تحدَّث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن فضائل المسجد النَّبويِّ؛ ولذلك تعلَّق الصَّحابة به. ويمكننا تلخيص هذه الفضائل في الاتي:
أ - تأسيس المسجد النَّبويِّ على التَّقوى:
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، قال: دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله! أيُّ المسجدينِ الَّذي أُسِّسَ على التَّقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حَصْبَاء، فضرب به الأرض، ثمَّ قال: «هو مسجدكم هذا» [مسلم (1398) والترمذي (3099) والنسائي (2/36) وأحمد (3/8)] لمسجد المدينة.
وقد تكلَّم بعض العلماء، في الأحاديث الَّتي أشارت إلى أنَّ المسجد النَّبويَّ هو الَّذي أُسِّس على التَّقوى؛ بحجَّة أنَّها معارضةٌ لقوله تعالى: ﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108] .
وقد اختلف العلماء في المراد بالمسجد الَّذي أسس على التَّقوى في الآية السَّابقة، فقال بعضهم: هو مسجد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون: هو مسجد قُباء، وقد ذكر أقوالهم محمَّدُ بن جريـرٍ الطَّبريُّ في تفسيره، ثمَّ قال: «وأولى القولين في ذلك عندي بالصَّواب، قول مَنْ قال: هـو مسجد الرَّسول صلى الله عليه وسلم ؛ لصحَّة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ».
ولا معارضة بين الحديث والآية السَّابقة على القول بأنَّ المراد بالمسجد الَّذي أُسِّس على التَّقوى فيها هو مسجد قُباء؛ لأنَّ كلاً من المسجدين أُسِّس على التَّقوى.(الرفاعي، 1997، ص372)
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة: أنَّ الآية السَّابقة نزلت بسبب مسجد قُباء، ثمَّ قال: «لكن الحكم يتناوله، ويتناول ما هو أحقُّ منه بذلك، وهو مسجد المدينة، وهذا يوجِّه ما ثبت في الصَّحيح عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : أنَّه سئل عن المسجد الذي أُسِّس على التَّقوى، فقال: «هو مسجدي هذا» [سبق تخريجه].(ابن تيمية، 1986، ج7، ص74)
وقال في موضع آخر: «... فتبيَّن أنَّ كلا المسجدين أُسِّس على التَّقوى، لكن مسجد المدينة أكمل في هذا النَّعت، فهو أحقُّ بهذا الاسم، ومسجد قُباء كان سبب نزول الآية».(ابن تيمية، 1997، ج27، ص406)
وذكر الحافظ ابن حجرٍ: أنَّ السِّرَّ في جوابه صلى الله عليه وسلم بأنَّ المسجد الَّذي أُسِّس على التَّقوى مسجده رفعُ توهم أنَّ ذلك خاصٌّ بمسجد قُباء.
ب - فضل الصَّلاة في المسجد النَّبويِّ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرٌ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه، إلا المسجد الحرامَ» [البخاري (1190) ومسلم (1394/506 و507)] .
ج - أحد المساجد الثَّلاثة الَّتي لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إليها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : أنَّه قال: «لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: «المسجد الحرام، ومسجد الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، ومسجد الأقصى» [البخاري (1189) ومسلم (1397/511)] .
د - الرَّوضة في المسجد النَّبويِّ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي ومِنْبري روضةٌ من رياض الجنَّة، ومنبري على حوضي» [البخاري (1196) ومسلم (1391)] .
هـ فضل التَّعلُّم والتَّعليم في المسجد النَّبويِّ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ دخل مسجدنا هذا؛ يتعلَّم خيراً، أو يعَلِّمه؛ كان كالمجاهد في سبيل الله، ومَنْ دخله لغير ذلك؛ كان كالنَّاظر إلى ما ليس له» [أحمد (2/350) وابن ماجه (227) والحاكم (1/91)] .
إنَّ الأحداث الَّتي تتعلَّق بالدِّعامة الأولى في المجتمع كثيرةٌ، وكذلك ما يتعلَّق بها من أحكام؛ كضمان حقوق الأيتام، وجواز نبش القبور الدَّارسة، واتِّخاذ موضعها مسجداً إذا نظفت، وطابت أرضُها، إلاَّ أنني أكتفي بهذه الدُّروس، والعبر، والفوائد فيما يتعلَّق بالمسجد؛ خوفاً من الإطالة.