نقد الذات ومعالجة الخطأ والتقصير أمر مطلوب من منطلق الدين النصيحة، ولكن هذا النقد يتحول إلى طرح عبثي عندما يخرج من دائرة النصيحة إلى دائرة الطرح العبثي الديمقراطي بالطعن والقدح والتشويش والمراء وإشغال الأمة بعناوين فضفاضة دون رصيد في الواقع غير التشويش الإعلامي، فمثلا نجد أحدهم يقول: هناك صراع بين الحداثيين والتراثيين، طبعا هو يعتبر نفسه حداثيا ولا يدري أن المصطلح علماني مستورد يستخدمه العلمانيون ضد التيار الإسلامي بوصفهم متخلفين لتمسكهم بالتراث
ولا أعلم في التيار الإسلامي حداثيا وتراثيا إلا إذا هم أصبحوا حداثيين.
بين المفكر الإسلامي الفرنسي غارودي أن من نتائج حملة نابليون ظهور تيارين متنافرين، تيار الحداثة وتيار المحافظين، تيار الحداثة الذي كان يدعو إلى محاكاة الغرب واستيراد أمراضه على رأسها الوطنية والقومية وتحرير المرأة وإبعاد الدين عن السياسة وغيرها بعد أن اصطنع أوروبا المستعمرة الحدود المزيفة المفتعلة.
في دنيا الثقافة تهدف الحداثة إلى تبني فلسفة الغرب الهادفة إلى تكثيف السيطرة على الطبيعة والإنسان وأيضا في الميدان السياسي والاقتصادي والمجتمعي والتعليمي، ولقد أدى هذا التيار العلماني بالمسلم إلى أن أصبح جسما غريبا عن نفسه وأهله وتاريخه وثقافته ومصيره الخاص، وفي مقابل هذا التيار قام تيار المحافظة الذي يسميهم دعاة العصرنة والتجديد بحراس التراث بالدفاع عن ثقافة الأمة وتاريخها أمام التغريب الحداثي وكانت نتيجة الصراع ظهور الصحوة الإسلامية التي ينتقدها حراس الحداثة.
إذا كان الدعاة والعلماء يتمتعون بسلامة المنطق قلبا وقالبا، فالحداثيون يتقمصون زيف المنطق وذلك بالتزامهم بمواقف ذاتية ومآرب شخصية من خلال شعارات جوفاء فارغة المحتوى تعني كل شيء ولا تعني شيئا محددا.
وإذا كانت هناك فتنة كبرى اليوم فهي فتنة من يدعي الحداثة، يقول من يدعي الحداثة اليوم: دعونا نشبه الدين والمبادئ والثوابت بعمود وسط الساحة، فحراس التراث يدفعون بنا إلى الارتباط بهذا الأصل ونحن نريد أن نتوسع!
وقال أيضا: وعملية الشد بين المنفتحين يعني الحداثيين، والمنغلقين يعني التراثيين، عملية جيدة
المشكلة عندما تصبح ازدواجية في المجتمع فنجد أناسا متقدمين وأناسا يعيشون في القرن السابع الهجري وهذا ما نشاهده في تركيا.
عندما نرى بعض القيادات الإسلامية التركية نقول مستحيل كيف حققت تركيا هذه النهضة؟ السبب أن الفاعل السياسي لا يتبنى أفكار هذا التراث وإنما تبنى أفكارا حداثية! ثم قال: هل الأفكار الحداثية والتغريبية كلها رجس؟ اترك التعليق لأصحاب الفضيلة العلماء وادعو الاخ الذي طرح هذه الأفكار أن يصححها لأن فيه تغرير للجيل الصاعد الذي لا يدرك حقيقة الحداثة ولا حقيقة التراث.
إذا استمر مثل هذا الطرح سيسبب فتنة لسنا بحاجة إليها ويكفينا ما نحن فيه، وأخيرا أقول: أليس في هذا الطرح خدمة وترويج لدعايات التغريبيين ضد صحوتنا الإسلامية؟