخهم الدافئ يأتي نتيجة أشعة الشمس المنعكسة على سطح البحر فكانوا أكثر بهجة وأهتماماً بالمستقبل، وعُرف عنهم بأنهم لا يهتمون بتخزين المؤن، ويشترون الطعام للمستقبل القريب فقط. في المقابل كان سكان مدينة فاس المغربية المحاطة بالتلال الباردة يميلون لأن يكونوا أكثر كآبة وتكديس الطعام تحسباً للكوارث. 

وفي جانب آخر يرفض ابن خلدون رفضاً قاطعاً الخرافة الشائعة التي تعزو سواد بشرة السودان (السّود) إلى أن السودان هم ولد حام بن نوح اختصّوا بلون السوادِ. والصحيح في رأي ابن خلدون هو رد اختلاف لون البشرة بين الناس إلى طبيعة الحر والبرد، وأثرهما في الهواء؛ ذلك أن استقامة الشمس الطويلة لمناطق الأرض الجنوبية تزيد تأثير القيظ الشديد على جنوبهم؛ فتسود جلودهم، في حين أن كون الشمس أفقية في المناطق الشمالية يضعف تأثير الحّر ويزيد من تأثير البرد فتبيض ألوان أهلها ويتبع ذلك ما يقتضيه مزاج البرد المفرط من زرقة العيون وبرش الجلود وصهوبة الشعور. وذلك بخلاف أهل المناطق المعتدلة في حرارتها حيث نجد الاعتدال في الخَلْق والخُلُق الناجم عن مزاج أهويتهم المعتدلة. 

يذهب ابن خلدون أبعد من ذلك فيرى أن بإمكان البيئة المناخية تعديل الصفات الوراثية للإنسان بمرور الزمن في موضوع لون البشرة فيقول: "قد نجد من السودان أهل الجنوب من يسكن الرابع المعتدل أو السابع المنحرف إلى البياض فتبيض ألوان أعقابهم على التدرج مع الأيام، وبالعكس فمن يسكن من أهل الشمال أو الرابع بالجنوب فتسودّ ألوان أعقابهم"

    وختاماً إن الإنسان يتميز بأمرين اثنين: فهو بطبعه كائن متغير، ومتأقلم عهدنا ذلك منذ سنين طويلة؛ فقد تأقلم في العيش في البراري والكهوف وقد أَلِف الحياة العصرية وتعوّد عليها وسيتأقلم مع الحياة في المستقبل أيضاً. ومتغير مع الوضع المحيط به من بيئة مناخية، وبيئة اجتماعية. وهذا التغيّر ليس فقط تغيّر على مستوى العادات بل هو تغيّر وراثيّ ونفسيّ وفكريّ.