أو لسنا نعيش في غابة؟ أو ليس الضعيف فينا يأكله القوي؟ أوليس بيننًا سبعًا وضبعًا وريلًا. بلى وكله كذلك، هو كذلك وقد أُكلنا. التكنولوجيا هي الغابة الآن ففيها الأخضر واليابس، يجتمع في أدغالها الصالح والطالح، ويختلط في أحراشها الحابل بالنابل.
أُكلنا ولكن!
نعم أُكلنا ولكن لم نُأكل إلا حصائد ضعفنا، في الحقيقة ضعفنا هو من أكلنا، كان للعالم الغربي نصيب الأسد من هذه التكنولوجيا ولم يكن للعالم الإسلامي إلا ما هو بقايا الأسد، وكعادة الأسد يفرض سيطرته ليُبقى الجميع تحت إمرته.
من أسباب تقدم الغرب الدائم في مجال التكنولوجيا
ما تمارسه الدول الغربية فيما يتعلق بالتكنولوجيا يمكن تسميته احتكارًا، فهي وإن كانت ظاهريًا تتيح استخدام جميع ما توصلت إليه من تكنولوجيا لكل مستطيع في العالم، فإن هذا ليس رأفةً ولا ودًا أو عطفًا وإنما هو من أشكال الاحتكار، فهي تتيح للعالم استخدام التكنولوجيا بما يضمن لها عدم خلق منافس لها وتسعى لتوفير احتياجات العالم من تكنولوجيا لكي لا يبقى هنالك من يسعى للتطور التكنولوجي باعتبار أنها الرائد وتستطيع توفير التكنولوجيا لكل طلابها فلا داعي للدخول في عالم تصنيع التكنولوجيا وكأنها تقول دعوه لنا، وذلك وفق شروطها ووفق ما يضمن لها أن تظل هي العصب الرئيس المتحكم في التكنولوجيا، وتجعلها أيضا لعبة سياسية تضغط بها على من تشاء.
فإن التكنولوجيا هي الورقة الرابحة في كل المجالات فإن لم تكن اليوم كذلك فهي غدا كذلك، تقوم هذه الدول بحظر العديد من الدول واستخدام العديد من الوسائل المستفزة في منع الوصول إلى ما هو متاح في دول أخرى، مستفزة بذلك العقول النيرة من مختلف تلك البلاد للذهاب إليها وهي بذلك تكون الأربح حيث ضمنت بقاء سيطرتها على التكنولوجيا ومطوريها.
بل واستجلبت المزيد من العقول وحازت على ولاء الكثير من الأدمغة.
سيطر الغرب على معظم مصادر التكنولوجيا وحرَّموا امتلاكها على غيرهم في غير خدمتهم وإلا بمقابل عظيم لا يطيقه الكثير، ومن يغضبهم ولم يلبي مطالبهم كانت الحرب النفسية والتكنولوجية والاقتصادية هي نصيبهم من هذا الغضب، فهي بذلك كمن يحوزُ ينبوع الشباب فكلما شاخت ; ما عليها سوى أن تغطس فيه وتخرج في ريعان شبابها وفي قمة فتوتها.
من أسباب تأخر العالم الإسلامي الدائم في مجال التكنولوجيا
قد يبدو ما ذكرته سابقًا من أسباب تقدم الغرب الدائم في مجال التكنولوجيا أن هذا عذرًا كافيًا لنا، عذرًا بسطنا عليه وثير وسائدنا واتكأنا، هذا ما نفعله عادةً وفي الغالب هذا هو سبب تأخرنا في كل المجالات وليس مجال التكنولوجيا فقط، لطالما لعبنا دور الضحية وصدقنا أن العالم الغربي هو من حال دون تقدمنا في هذا المجال وإن كان له الأفضلية في ذلك فهو ليس السبب الرئيسي، نحن لم نحاول خوض المعركة، نحن رأينا العدو مجلجلًا يثير غبار أرض المعركة ومباشرة ودون الوصول إلى رماد الحروب بل قبل حتى اشتعال نار الحروب رضخنا وسلمنا ورضينا بدفع الجزية. نعم هذا هو ما أريد التحدث عنه نقد الذات.
كما قلت سابقا أننا أُكلنا وأن ضعفنا هو من أكلنا، ما يقال من أساطير العرب قديمًا أسطورة العنقاء، وهو ما يقابل عند الفرس والروم طائر الفينيق الذي ينهض ويجدد نفسه من رماده بعد أن يحترق عجبًا فنحن حتى لم نسلك سبل أساطيرنا ولم ننهض من رمادنا ولم نلملم ما بقي منا.
أما بالنسب للتكنولوجيا فلم تكتسي بصفات العربي الثائر أو المسلم الغيور، فمن أسباب التأخر التكنولوجي لدينا هو تشبثنا بما هو متاح وعدم محاولة خلق بيئة تكنولوجية خاصة بنا، كما هو الحال في الأسواق العالمية فليس لنا منها نصيب يذكر، لقد بقينا لأعوام طوال مثل الطفل في بطن أمه هو من يتغذى ويفعل الفعل ولكن تبقى هي الأم مصدره للغذاء وهي من تختار نوع الغذاء الذي تطعمه إياه ولكن لا بدَّ من أن يأتي اليوم الذي يتم فيه قطع المشيمة ويخرج هذا الطفل للعالم، وكما الرضيع يتدرج في الاعتماد على أمه حتى ينفصل تماما، فهذا هو الحال بالنسبة للعالم الإسلامي مع العالم الغربي تلك الأم المتسلطة ولكن.
