"في البداية نصنع العدوّ، تأتي الصورة قبل السلاح، نقتل الآخر بفكرنا قبل أن نتّخذ الساطور أو الصاروخ لإتمام القتل، تسبق الحرب الدعائية، التقنية العسكري."
سام كين في مجموعة قصائده".. وجوه العدوّ"
من المؤسف أن تفتح مواقع التواصل الاجتماعي صباح كل يوم لتجد العديد من المشاركات في أتفه الأمور التي لا تفيد الأمة ولا واقعها بأي شيء، سوى المهانة والتأخر في مراتب الأمم التي تسبقنا بسنوات ضوئية كثيرة، يحز في النفس تلك المشاهد التي تبث في يوتيوب وتيك توك، بينما تغيب مقاطع الفكر والوعي والقيمة التي ترفع من شأن الأمة وتعيد لها بريقها وتوهجها بين الأمم.
يتساءل المتحدث، عن طريقة تشكيل وعي الناس عمّا يجهلونه، كيف يتشكل وعي الناس؟ وكيف يبني العوام تصوراتهم عن الأمور التي يجهلونها؟ وكيف يصدق الناس -حتى من يعرف أنها كذبة- هذه الكذبة؟ كيف ينساق أولئك وراء أتفه الأمور بدل أجودها؟ أي دور يلعبه الإعلام في صناعة الأمة؟
مؤسف جدا أن ترى بأن الإعلام لعبا دورا هاما في توجيه الرأي العام إلى الانشغالات التافهة بدل التي تصنع الفكر وتشحن الهمم، واقع حقيقي يجب الوقوف عليه لأن الإعلام بات يلعب دور الأخطبوط الذي يسرق عقول الناس بكل ذراع من أذرعه الثمانية وتعددت وسائله وأشكاله مع تعدد أذرعه، في هذا الشأن يجب علينا أن نبرز دور الإعلام الذي ينهض بالأمة ويعمل على توجيه الأفراد إليه بدل البكاء على الأطلال، فتوجد العديد من القصص الواقعية في زمننا هذ التي غيّرت من كثيرين والتي لعب الإعلام فيها دورا كبيرا في توجيه البوصلة إلى الأفضل وتشكيل أفراد مُنتجين خادمِين للأمة.
يعلم الجميع أن: "الإنسان يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه" ، وهذا ما جاء في صحيح أحاديث رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم، حقيقة صادمة لا يعرفها الكثير، الوالدان هما المُوجه الأول لأبنائهم في حياتهم فهما من يقدمان لهم أولى التجارب وأول الحقن الاجتماعية والفكرية وسيكون الموجه بوصلتهم الاعلامية في تلك السنوات.
نتفوق على الإعلام المفسد للأمة من خلال حسن التوجيه واختيار القدوات، ومن خلال توفير دعامة إعلامية هادفة ذات قيم إسلامية يمكن من خلالها المساهمة في تشكيل حلقة مؤثرة في المجتمع.
أذكر لما كنت في سنوات الصبا أي قبل فترة الحضانة، والدتي كانت من المتابعين للمسلسلات التي كانت تبث على شاشات "اليتيمة" تحولت تحولا جذريا وتخلّت عن تلك المسلسلات بعد التحاقي بالحضانة، هذا التحول لا أعتقد أنه جاء من فراغ وهذا الترك لهذه البرامج لم يكن صدفة هو هبة ربانية لا محالة، تحولت والدتي الكريمة إلى متابعة البرامج المفيدة شيئا فشيئا بل حتى أني أذكر بعضها في ذلك السن بالذات كانت من بين الحصص التي كانت متشوقة لمتابعتها برنامج فضاء الجمعة الذي كان يبث على قناة اليتيمة كل جمعة على الساعة الثانية زوالا كنت حينها صغيرا لا أعرف معنى فضاء أصلا لكني كنت جنب الوالدة حينها دائما ولو اعدت خيالي لتلك الفترة أتذكر الأسماء أو بعضها (حمراوي حبيب شوقي، ابراهيم الفقي وغيرها من الوجوه الإعلامية الرياضية أيضا... ) تعدت هذه المتابعة للبرامج الهادفة إلى ما كان يبث في القنوات المغربية وأنا لا زلت صبيا لم يلتحق بالابتدائية بعد، كبرت مع الزمن ومن الحضانة إلى المتوسطة والبرامج توسعت مع توسع الإعلام وأصبحت متابعة البرامج تكبر والشخصيات يكبر حجمها المجتمعي، وباتت البرامج التي تبث على الفضائيات تشمل البرامج الدينية والفكرية التي تهتم بإعداد القادة والمفكرين والتي تهتم بالمشاريع التنموية والنهضوية فكانت من البرامج التي كانت تتابعها الوالدة آنذاك البرامج الخاصة بالدكتور طارق السويدان وسلمان العودة وثابت حجازي، كان أغلبها يبث على قنوات الرسالة ، كان حينها الدكتور طارق مديرا لها، هذا التشبع الكبير بهذه البرامج التلفزيونية جعلني مهنما بالمجال أكثر من غيره وأكثر من إخوتي الذين هم أكبر مني في السن وأنا لازلت فتى لا يتجاوز 14 سنة، هذه العلاقة الوطيدة بيني وبين هذه البرامج جعلني أرغب مرات كثيرة في إنهاء واجباتي قبل السادسة مساءً من أجل اللحاق بمتابعة برامج طارق السودان التي كانت تبث حينها (رياح التغيير وعلمتني الحياة وبرامج إعداد القادة وغيرها من البرامج).
كانت تلك البرامج تستهويني كثيرا، كنت أجد راحتي في مشاهدتها مع الوالدة الكريمة، أكثر من غيرها البرامج التي كانت قبلة للعديد من الفتية والشباب في ذلك الوقت، الدائرة توسعت تدريجيا إلى مطالعة كتبهم ومتابعة أخبارهم إلى غاية يومنا هذا.
يمكن اعتبار بان هذا التوجه صُنع من خلال الرعاية الأبوية وحسن التوجيه وتلقين القدوات، ومن جهة أخرى ساهم الإعلام بطريقة مباشرة في هذا التوجه فتوفر الدعامة الإعلامية اللازمة سهلت المهمة أكثر وهذا ما يجعل على الإعلاميين والمفكرين توفير ما يمكن توفيره من البرامج الهادفة التي تصنع الأفراد المنتجين، ويمكن من خلالها التفوق على البرامج التافهة التي تسفه المجتمع وتهين الأمة.
نتفوق على الإعلام المفسد للأمة من خلال حسن التوجيه واختيار القدوات، ومن خلال توفير دعامة إعلامية هادفة ذات قيم إسلامية يمكن من خلالها المساهمة في تشكيل حلقة مؤثرة في المجتمع ، فالأفكار يتم تسويقها للشباب في سنوات الصبا.