ستة نقاط تشرح لك لماذا الدولار هو المهيمن على التبادل التجاري العالمي.. .ولماذا لا نبيع نفطنا بعملتنا المحلية؟
يُعد الدولار صاحب حصة الأسد في تبادلات التجارة العالمية، كما في المخطط المجاور، فـإنّ 88% من مبادلات التجارة العالمية تتم بالدولار.
ولذا تحرص دول العالم على الاحتفاظ بالدولار، لتسديد التزاماتها التجارية والمالية مع شركائها التجاريين. فما سبب هيمنة الدولار؟ ولماذا تبيع الدول منتجاتها وبترولها مقابل الدولار وليس مقابل عملاتها الوطنية؟! نورد أدناه ستة نقاط تبين أسباب الهيمنة العالمية للدولار.
1- بزوغ نجم الدولار
بدأ النفوذ العالمي للدولار منذ عام 1944، أي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كانت دول أوروبا منهارة إقتصادياً، ولم تكن الصين قد نهضت بعد. في الحرب العالمية الثانية، كانت دول أوروبا قد استنزفت احتياطاتها من الذهب، ولم تكن نقودها تحظى بموثوقية في التبادلات التجارية.
لذا اتجهت الأنظار طلباً للمساعدة، نحو الولايات المتحدة ذات الدولار الموثوق واحتياطي الذهب الضخم، ولأن الأمريكيين لم يكن لديهم سببٌ للتخلي عن ذهبهم واعطاءه للأوربيين، فقد تم التوصل إلى حل وسط في اتفاقية برايتون وودز، تضمن الحل: أن يتم اعتماد الدولار كمعيار موازي للذهب في التبادلات التجارية، باعتبار أن الدولار كان مغطى فعلاً بالذهب..
ومن هنا بدأ الدولار بإنشاء إمبراطورية وإحكام سيطرته على التبادلات التجارية.
المحطة التاريخية المهمة الأخرى، هي مشروع مارشال الأمريكي عام 1947 لإعمار ومساعدة أوروبا، حيث تم ضخ ما يقارب 13 مليار دولار أمريكي، وهذا ما ساعد الدولار مرة ثانية على الإنتشار العالمي، وزيادة الطلب عليه لشراء المنتجات الأمريكية.
ثانيا: الولايات المتحدة، عملاق الاقتصاد..
يساهم الاقتصاد الأمريكي بما يقارب 24% من حجم الإنتاج العالمي، وهذا ما أدى لزيادة الثقة بالدولار الأمريكي كمخزن للقيمة، وكعملة لشراء المنتجات الأمريكية.
ثالثاً: العجز في التجارة الخارجية لأمريكا.
تدير الولايات المتحدة عجزاً في الميزان التجاري منذ ما يقارب الـ 30 عام، وهذا ما عزز من الحضور العالمي للدولار، قد يبدو الأمر مشوشاً، ولكن لنبسط الفكرة.
كأي دولة أخرى، تقوم الولايات المتحدة بالاستيراد والتصدير، وبالتالي فهي تدفع بالدولار عندما تستورد، وتقبض بالدولار عندما تُصدر منتجاتها، وهنا تكمن الفكرة الجوهرية، فالولايات المتحدة تضخ الدولار إلى العالم، أكثر مما تسحبه، وهذا ما خلق وفرة من العملة الأمريكية حول العالم.
لنفكر بالموضوع من باب (رب ضارة نافعة)، فالعجز التجاري بالتأكيد هو أمر سيء، ولكن في هذه الحالة قد خدم الدولار الأمريكي، وساهم بتعزيز حضوره العالمي.
أما الصين مثلاً، فهي تحرص على تحقيق فائضٍ في ميزانها التجاري، كما في المخطط المجاور، أي أنها تسحب النقود جراء بيع منتجاتها، أكثر مما تدفعه من النقود جراء شراء منتجات العالم.
وهذا الفائض هو فعلاً إنجاز يستحق الاحتفال، ولكنه من ناحية ثانية قد تسبب بندرة اليوان الصيني حول العالم.
