إن من أبجديات، أو أساسيات، أو مبادئ النقد الفكري، أو النقد العلمي، أو النقد الأدبي، أو النقد السياسي، أو النقد الاجتماعي، لأي مقال، أو أي منشور، أو أي كتاب، أو أي عمل، أو أي حدث.. أن يقرأ الناقدُ، المقالَ، أو القصة، أو الكتابَ.. بشكل كامل، وبتؤدة، وتدبر، وإمعان نظر في كل كلمة وردت في المقال، وأن يحيط به إحاطة كاملة، وأن يعرف معرفة كاملة النواحي الإيجابية، والنواحي السلبية الواردة فيه، وأن يوازن بينهما، فلا يغلب واحدة على الأخرى.
ثم بعد ذلك، يبدأ عملية التشريح لهذا العمل المراد نقده – سواءً كان مكتوباً، أو كان معروضاً عرضاً سينمائياً على شكل فيديو، أو على شكل رسالة صوتية، أو تمثيلية، أو مسرحية – ليستكشف جميع النقاط والخطوط الواردة في هذا العمل.. كما يفعل بالضبط الطبيب الشرعي في تشريح جثة المتوفى؛ ليكتشف أسباب الوفاة. أو كما يفعل طالب الطب في المشرحة، حينما يبدأ يشرح الجثة؛ ليعرف الأوردة من الشرايين، ويعرف الأعصاب من الغدد والعضلات وغيرها.
فالقراءة المتأنية، والمتروية، والهادئة للمقال، ومعرفة مقصد، وهدف الكاتب من هذا المقال.. ضرورات أساسية، ومتطلبات حتمية، وواجبات رئيسية، لكي يُلِمَ الناقدُ بكل تفاصيل المقال.. فلا يغادر صغيرة، ولا كبيرة، إلا أحاط بها، واطلع عليها.
ثم يبدأ بتحديد الأدلة، والبراهين، والحجج، التي اعتمد عليها الكاتب؛ لإثبات ما يدعيه من الحقائق.. فيدرسها دراسة كاملة، ومستفيضة؛ ليعرف هل هي صحيحة، وهل هي حقيقية، أم مجرد ادعاءات كاذبة.
شروط النقد الأساسية
- أن يكون حيادياً مما ينقده، وألا يدع لأهوائه، ومزاجه، وآرائه الشخصية، من أن يكون لها أي تأثير على النقد.
- ألا يكون للصورة المسبقة عن الكاتب، المختزنة في عقل الناقد، أي تأثير على النقد.
- ألا يهاجم، أو يطعن في شخص الكاتب، وألا يسيء إليه، بكلمات نابية، مشينة، وبألفاظ جارحة ومهينة.
- ألا يتحول النقد من نقد للمقال، إلى نقد للكاتب، ويعمل على التشهير به، وسبه، وشتمه، وذكر عيوبه، وسيئاته، على الملأ أجمع.
- ألا يقتطع أجزاءً من المقال، فيسلط عليها الأضواء؛ بذريعة أنها سلبية، ويغض الطرف عن الأجزاء الأخرى الإيجابية؛ فيغفلها، ويهملها.
- ألا يتهم الكاتب في نياته، فالنيات لا يعلمها إلا علام الغيوب، رب العالمين، وألا يشكك في مقاصده، ومراميه، وأهدافه.
- ألا يتعرض لشخص الكاتب من قريب أو من بعيد. فالناقد الحصيف اللبيب يركز على شخصية المقال وليس على شخصية الكاتب.
- إذا أراد الناقد، أن يفند، ويدحض، الحجج والبراهين، الواردة في المقال.. فعليه أن يأتي بحجج، وبراهين أقوى منها؛ ليثبت صحة رأيه.
- أن يكون الناقدُ منصفاً، وعادلاً في نقده، وأن يخضع للحق، وأن يبين الصفات الإيجابية والسلبية الواردة في المقال دون تغليب أحدها على الأخرى للنيل من المقال ومن الكاتب.
- ألا يكون الغرض والهدف من النقد، تلمس الأخطاء والعيوب، ونشرها على الملأ للإساءة إلى الكاتب، والتشهير به.
أما آداب النقد، فقد وجدت في إحدى المدونات على الشبكة بحثاً في هذا الخصوص، فسأقتبس منه هذه الآداب. وإن كان العنوان يتحدث عن آداب النقد العلمي.. ففي الحقيقة الآداب واحدة - سواءً كان نقداً علمياً، أو فكرياً، أو سياسياً، أو اجتماعياً - فلا فرق بينها على الإطلاق.