أليس الصبح بقريب؟
مما لا شك فيه أنه قد تم قطع المشيمة ولكن لم يستطع ذلك الطفل الوقوف على رجليه بعد فما زالت الأم هي المصدر الرئيسي المعتمد عليه في كل شيء، فإننا نجد أن قطر قد سارعت الخطى في مجال تكنولوجيا الاتصالات فهي إلى الآن تملك ثلاثة أقمار اصطناعية تدور حول الأرض وظيفتها توفير الاستقلال التكنولوجي للاتصال ونقل المعلومات والمراقبة وتوفير نطاقات ترددات واسعة للبث من خلالها بجودات عالية وتعزيز خدمات الإنترنت والاتصال وإيصالها إلى أماكن نائية.
وتركيا صاحبة الأقمار الاصطناعية الستة التي تدور حول الأرض فثلاث منها وظيفتها توفير الاستقلال التكنولوجي للاتصال والبث المباشر بأعلى الجودات، واثنان منها تختص بعمليات المراقبة والتصوير للاستخدام في الأغراض الأمنية ومراقبة المباني الحكومية ومحيطها ورصد المحاصيل الزراعية ولأغراض تطبيقات البلدية والاستشعار عن بعد مثل أنشطة المسح ومراقبة الحدود، وبالرغم من أن عددًا منها قد أنهى عمره الافتراضي إلا أن التصنيع والإنتاج جاري على قدم وساق، ومن ضمن المخطط التركي في هذا المجال هو الوصول إلى نسبة 91% من سكان العالم الذين تتم خدمتهم بواسط الأقمار الاصطناعية التركية بحلول هذا العام الحالي.
وما يلفت انتباهنا أيضا التطور سريع الوتيرة الذي يحدث في ماليزيا وتخصيص جزء من الدخل القومي من أجل التطوير التكنولوجي وقد أطلقت بدورها قمرا اصطناعيا لتحقيق الاستقلال في هذا المجال، ومن السودان بالتعاون مع الصين تم إطلاق قمر اصطناعي ضمن خطة تتضمن إطلاق قمرين اصطناعيين للتصوير ورسم الخرائط الطبوغرافية ومراقبة الإنتاج الزراعي.
مع كل هذه الأقمار الاصطناعية وغيرها الكثير التي تطفو في فضائنا يمكننا تحقيق الاستقلال التكنولوجي للاتصال والاستغناء عن أي عوامل دعم خارجية في هذا المجال، وأيضا إنشاء أسواق عالمية إسلامية لتوفير أسواق تقوم بشراء المنتجات التكنولوجية وبيعها من وإلى المسلمين، عصارة القول أنه يجب أن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي كوحدة إسلامية عالمية ثم البدء في التفكير في توسيع الأسواق الإسلامية.
ما نحتاجه فعلا في هذه الفترة هو محاولة حفر بئر يكون بمثابة المورد الذي تنبع منه مصادر التكنولوجيا ألا وهو التعليم، فما نلاحظه في جميع التطورات في البلدان سابقة الذكر قطر، تركيا، ماليزيا، السودان، أنه تم التطور بواسطة تدخل خارجي فقد تم تصنيع الأقمار الاصطناعية وإطلاقها من جهات خارجية سواء من فرنسا أو الصين أو وكالة سبيس إكس الأمريكية، فمن الواضح أن المصدر ما زال خارجيا.
ولكن ما يبشر بالخير أن هذه الأقمار تدار بواسطة أفراد الوطن تمامًا فيتجلى لنا توفر الخبرة والمعرفة في مجال الإدارة والصيانة والتشغيل والمراقبة والمتابعة، إذًا ما علينا فعله الآن لتحقيق الاستقلال هو تعليم الصناعة وتحليل المدارات وإنشاء محطات إطلاق خاصة بالدول سواء كانت محطة واحدة فقط تضم جميع دول التجمع الإسلامي.
وليس هذا أن التكنولوجيا هي فقط ما يتعلق بالفضاء وإنما التكنولوجيا أصبحت تدار من الفضاء فعلينا أن نمسك بالأفعى من رأسها، ومن المبشر والجميل بهذا الشأن المبادرة التي أنشأتها الإمارات العربية المتحدة في العامين المنصرمين تحت اسم مبادرة المليون مبرمج عربي فهي تهدف إلى تخريج مبرمجين أكفاء وتغطية المجالات البرمجية ووظائفها بواسطة جنسيات عربية لمنع استجلاب العمالة الأجنبية والحد من نزوح الأدمغة النابهة لتسد حاجات الغير وكلنا حوجة. وتلخيصًا لما علينا فعله للنهوض بتكنولوجيا الاتصالات:
- التوقف عن الاعتماد على مصادر التكنولوجيا الخارجية.
- إنشاء بيئة تكنولوجية خاصة بالعالم الإسلامي ولا يتم ذلك إلا بتجميع الشتات.
- تحقيق الاكتفاء الذاتي من التكنولوجيا إنتاجًا واستهلاكًا عن طريق إنشاء أسواق منتجة للتكنولوجيا وأسواق لبيع التكنولوجيا. بذلك لن يكون هنالك من يضع خارطة لأسعار منتجاتنا والتقليل من شأنها، ولن تكون هنالك إشكالية في تحصيل المنتجات الأخرى حيث لن تمارس علينا الضغوط الشرائية من شروط قاسية وأسعار خرافية، بل سيبقى العالم الغربي محتاجا لنفطنا، فما لدينا هو النفط وما لديهم هو التكنولوجيا، فقط علينا ترجيح كفتي المعادلة بصورة صحيحة.
- الإمساك برأس الأفعى وفيما معناه خلق مصادر للتكنولوجيا تنتمي تمامًا للعالم الإسلامي للخروج من سطوة العالم الغربي.
- توليد خبرات صناعية وتقنية ذات كفاءة عالية مع الحفاظ على استمرارية نقل الخبرات بين الأجيال.