لن يخرج النبي عليه الصلاة والسلام في الأمة، لتنهض من جديد، فقد ترك فيها ما يُقوِّم نهضتها وقد قال في هذا الأمر: (تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إن تمسكتم به، لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَي، كِتَابَ اللهِ وسنتي)، والكثير منا يتشائم من هذا الواقع، ويتساءل " كيف ننهض بأمتنا في ظل كل ما يحدث؟"
في البداية أقدم بعض المفاهيم من منظوري الشخصي المتواضع حول قضية التخلف والتراجع وأقول:
نحن الآن أمة متخلفة:
وهذه سنة الله في الأمم، فالأمة الإسلامية كانت في سابق عهدها من أعظم الأمم، حيث شملت فتوحاتها العالم شرقا وغربا، ثم أصابها الضعف والتراجع لفترة، لكن سرعان ما صعدت ثم لتعود وتسقط ولا زالت كذلك، وهكذا بقية الأمم تدور عليها نفس الدائرة.
الخريطة المفاهيمية للأمة
الخريطة المفاهيمية للإنسان يقصد بها الخريطة التي تحدد سلوكه، معتقداته، وطريقة تفكيره التي نشأ عليها، فهي الجزء اللاشعوري في عقله، وإذا جاز لنا التشبيه، فهي قاعدة البيانات والنظام الذي يعيش فيه وتشكل منه، هي البديهيات التي يتصرف بها في طريقة عيشه، أكله وشربه وجميع ما يقوم به، هي باختصار بمثابة نظام (الويندوز) للإنسان.
وإذا أسقطنا هذه الخريطة على الأمة، وبحثنا عن الخريطة المفاهيمية لها فسَنجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام وقصص الأنبياء والقرآن الكريم هي ما تشكل هذه الخريطة، وهي التي يستند عليها المسلم والقادة من المسلمين لقيادتها.
فئةٌ قليلة دائما هي القائدة للأمة
دعني الآن أسألك، كم نسبة الأفراد الذين يقُودوا المجتمعات؟ وهل المجتمعات المتقدمة كلها واعية، مدركة، وناضجة؟ وكم نسبة النضُوج بين أفرادها؟
في نظرة سريعة إلى الشعوب التي نهضت في حاضرنا، وعلى مدار التاريخ تجد أن الفئة القليلة هي الغالبة ولكن أي فئة هذه من فئات المجتمع؟
في توزيع النِّسَب على المجتمع فإن 20% يقودون 80% الآخرين، ولكن حتى هؤلاء العشرين ينقسمون إلى قسمين 2% بالإضافة إلى 18%، الفئة القليلة هي هؤلاء (2%) هم الذين يقودون الجميع، أما فيئة 18% فهم الذين يحاولون القيادة ولكن الفرص لا تسعفهم.
الهجرة إلى الأفضل
البداية أو كما يقال انطلاقة البداية، الرحلة التي تعرج فيها من غمامة الاضطراب إلى عمامة البصيرة، المسافة التي تقطعها لتنشأ عالمك الجديد، وتنسج من مشقتها خريطتك المفاهيمية الجديدة أيضا.
التغيير هو القانون الثابت في الدنيا، فاحرص دوما أن تكون متغيرا فيها، لا متغيرا معها.
قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيرًا) [سورة الإسراء الآية: 80].
الثبات لبلوغ الأهداف
رسوخ الفكرة من مقومات الصبر عليها، والإيمان بها من عوامل ثباتها، الثبات هنا عِناد من نوع آخر، عِناد يُعرف بفرط الولاء للفكرة، الفكرة التي تصبح منهجاً، عقيدةً تحيا بها وترتكز عليها، تقوى بها، تنفرد فيها حتى تصبح حريتك بها.
الآن حاول التموضع، إدراكك للواقع سيساعدك على رسم الأهداف جيدا، والتخطيط الصحيح لتكون من الفئة القليلة التي تنهض بالأمة.
الأمة تحتاج إلى إعادة تأسيس هويتها العظيمة، ودراسة خريطتها المفاهيمية جيدا للنهوض بها، نحن أمة تخلفت ويتوجب علينا أن نعمل لنَهضتها ورفعتها ومجدها.