كثير من أفكار المقالات التي أكتبها أستمدُّها من حديثي أو لقائي مع الناس، فقبل مدة مثلاً جاءني شاب غاضبًا منزعجًا من معاملة أحد البنوك بحيث رفضوا إعطاءه بطاقة إئتمانية وبينما حاولت إخباره بأنه ليس بحاجة لهذه البطاقة وأن البطاقات ضررها أكبر من نفعها، ولكن ضرب في رأسي سؤال فقلت له: هل تعرف كيف بدأت البطاقات الائتمانية؟
في عام 1958 قرر البنك الأمريكي (Bank Of America) خوض تجربة جريئة ولا يزال أثرها واضحا في تغيير حياتنا، ولكي تكون التجربة بعيدة عن أعين الإعلام والصحافة في ذلك الوقت اتخذ البنك مدينة فريسنو بولاية كاليفورنيا مقرًا لتجربته من باب الحيطة والحذر؛ حينها كانت المدينة صغيرة وغير معروفة كثيرًا، فـلو فشلت التجربة لن يدري عنها أحد!
صممت التجربة بشكل بدائي وبسيط، حيث قام البنك بإرسال بريد في أظرف تحتوي على بطاقات بلاستيكية وطلب حتى من موظفيه أخذ بعضها وتوزيعها على أهالي البلدة ليصل عدد الأظرف الموزعة إلى 60,000 ظرف وهذه البطاقات البلاستيكية كانت توفر وقتها رصيدًا قدره 500 دولار أمريكي تسدد أجلًا.
كانت العامة متخوفة جدًا من استخدام هذه البطاقات في البداية رغم أن مفهوم الدفع الآجل ليس جديدًا على الناس في ذلك الوقت ولكن تحولها بهذه السرعة من دفتر شيكات إلى بطاقة تستخدمها في كل وقت وكل مكان هذا ما أخافَ الكثير.
وفي تلك الفترة كان البنك الأمريكي يراقب السوق عن قرب ويحاول ابتكار طرق جديدة للدفع والاقتراض، فالفكرة ببساطة ابتكار طريقة لتبسيط الاقتراض للمبالغ المتوسطة. وماذا لو كانت على شكل بطاقة؟ وهذه البطاقة فيها مبلغ متوفر وقتما تحتاجه.. وماذا لو كانت هذه البطاقة تعمل في كل وقت وكل مكان؟ وكان هذا حجر الأساس لبداية المشروع..
عندها أصبحت مدينة فريسنو بولاية كاليفورنيا هي حقل التجارب للبنوك علم البنك الأمريكي بأن أحد البنوك المنافسة في كاليفورنيا تستعد لتوزيع بطاقات اِئتمانية، فهرع إلى توزيع البطاقات الائتمانية بشكلٍ عشوائي وجنوني هكذا يمنة ويسرة ويرسلها إلى المدن الصغيرة والكبيرة حتى وصل عدد البطاقات المرسلة إلى مليون بطاقة اِئتمانية.
هذا التوزيع العشوائي جعل نسبة السرقات والاحتيال ترتفع، وفي الجانب الأخر من بين كل 4 أشخاص فقط شخص واحد يدفع ويسدد ما عليه من دين. فما الذي حصل الآن؟
واستمر البنك في توزيع البطاقات حتى وصل عددها بعد عام إلى 2 مليون بطاقة ومنذ بداية التجربة لغاية الوصول إلى البطاقة رقم 2 مليون لم يربح البنك ولو دولارا واحدا بل تكبد خسائر تصل إلى عشرين مليون دولار وهذا ما دفعه إلى إضافة قسم لتحصيل وجباية الأموال وقسم أخر لمحاربة النصب والاحتيال وحتى الحكومة الأمريكية سنت قانونا يمنع البنوك من إرسال بطاقة ائتمانية دون طلب مسبق من العميل.
وبعد 3 سنوات من التجربة استطاع البنك الأمريكي أن يرى الأرباح من هذه التجربة. وفي عام 1968 شكلت أرباح البنك من هذه التجربة 13 مليون دولار سنويا ولاحقًا أصبحت بطاقات البنك الامريكي تدعى VISA ومنافسيها أطلقوا البطاقة المعروفة أيضا MasterCard.
تجني البنوك اليوم ملايين الملايين من الأرباح من خلال هذه البطاقات الائتمانية وهناك في أمريكا أكثر من 70% من الأمريكيين يمتلكون على الأقل بطاقة ائتمانية واحدة مما أدى إلى تقليص الأموال النقدية وبهذا وصل مجموع الدين الناتج عن هذه البطاقات إلى 900 مليار دولار.
لا شك أن البطاقات الائتمانية فتحت نطاقا جديدا للحرية الاقتصادية وفتحت أبوابا أوسع للطبقات الوسطى والتجار كذلك، إلا أن هذه البطاقات صُممت خصيصا لتربح البنوك في الدرجة الأولى والأخيرة، فإن كان الدفع معقدا أو سهلا أو كان الحصول على هذه البطاقة بسيطا أو عسيرا فإنها بلا شك مصممة بذلك الشكل ليربح البنك بالدرجة الأولى والأخيرة!