استضاف عمران الحضارة يوم 27 نونبر 2020 في ملتقى ميلاد حضارة الدكتور البشير عصام المراكشي من المغرب، في مداخلة بعنوان: "ما هي الأسئلة الكبرى التي أجاب عنها الرسول صلى الله عليه وسلم لاستنهاض عزائم أتباعه؟ "، هذا نصها.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وسلم: أشكر القائمين على ملتقى ميلاد حضارة وأسأل الله تعالى أن يبارك في جهودهم.
من سنن الله المضطردة نجد في الكون أن الأمم لا تقوم وأن الحضارات لا تبنى إلا على أكتاف العاملين الجادين المخلصين، الذين يجمعون بين نصاعة المبدأ، وعلو الهمة في تنزيله في الواقع، وإذا تقرر أن الحضارة لا تقوم إلا على الهمم الراقية، والعزائم السامية، فإن هذه الهمم تواجهها في أذهان الناس في كل زمان ومكان مجموعة من الأسئلة تسبب الضعف وتفضي إلى الخور، تُخَذِلُ العامل عن العمل، وتزج به في متاهات الفشل والكسل.
وقد تدارك الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الأسئلة في مهدها وبَادرها بما يَجتث جذورها من قلوب أصحابه قبل أن تتمكن وتَستفحل وتستثمر ثمرتها الخبيثة الفاسدة المفسدة، فوجدنا الصحابة بسبب هذا الخطاب النبوي الجليل تحاول الجبال بلوغ شأو هممهم فلا ترجع من ذلك بقدر قطمير، وتتطلع سحب السماء إلى مطاولة عزائمهم فلا ترجع دونها بكبير ولا صغير.
وجماع هذه الأسئلة على جهات ثلاثة، فإنها إما أن تتعلق بالعامل وإما أن تتعلق بالعمل نفسه، وإما أن تتعلق بظروف العمل، وفي كل واحد من هذه الجهات محوران اثنان، وفي كل محور منها كان الجواب النبوي من وحي القرآن، ومن وحي السنة مؤسسا على ثلاثة أركان. فهذا هيكل الأسئلة وأجوبتها كما نبينه بإذن الله تعالى فيما سيأتي.
الجهة الأولى في العامل والأسئلة المطروحة في هذه الجهة ينتَظمها محورين اثنين هما:
- ضعف العامل من الناحية المادية.
- وضعفه من الناحية المعنوية.
العامل على إقامة الدين الذي يخشى الضعف المادي.. كيف أجابه المنهج النبوي؟
فالأول وهو ضعف العامل المادي ملخص السؤال فيه: كيف نعمل لإقامة الدين ونحن ضعفاء في أبداننا وأدَواتنا ونحن قليل في عددنا؟ وكان الجواب النبوي على ذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: التأكيد على أن القوة ليست مادية فقط، بل هي في لبها توفيق من الله سبحانه وتعالى،
وإذا كان الأمر كذلك فالعِناية بالأسباب الإيمانية سبيل تحصيلها، وإن وجد الضعف المادي، كما قال الله سبحانه وتعالى (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين) [سورة هود الآية: 52]، وكما قال الله سبحانه وتعالى أيضا (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) [سورة الحج الآية: 40] وقوله (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) [سورة المجادلة الآية: 21].
فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بمثل هذا الخطاب القرآني لتوخي النصرة من الله لا من الأسباب المادية، ولذلك كان المسلمون في أسمَالهم البالية يدكون عروش الطغاة ويقيمون حضارة الإسلام على أنقاضِهم.
الوجه الثاني: التذكير بأن الضعيف قد يغلب القوي
(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) [سورة البقرة الآية: 249]، وأن العبرة بخواتيم العمل لا بما يقع للعامل في بدء عمله من المحن والابتلاءات، وفي حديث أبي سفيان مع هرقل بالشام قال هرقل: فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، الخطاب النبوي لأصحابه لا غش فيه ولا بيع للأوهام، بل فيه التنصيص على ضرورة الإبتلاء، كما قال صلى الله عليه وسلم (أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الإنسان على قدر دينه لكن العبرة بمن تكون له العاقبة).
والوجه الثالث التوجيه إلى مدح القوة في ذاتها وإلى لزوم الأخذ بالأسباب المادية المتاحة لتحصيلها:
وهذا منهج الأنبياء صلى الله عليهم أجمعين، منهج يحيى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) [سورة مريم الآية: 11]، ومنهج موسى عليه السلام يا موسى (فخذها بقوة وامر أهلك أن يأخذوا بأحسنها) [سورة الأعراف الآية: 145]، وهي الوصية لبني إسرائيل (خذوا ما أتيناكم بقوة) [سورة البقرة الآية: 63]، وفي كتاب ربنا (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) [سورة الأنفال الآية: 60]، وفي سنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) وفي صحيح مسلم (ألا إن القوة الرمي) ومن القوة العلم، والخطاب الشرعي في الحث عليه أظهر من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه، ومن القوة أيضا حسن التخطيط، وفي السيرة النبوية من النماذج على ذلك ما لا يحصى عددا.
