كتاب "كيف تصبح مواطنا سيئا في الجزائر" من تأليف د. نور الدين بكّيس ود. نوال رزقي، يدرس هذا الكتاب ظاهرة تعطيل المواطنة في المجتمع الجزائري وكيف أثّرت على تطوّر المجتمع، إذ يُعدّد الكاتبان خمسة عشر سببا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لتعطيل مواطنة الجزائري.
افتتح المؤلفان الكتاب بشرح بعض المصطلحات التي سيتمّ استخدامها في المحتوى، كالوطنية، المواطنة، الاغتراب، الهجرة، الاستسلام، الرضوخ، الّتمرّد والعديد من المفردات الأخرى، ثمّ شرعا في شرح الأسباب.
السبب الأول: من الدولة الريعيّة إلى الدولة الغنيمة
تكلّما في هذا السبب عن الاقتصاد الرّيعي الذي أسّست له اشتراكية ما بعد الاستقلال، والتي تعاملت مع ثروات البلد كغنيمة حرب حُقّ لكلّ مواطن أخذ نصيبه منها بتفاوت، تحت مُسمّى المنح الاجتماعية –عقلية السوسيال– وبمرور الأجيال صارت عقيدة راسخة في ذهن كلّ جزائري ممّا ساهم في تنشئة الفرد الاتكالي.
السبب الثاني: الأسرة ضدّ الدولة، التقاطع الصعب
ذكر الكتاب أنّ الأسرة هي أولى مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، إذ قال (تلعب التنشئة الأوليّة التي توفّرها الأسرة لأفرادها دورا رئيسيا في الحفاظ على توازن وتماسك المجتمع كي لا ينهار ويتيه في وسط التغيرات) وتطرق أيضا إلى وراثة الأسر الجزائرية الحذر في التعامل مع السلطات منذ أيام الاحتلال الفرنسي، وأنّها تعيد إنتاج نفس الأفكار لدى أبنائها، الذين يُنَشّؤون على الولاء للبُنى الاجتماعية التّقليدية – الأسرة، العائلة، القبيلة، العرش والطائفة – على حساب مؤسسات الدولة خاصّة وأنّ أحداث العشرية السوداء أعادت فتح جراح ماضي الاحتلال.
السبب الثالث: من النعمة الديمغرافية إلى النقمة الاقتصادية
شهدت الجزائر نموا في عدد المواليد وهذا راجع لشعور المواطن بنوع من الاطمئنان المعيشي نتيجة البحبوحة المالية التي مرّت بها الجزائر في العشرية الاولى من الألفية الجديدة، هذه الزيادة الديمغرافية لم يقابلها نمو البنى التحتية ولا توسّع أسواق العمل ولا توفير الأوعية العقارية الحاوية لهذا النمو السكاني، فوقعت السلطة في مشكلة توظيف الموارد البشرية مما تسبّب في ظهور بوادر بعض الظواهر الاجتماعية السلبية في الأفق القريب وسرعان ما انتشرت وأصبحت هاجسا نتيجة ارتفاع حدّة التذمّر جراء الصِدَامات المتكررة بين جيل الأبناء –المجتمع الحديث– وجيل الآباء –المجتمع التقليدي– أدّت من خلال التراكمات وبتدخّل السلطة بسياساتها الرّعناء خاصة في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي إلى انتشار وتفاقم هذه الظواهر.
السبب الرابع: كيف أسّس العنف السياسي للعنف الاجتماعي؟
بيّن المؤلفان أنّ ظاهرة العنف في الجزائر لها امتداد تاريخي وتُعتبر ميراثا مجتمعيا من أيام الاحتلال الفرنسي مرورا بمختلف التجارب السياسية التي غذّتها، وممّا ساهم في زيادة حدّة وانتشار العنف إبطال فعاليّة مختلف مؤسسات تنشئة الفرد بتوظيفها لأغراض سياسية سواء أثناء فترة حكم الحزب الواحد أو حتى خلال مرحلة التعدّدية المظهرية، فكما قال المؤلّفان (قام النظام السياسي في الجزائر باحتواء مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية القائمة على المجتمع وتوجيه أهدافها عن قصد ووفق استراتيجية تخدم أهدافه ورهاناته) وما زاد الطّين بلّة توسيع دائرة الفساد الاقتصادي بأكبر عدد ممكن من الأفراد ليستحيل معها حتى الكلام عن الإصلاح والتّغيير.