والآن، لو قررتَ أن تشتري سيارة، فمن الصعوبة البالغة أن تجد العملة الصينية لكي تشتري المنتجات الصينية، لأن الصين لا تضخ عملتها للعالم، وبالتالي هناك ندرة باليوان الصيني!
بعكس ما فعلته الولايات المتحدة، التي جعلت الدولار متاحاً ومتوفراً لكي يشتري العالم منتجاتها.
رابعاً: أمريكاً تدير أكبر الديون في العالم
ذكرنا سابقاً الأسباب التي أدت لانتشار الدولار دولياً، والأسباب التي عززت حضوره عالمياً. لنتحدث عن سبب "جاذبية الدولار الأمريكي".
يشكل حجم الدين الأمريكي ما يقارب 31% من إجمالي حجم الدين العالمي، وبالتالي تقوم الدول التي تمتلك الدولار باستثماره من خلال شراء سندات الدين الامريكية، التي تدر دخلاً جيداً، خالي من المخاطر تقريباً.
لم تعد الدول تعبأ لوجود دولارات معطلة، ما دام تستطيع استثمارها من خلال إقراض الحكومة الامريكية وشراء السندات المدرة للدخل.
من باب المقارنة، تبلغ ديون اليابان 18% من إجمالي حجم الدين العالمي، ولكن الديون اليابانية في مستويات خطيرة مقارنة بالديون الامريكية.
ولهذا لا تفضل الدول كثيراً الاحتفاظ بالين الياباني، بسبب عدم جاذبية إعادة استثماره في الديون اليابانية، بينما خزن الثروة بالدولار يساهم بتوليد دخل إضافي من خلال استثماره في الدين الأمريكي
خامساً: أمريكا أكبر خزان ذهبي في العالم.
يُعتبر البنك الفيدرالي الأمريكي هو صاحب أكبر احتياطي للذهب في العالم، حيث يمتلك 8133 طن.. يكفي أن نعلم أن هذا الرقم يساوي تقريباً مجموع احتياطيات ثلاث دول الأكبر في احتياطياتها (ألمانيا، إيطاليا، فرنسا).
إن حجم احتياطي الذهب الذي تملكه الولايات المتحدة والذي يشكل 75% من حجم احتياطاتها، ساهم بتعزيز الثقة بالدولار الأمريكي، باعتباره العملة الأكثر تغطية بالذهب. للمقارنة تمتلك الصين ما يقارب 1842 طن، وهو ما يشكل نسبة 3% فقط من احتياطيات الصين.
سادساً: أمريكا تقود عجلة الابتكار
مع أن الدول الكبرى عالمياً تخصص موارداً ضخمة من ميزانيتها في سبيل دعم الابتكار والتطوير، إلا أن الولايات المتحدة هي المتفوقة وصاحبة المركز الأول في الإبتكار، حيث تستثمر أكثر من غيرها في مجالات البحث والتطوير.
وهذا يساهم مرة أخرى ومن طريق آخر بدعم الدولار، فالعالم سيحتاج عاجلاً أم آجلاً إلى الأخضر الأمريكي لشراء المنتجات المبتكرة والمتطورة التي لن يستطيع إيجادها في أسواق أخرى.
يمكن القول أن ميزة "الابتكار المعرفي" وريادة الأعمال" من المميزات الفريدة للمجتمع الأمريكي، وهاتان الميزتان مرتبطتان بمجموعة واسعة من القيم الاجتماعية والاقتصادية الأمريكية، وهذا ما يزيد من صعوبة خلق هاتين الميزتين في أي مجتمع آخر. وهما اللتان تحافظان على صدارة الاقتصاد الأمريكي وتفوقه خلال المرحلة المقبلة.
إن هذه الأسباب الستة هي بعض من الأسباب التي ما زالت تدفع الإقتصاد والدولار الأمريكي للتحليق في سماء التجارة الدولية وتعزيز حضوره العالمي.