آداب النقد العلمي
يجب أن يتوفر في الناقد مجموعة من الآداب لكي تكون عملية النقد العلمي صحيحة، وفيما يلي سوف نذكر أهم هذه الآداب :
- الإخلاص : يجب أن يكون الناقد العلمي مخلصا في عمله ، كما يجب عليه عدم هدم مجهودات الآخرين وإحباط أعمالهم ، بل عليه النقد بواقعية.
- الموضوعية : يجب أن يلتزم الناقد العلمي بالموضوعية وعدم التحيز ، كما لا يجب عليه نبذ الشخص المخالف له بالرأي.
- الأمانة في النقد : حيث يجب على الناقد أن لا يكتفي بتسليط الضوء على الأمور السلبية في البحث، بل عليه الحديث عن الأمور الإيجابية فيه أيضا.
- الابتعاد عن الحديث بأسلوب التحدي : وذلك لأن مهمة النقد إظهار الأمور على حقيقتها ، وليس من مهمته الدخول في جدال عقيم مع الأشخاص).
غير أن بعض الناس، الذين ليس لهم خلق، ولا دين، ولا يتمتعون بأي قيم سامقة ، رفيعة ، فإنهم حينما يقرؤون أي مقال، أو أي منشور، ولا يعجبهم، ولا ينسجمون مع أفكاره، ولا يؤيدون الكاتب في توجهاته، ولا يقرون بكتابته.. فإنهم مباشرة يلجؤون إلى الطعن، والتجريح، والإساءة، والتشهير، والتشريح بالكاتب.
ولا شك أن هذا عمل غير صالح، وتصرف غير كريم، وسلوك غير أخلاقي، ولا أدبي، ويتنافى مع الأخلاق العامة.
أسباب الطعن في الكاتب
قلنا آنفاً: أن بعض الناس، قد يفعلون العكس.. ينتقدون الكاتب، ويشنعون مقاله، وكتابته، ويطعنون في شخصه، ويذمونه.. وربما يسخرون منه، ويستهزئون به، ويتركون المقال، فلا يقتربون منه قيد أنملة.
لماذا – يا ترى – يفعلون ذلك؟!
- قد يكون أحد القراء! قد لمس أن موضوع المقال، يستهدفه شخصياً، بالرغم من أنه لم يرد اسمه، غير أنه يتصف بنفس الصفات التي يذمها المقال – مثل الخيانة أو الكذب أو سواه – فتحصل له لسعة في الصميم – بشكل غير مباشر - كلسعة العقرب، فيصيبه في مقتل، مما يدفعه هذا إلى التوتر والتشنج، وإلى التهجم على الكاتب؛ انتقاماً لنفسه التي أصابتها هذه اللسعة. كقصة سارق الدجاج، الذي جاء إلى المسجد؛ استجابة لدعوة قاضي القرية.. فلما قال القاضي: لِمَ أحدكم يأتي إلى المسجد وعلى رأسه ريش الدجاج، فإن السارق بشكل انعكاسي، ولا شعوري، ولا إرادي.. يرفع يده إلى رأسه؛ ليزيل الريش من على رأسه، وما كان على رأسه شيء، ولكن الخطاب أصابه – هو وليس غيره – في مقتل.
- قد يكون نتيجة سوء فهم، فلم يفهم القارئ، مراد الكاتب كما ينبغي.. بل فهمه بعكس ما يريد الكاتب، مما يدفعه إلى التحامل على الكاتب، ووصفه بأوصاف غير لائقة.
- أو قد يكون القارئ، لم يفهم المقال كلياً، مما يدفعه إلى السخرية، والاستهزاء بالكاتب، لأنه لم يفهم شيئاً.
- وأهم سبب للطعن بالكاتب هو: تجرد أحد القراء من الدين، والأخلاق، أو وجودهما بشكل ضعيف.. إذ أن وجود الدين، والخلق الكريم، يعصمان الإنسان من الإساءة إلى أي إنسان، بله، الكاتب.
من أجل ذلك! فالمفروض في الناقد، أو من يريد أن ينقد أي مقال، أن يكون حصيفاً، لبيباً، يركز كل اهتمامه على موضوع المقال فقط ، دون المس ولو من بعيد، أو بشكل غير مباشر بشخص الكاتب.
فشخص الكاتب، خط أحمر، لا يجوز - بأي حال من الأحوال - الاقتراب منه أبداً.