السبب الخامس: العنف الاجتماعي يحاصر المواطنة
إنّ العنف في الجزائر حسب المؤلفَين أصبح منتجا اجتماعيا آليا بسبب غياب الاستقرار الذي يعاني منه المجتمع عبر مئات السنين، ممّا خلق بيئة خالية من آليات الضبط الاجتماعي التي تنظّم سلوك الفرد والجماعة في المجتمع، وهو ما ساعد على إنتاج العنف المجتمعي، حتى صار وسيلة اتّصال وتفاعل في المجتمع، وتعزّز هذا العنف بما تبثّه التلفزة من أفلام ومسلسلات تظهر المجرم بطلا يُحتذى به، بالإضافة إلى المدن والأحياء الجديدة الضامّة لأفراد رُحِّلوا من مناطق مختلفة وبخلفيات مختلفة –عن قصد– والتي انتشر فيها العنف وصار وسيلة يتعايش بها الساكن الجديد مع جيرانه خشية الاعتداء عليه ويصير منتجا للعنف خاصة إذا علمنا أنّ المجتمع يقدّر ولو ضمنيّا الفرد العنيف، وكل هذا تحت مرأى ومسمع السلطة المنسحبة من المشهد.
السبب السادس: الإدارة في قفص الاتّهام
من الأمور السلبية -وفقا لما جاء في الكتاب- التي ورثها الجزائري من حقبة الاحتلال طريقة تفاعله مع الإدارة، فقد حافظ على نفس الشعور الذي كان عند جزائري فترة الاحتلال اتّجاه الإدارة الفرنسية، وما زاد من حدّة القطيعة ومحاولة الابتعاد قدر الإمكان عن الإدارة ظهور ممارسات وسلوكيات لدى بعض أفرادها كالرشوة، المحسوبية، استباحة المال العام ووسائل الدّولة، تزوير الانتخابات عبر المواعيد المختلفة، ظهور عصب عصبيّة جهوية في الكثير من الإدارات المحليّة والوطنيّة.
السبب السابع: أيّة مواطنة في ظلّ تدهور قيمة العمل؟
الدول المتخلفة لا تُقَـــيِّـــم العمل، فتعيش إمّا على الإعانات الدولية أو على رُيوع الثروات الطبيعية كحال الجزائر، فالثروات الباطنية كانت نقمة على المواطن في أنّها حطّمت قيمة المجهود الفردي وأسّست لعقلية السوسيال –بفضل سياسات الحكام على مرّ السنين– وأنتجت أجيالا من الاتكاليين الذين لا يرون في العمل المصدر الوحيد للحصول على المال، وحتى العاملين منهم أصبحوا عالة على منظماتهم ووطنهم، فانتشر بينهم التسيّب والغش ولجؤوا إلى انتهاج سُبُل تحصيلٍ موازية غير رسمية وفي أحيان كثيرة غير أخلاقية وكلّ هذا لعدم وجود انسجام بين أهدافهم في الحياة وأهداف منظماتهم، (... لتكون قيمة العمل التي يتشرّبها العامل أو الموظف من مقر عمله إيجابية يجب أن يحقّق له هذا الأخير انسجاما بين أهدافه الشخصية والأهداف العامة للمنظمة أو المؤسسة أو أي مكان عمل آخر ينتمي إليه...).
