في شجار عابر داخل محل بيع الحلوى تقول السيدة أن ما تقدمه للمحل يستحق ثمنا أكبر في حين يصر البائع أنه لن يدفع قرشا زائدا... اشتد النقاش مما جعل السيدة تحمل بضاعتها لتغادر في حين يحاول شخص من رائدي المحل تهدئة البائع الذي احمر وجهه وقد استشاط غضبا... بدا المشهد عاديا إلى أن خرجت عبارة "ناقصات عقل ودين" من فم الرجل في حين ارتفع حاجبا البائع إعجابا بها...
وليبدأ شجار جديد بين رائدات المحل من جهة والبائع رفقة الرجل الذي أبدى استعدادا للاستماتة دفاعا عن رأي الدين كما أسماه... لا يمكن أن تعرفن عن أنفسكن أكثر من معرفة الله ورسوله بكن... ورسوله قد قال "ناقصات عقل ودين" وقد خلقتن من ضلع آدم الأعوج، فالعوج أساس خلقكن ولم يكمل منكن إلا أربعة...
حتى بدا لي للحظة وكأنه يستجمع كل تلك الموروثات المغلوطة -التي ترسخ مبدأ أفضلية الرجل- ليلقيها في وجههن دفعة واحدة منهيا سيل عباراته بقول الله تعالى من سورة النساء: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله"... فهل هكذا يرى الله ورسوله المرأة حقا؟ ولماذا يقحم الدين في نزاع حول قطع حلوى يحاول أحد أطرافه الانتصار لنفسه باسم الدين؟
مكانة المرأة في الإسلام في نصوص الوحي وتطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم
إذا عدنا إلى موضوع مكانة المرأة في الإسلام فإننا سنعتمد في حديثنا على مصدرين أساسيين في تحديد هذه المكانة وهما نصوص الوحي وتطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم دون فصل أحدهما عن الآخر أو الاكتفاء بمصدر وحيد... ففي كثير من الأحيان تخرج النصوص عن سياقها الأصلي وتوجه وفق هوى المستدل بها كما حصل معنا في هذه الحادثة ومن هنا وجب التأكيد على ضرورة مراجعة السيرة النبوية وتطبيقات النبي عليه الصلاة والسلام لنصوص الوحي بصفة عامة وفيما يتعلق بموضوع المرأة في الإسلام خاصة... فهي السبيل للحصول على معالم منهجية واضحة تجعل الصورة كاملة غير مجتزأة... فإذا جمعنا النص القرآني الذي يقول "واضربوهن" بقول عائشة رضي الله عنها "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط ولا خادما" سأفهم أن موضوع الضرب ليس على المطلق كما يبدو من السياق الظاهري وإنما مضبوط بضوابط لا يتسع المجال لذكرها... وإنما جاءت تطبيقات النبي عليه الصلاة والسلام لتمحو الانطباع الأولي المتولد عن القراءة السطحية للآية... لم يضرب رسول الله امرأة قط... حتى وإن وقعت في السيرة مواقف غضب فيها من بعض زوجاته!! أجل حتى وإن وقع ذلك.
ونقيس على ذلك آيات عديدة كآية "وقرن في بيوتكن"... "فلا تخضعن بالقول" فحتى أفهم هاتين الآيتين الكريمتين يجب أن أنظر إلى تطبيقات النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام فيتبين لنا من خلالها الحد التفصيلي للأمر الموجود بالآية.
وهنا يمكننا القول أن تطبيقات النبي وصحابته هي الكاشفة للحدود التفصيلية في كثير من القضايا المتعلقة بالمرأة... لنجد أن النساء في عهد النبي وصحابته قد كن عنصرا فاعلا في المجتمع ينقلن تعاليم الإسلام كما هو حال أمنا عائشة، أو يؤخذ منهن الرأي والمشورة كأمنا أم سلمة التي أنقذ رأيها المسلمين من الانقسام... تطبب المرضى كرفيدة أو تقاتل كخولة بنت الأزور؛ لم يرَ فيهن النبي وصحابته أي نقص في العقل أو في الدين ولم يُعتبرن كذلك قطع حلوى وجب حجبها عن العيون كي لا تفسد وإنما كن مستترات الجسد صحيح، ولكن بارزات القوة الفكرية ويملكن القدرة على التغيير حولهن... مؤثرات في مجتمعهن بل بلغ تـأثيرهن العالم يومَ حملن راية نشر الدعوة وتبليغ الرسالة...
فأين يقع الخلل اليوم يا ترى؟ ولماذا كل هذا اللغط حول موضوع المرأة في وطننا العربي؟
المرأة العربية... حين تسوق العادات على أنها رأي الدين
هذه الحادثة العارضة التي وقعت أمامي جعلتني أتساءل عن واقع المرأة العربية اليوم التي تجد نفسها محاصرة بعادات مجتمعية قد ألصقت زورا بتعاليم الشريعة الإسلامية، وهنا علينا أن نسعى للتفريق بين ماهو أصل في الشريعة وبين ما توارثه الناس على أنه أصل فيها.
كثيرة هي الأدلة على وجود هذا الخلط الذي جعل مكانة المرأة العربية المسلمة في مجتمعها تتراجع من جهة في حين تصدرت نماذج لنساء خرجن مناهضات للدين وقيود الدين كما يسمينها من جهة أخرى متأثرات بموجة "الفيمينيست" التي قد وصلتنا متأخرة ومشوهة كعادة ما يرد عالمنا العربي.
فإن كن يطالبن بالمساواة اليوم بين المرأة العربية والرجل العربي فقد جاءت الشريعة الإسلامية بما هو أفضل من المساواة!!! لقد جاء الإسلام "بالـعدل".
لذا فإن كثيرا ممن يقسن الشريعة الإسلامية على مبدأ المساواة سيجدن إشكالات تجعلهن ينفرن من هذا الدين... فالأساس إذا أن نقيس الشريعة على ميزان العدل.
ولعل أول مثال يأتي على بالك الآن هو موضوع "للذكر مثل حظ الأنثيين" فأين العدل في ذلك؟! العدل في أن القوامة قد جُعلت للرجل على المرأة فيصرف من ماله عليها وجوبا ولا يحدث العكس فقد ضمنت الشريعة للمرأة استقلالها المالي وهنا تدخل العادات لتفسد ميزان عدل الشريعة... بأن تحرم المرأة من حقها في الميراث من جهة وتُلزم بالمشاركة في المصاريف الأسرية وجوبا لا طواعية...
فالأمر أكبر إذا من مجرد عِبارة عَابرة في شجار حول سعر قطع حلوى... إنها قضية مفاهيم مغلوطة ترسخت بحكم العادة على أنها أصل من الدين... وراحت تنخر عظم المجتمع وتزعزع استقراره مما يجعله هشا أمام التيارات النسوية الواردة عليه.