السبب الثامن: عندما تُعمّق الثقافة الاستهلاكية أزمة المواطنة
صار الاستهلاك معيار قيمة الفرد في المجتمع، لذلك أصبحت الثقافة الاستهلاكية أكبر قيمة في المجتمع، وصار الفرد في شعور دائم ومتزايد أنّه في حاجة إلى الاستهلاك، وما غرس هذا التوجه وجعل المواطن يتبنّاه لاشعوريا في غالب الأحيان المنتجات التلفزية من إعلانات ومسلسلات وأفلام، والتي ما فتئت تصنع نموذج حياة جاهز للتبني، حيث انتقلت العملية التسويقية من إقناع المستهلكين باقتناء المنتج إلى تغيير وضبط سلوك المستهلكين لتقبُّل السلعة لا شعوريا، ممّا أثّر على القيم المجتمعية التقليدية، وهذا ما يظهر جليّا في شهر رمضان الذي تحوّل إلى شهر ألذ الأطباق وأعلاها كُلفة، وتغيّرت بالتالي الغايات أو الأدوار الوظيفية للاستهلاك من سدّ الحاجات الضرورية فالكمالية إلى غايات أخرى كالتعويض عن الحرمان العاطفي وعن قلّة التفاعل الاجتماعي وكوسيلة لإدخال السعادة على النفس.
والدور الأهم الذي صارت ثقافة الاستهلاك تخدمه هو صناعة مكانة اجتماعية للفرد في مجتمع صار يقيّم أفراده بالمظاهر الخارجية ومدى الاستهلاك في حياته.
و نلخّص هذا السبب المعطّل للمواطنة من خلال قول المؤلفَين (... فتحوّلت حياتنا إلى صورة ماديّة نعمل على تعديلها باستمرار بدون حياة حقيقية وبدون مشروع مجتمع حقيقي لذلك حقّ علينا القول أنّنا أسرى وعبيد لثقافة الاستهلاك).
السبب التاسع: مواطنة في رحلة البحث عن النّخب
يؤثر الواقع السياسي والسوسيو-اقتصادي في تغيير القيم والسلوكيات، وبالتالي تغيير اهتمام المجتمع من إنتاج نخب الفكر والعلم إلى الانسياق خلف نخب مزيفة وضعيفة من صنع الواقع المُتَبَنِّي للفوضى، وعوض أن تقوم هذه النخب بقيادة المجتمع وإنارة الدرب له، فإنّها انقادت من السلطة التي ساهمت في إيجادها وصناعتها.
ومن أبرز معطّلات إنتاج النخب هي النخب ذاتها بانقسامها على نفسها جهويا، عرقيا، أيديولوجيا وفكريا، ووصل صراع النخب المنقسمة إلى أماكن صناعة النخب -الجامعات-، وفي ظل غياب النخب الفاعلة سياسيا واجتماعيا في المجتمع تكون المواطنة قد فقدت أبرز داعم لإقامتها.
السبب العاشر: محدّدات السلوك الانتخابي، من العزوف إلى ممانعة سلوك المواطنة
تقوم فكرة الانتخاب على الاختيار بين الأفكار والبرامج ومن يحملها ويعرضها لعلاج أوضاع وقضايا الناس وتطوير حياتهم، وإذا لم يقتنع المواطن بالمعروض من الأفكار والبرامج أو الأشخاص فإنّه ينتقل من المشاركة الإيجابية إلى المشاركة السلبية فيعطّل العملية ويصوّت بالورقة البيضاء، أما إذا اكتشف أنّ اختياره لا يُؤخذ به أو يُتلاعب به فإنّه يمارس العزوف الانتخابي ويستقيل تماما من أداء هذا الحقّ الواجب، وهذه نتيجة حتمية لعدّة أسباب أهمها اقتناع المواطن بأن احتياجاته وطموحاته يتمّ بلوغها من دون المرور عبر العملية الانتخابية، وأبسط مثال على ذلك تدخّل الإدارة المركزية أو المحلية – الولاية أو الدائرة – لحلّ مشكلٍ ما اُحتُجَّ عليه وعجز أو أُعجِزَ المجلس الشعبي المنتخب المُخَوّل بحلّه عن إيجاد الحلّ، وبالتالي يترسّخ في ذهنية المواطن عدم جدوى المجالس المنتخبة إذن عدم جدوى العملية الانتخابية من الأساس.
السبب الحادي عشر : المجتمع المدني، ضياع فرصة إنتاج مواطنة
يعتبر المجتمع المدني بجمعياته ومؤسساته ومنظماته آلية مساعدة ومرافقة ومراقبة لمؤسسات الدولة في المجتمعات الحديثة، وله دور بارز في التنشئة الاجتماعية والسياسية والضبط الاجتماعي للأفراد، وبالتالي فهو من أبرز الكيانات المُنَشِّئة والمطوّرة للحسّ المُواطَني لو تُرك له الحرية المضبوطة بقوانين الدولة، لكن السلطة تمارس نفس الضغوطات والتوجيهات الممارسة على النشاط السياسي بالتضييق تارة وبالحظر وعدم منح التراخيص والاعتمادات تارة أخرى، فضاع داعم آخر من دعائم إنتاج و ترقية مواطنة حديثة.
السبب الثاني عشر: لماذا أخفقت الجامعة في إنتاج و قيادة المواطنة؟
دور الجامعة في الظروف العادية هو صناعة النخب وحمل لواء التغيير والتأثير في المجتمع، لكنّ الجامعة الجزائرية انتقلت من التأثير إلى التّأثُّر بالسلوكيات السلبية للمجتمع من اتكالية وتسيّب وتمييع وتسطيح للقيم فصارت منقادة ثمّ منتجة لنفس السلوكيات، وظهر فيها الأستاذ الجامعي المُعَطِّـــل والمعطَّـــل المتأثر بقرارات وتوجيهات إدارة الجامعة والتي تُعتبر واجهة ونافذة السلطة في المؤسسة، انعكست هذه الوضعية على دور الأستاذ الجامعي في الحياة العامة فأصبح غير فعّال وغير قادر على ممارسة دوره كقائد ونموذج ونخبة عاملة، بل آثر الانسحاب واكتفى بدوره وأحيانا أقلّ من المطلوب منه في الفضاء الجامعي.
كما ظهر الطالب الجامعي المُنكر لقيمة الاجتهاد والتحصيل والسّاعي لتعطيل كل محاولة تهدف لترميم الأوضاع في الوسط الجامعي، لذلك نلاحظ أنّ مئات الآلاف من خريجي الجامعات سنويا غير قادرين على الاندماج في سوق العمل بسبب تشرّبهم الاتكالية والتسيّب من الجامعة، فكيف ننتظر نتيجة غير تعطيلٍ للمواطنة؟
السبب الثالث عشر: الإعلام، صراع البقاء على حساب المواطنة
في الجزائر، كل المجالات تابعة للمجال السياسي ومتعلقة به شاءت أم أبت، فالإعلام ليس له من الاستقلالية إلا الاسم. سياسيا هناك التعددية الحزبية المظهرية ذات التوجه الواحد باختلاف التسميات، ونفس الشيء إعلاميا تعددت القنوات والصحف لكن الطرح واحد، لا يتميّز الإعلام المستقل في الجزائر عن الإعلام العمومي إلا في استضافة وجوه جديدة غالبا بنفس التوجه، وفي الجرأة الزائدة في البحث عن الإثارة المنافية أحيانا لعادات وتقاليد المجتمع، وهذا كلّه لملء الفراغ السياسي الذي فرضته السلطة الحاكمة، ونتج عن ذلك إخضاع الثقافة والقيم لقانون السوق وإبرازها إعلاميا ثم واقعيا في المجتمع كسلع تجارية يمكن الاستغناء عنها، وصار الإعلام تابعا لما تُمليه الظروف والتغيرات السياسية والاجتماعية.
ومن التناقض الصارخ للإعلام الجزائري تركيزه على الشأن الرياضي –مُختصَر في كرة القدم– بالرغم من الغياب الذي تشهده الرياضة الجزائري منذ مدة عن المنافسات الإقليمية، باستثناء منتخب الكرة مؤخرا، لكن التعجّب يبطل إذا علمنا أنّ الرياضة في الجزائر وخاصة كرة القدم تستخدم كوسيلة لتخدير المجتمع – أفيون - وشغله عن قضاياه السياسية.
صار الإعلام وخاصة المرئيّ منه – إلا قليلا - يلعب دورا رئيسيا دون منازع في تكوين وتنشئة الأفراد، ويلعب الدور الأساسي إن لم نقُل الوحيد في إعادة صياغة ثقافة وتفكير وسلوك المتابعين، وفي تعميم السلبيات في المجتمع.
السبب الرابع عشر : شبكات التواصل الاجتماعي ورحلة الهروب نحو العالم الافتراضي
فرضت الظروف المجتمعية من انتشار للعنف بكل أنواعه في شوارعنا، ومن استقالة لمؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية، ومن غيابٍ للحوار الأسري، ومن قلّة الوعي بخطورتها، فرضت كلّها شبكات التواصل الاجتماعي كمؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية في ظرف وجيز، ولم تعد مقتصرة على استقطاب الفئات الشبانية فقط بل أرغمت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلّ فئات المجتمع العمرية على الهجرة إلى المواقع الافتراضية، وبالرغم من الآثار الإيجابية لاستعمال شبكات التواصل الاجتماعي كحملات المساعدات للمحتاجين، إيصال انشغالات المواطنين إلى بعض المسؤولين، فضح بعض الممارسات غير القانونية في المشاريع الوطنية والمحلية وفي بعض المؤسسات الوطنية، إلا أنّ سلبياتها - شبكات التواصل الاجتماعي – المعطّلة لمواطنة الفرد ظاهرة جليّة، فنشاط المعارضة الافتراضية دون سلوك السبل الفعلية ودون استعمال الأُطر القانونية يُعتبر أبرز سلبية، إضافة إلى الراحة النفسية المزيفة غير الفعّالة التي يشعر بها المدوّن بعد انتقاده للفساد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي دون محاولة التغيير الفعلي، أيضا الأخبار الكاذبة والشائعات المُغرضة المنتشرة في مثل هذه المواقع العنكبوتية ما من شأنه أن يُعمِّمَ الشعور بالتذمّر ويزيد من العزلة الواقعية والاستقالة من دور المواطن الفعّال، وأخطر تأثير سلبي لشبكات التواصل الاجتماعي هو الاستهداف المُمَنهج بطرق سلسلة وناعمة لمقومات الأمّة وهويتها. باختصار أخرجت شبكات التواصل الاجتماعي المواطن من الحياة الواقعية إلى عالم افتراضي بشخصية مزيّفة تملك حريّة جارفة بلا قيود.
السبب الخامس عشر: الصدام الناعم بين الدين والمواطنة
يعتبر الإسلام ميراثا مجتمعيا في الجزائر، حيث يمارس المسلم الجزائري شعائر الإسلام ويهتم ببعض الطقوس كموروث شعبوي فيه الكثير من المتناقضات، ومع تعلّم أجيال ما بعد الاستقلال وتمكّنهم من اللغة العربية توسّعت مداركهم حول الإسلام فظهرت فئة جديدة من المتدينين، وكلا الفئتين سواء المتّبعة للدين الشعبي التقليدي أو المتّبعة للدين الأصولي النخبوي لا تمارس وطنيتها المرجوّة منها، فالأولى تؤمن بضرورة عدم التدخل في كل ما هو مدني أو سياسي من باب الحيطة والحذر واللامبالاة والرِضى بما يصدر عن السلطة الحاكمة، أمّا الثانية فترى أنّه واجب على الأشخاص أن يكون لهم انتماء دينيّ أكثر مما هو قومي مواطني، فيحدث التصادم مع أساسيات المواطنة.
نلمس من قراءتنا للكتاب أنّه درس ظاهرة اجتماعية في المجتمع الجزائري وصفا وتحليلا، ونستنتج أنّ الأسباب الخمسة عشر المعطّلة للمواطنة في الجزائر التي عدّدها المؤلفان مترابطة ارتباط حلقات السلسلة، فالواحدة مسبّبة للأخرى أنتجت لنا في الأخير مواطنا جزائريا تبنّى وتورّط في سلوكيات سلبية في يومياته وفي أحيان كثيرة دون اقتناع بها، ولكنّه يُعيد إنتاجها في المجتمع، لذلك نبّه الكتاب لضرورة تفكير نخبة المجتمع في ميكانيزمات وآليات قادرة على نقل المبادئ والقيم والأفكار الجميلة إلى أرض الواقع وتحويلها إلى سلوكيات تحقّق مصلحة المواطن وتُغيّر واقعه إلى الأفضل بقطع سلسلة إعادة إنتاج السلوكيات السلبية.