ماذا عن المنهج النبوي لتحصين نفس العامل من الضعف المعنوي؟
المحور الثاني وهو ضعف العامل المعنوي، ملخص السؤال فيه: كيف نعمل وننجح في عملنا ونحن بشر ضعاف، تتجاذبنا أهواء النفوس وتُهلكنا أمراض القلوب؟
والجواب النبوي من ثلاثة أوجه كذلك هي:
الوجه الأول: التركيز على تقوية الإيمان بالذكر والاستغفار، وتنويع العبادات، والحث على النوافل بعد الفرائض، وعلى الاستكثار من القربات والطاعات،
وأدلة ذلك في السنة أكثر من أن تحصر، ثم ربط جميع ذلك بالعلم الشرعي، وحظ المسلم عليه ليعبد الله على بصيرة ويدفع بالعلم الحيرة والشكوك، فبالإيِمانيات تدرأ الشهوات، وبالعلم تدفع مزالق الشبهات، ومن أعظم الآفات في العاملين في دين الله في عصرنا تطرق الخلل إليهم من إحدى هاتين الجهتين: نقص في تزكية القلوب، أو قصور في مدارك العلم الشرعي فيحدث بسبب ذلك فساد عريض.
الوجه الثاني: تحذير العاملين من مخاطر المنافقين المرَجِفِينَ المخذلين الذين لا يحاربون الإسلام من الجوانب المادية، بل من الناحية المعنوية، فَيؤثرون على قلوب الناس بأرَاجيفهم، ويدمرون التماسك النفسي للعاملين للإسلام
فهم كالحشَائش الطفيلية التي حقها الاستئصال ليسلم النبات الطيب، ويثمر بإذن الله، وتحذير الخطاب القرآني والنبوي من النفاق وبيانه لعلاماته، وفضحه لأعمال المنافقين ظاهر كثير جدا.
الوجه الثالث: التأكيد على بشرية العامل، وعلى إمكانية سقوطه بين الفينة والأخرى، وأن ذلك ليس قادحا في إيمانه ولا محبطا لأعماله، ولا مهدرا لحسناته،
وقد ضعف عمار رضي الله عن عمار وعن آله، تحت داعية الإكراه الشديد فسقط في الظاهر، لكن باطنه بقي قائما كالطود الشامخ، فلما شكا إلى الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ذكّره ببَشريته وأذن له في مسايرتها، إن عادوا فعد ما دام القلب لم يتحول عن مواقعه قيد أنملة، إلا من أُكْرِه وقلبه مطمئن بالإيمان، فمن منا ليست له سقطات وعثرات، وأن السعيد من يأتي بعد كل سقوط بنهوض، ويجعل من كل عثرة مرقاة إلى علياء يسعى إليها.
الجهة الثانية في العمل والأسئلة المطروحة في هذه الجهة ينتَظمها محوران أيضا:
- في صعوبة العمل
- وفي صعوبة النجاح
في مواجهة صعوبة العمل.. ما هو زاد المؤمن العامل؟
فالوجه الأول المتعلق بصعوبة العمل ملخص السؤال فيه:
هذا العمل الذي يطلب منا صعب كبير لا قبل لنا به، ولا طاقة لنا عليه، فأين نحن من إقامة الدول وبناء الحضارات؟
والجواب النبوي من أوجه ثلاثة:
الوجه الأول: التذكير بأن العمل مهما يكن صعبا فإنه يسهل على المؤمن القوي بإيمانه،
الذي يتناول جرعات مركزة وكافية من مقويات الإيمان ومحفزات القلوب، ومزكيات النفوس من ذكر واستغفار ودعاء وغير ذلك، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين قدوة من نفسه، فكان يلح على ربه في الدعاء حين يخوض من المعارك ما تشهد العادة بأنه لن ينتصر فيها لولا النصر الإلهي، فها هو ذا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَصُفُ صفوف المسلمين في بدر وهم ثلاثمائة وتسعة عشر في مواجهة ألف من المشركين، ثم بعد الأخذ بالأسباب المادية يلجأ إلى ربه سائلا متضرعا (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فمازال يهتف بربه سبحانه وتعالى مادًا يديه مستقبلا القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر من خلفه فأخذ رداءه وألقاه على منكبيه، ثم التزمه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فكان النصر لأهل الإيمان والإحسان وتمام الخضوع والتسليم للملك الديان سبحانه وتعالى.
الوجه الثاني: تفريغ العامل للعمل السامي العظيم وتخليصه من الانشغال بالتفاهات والسفاسف التي تنافس معالي الأمور،
وفي الحديث الصحيح عند الإمام مسلم (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) وفي هذا الحديث هذان الجوابان هذا والذي قبله.
أوجد لي مسلمين قلوبهم معلقة بالله وقلوبهم وعقولهم وأبدانهم مشغولة بالراقي العالي عن المنحط والتافه أضمن لك الظفر والنجاح بإذن الله سبحانه وتعالى.
الوجه الثالث: تعظيم الجزاء الدنيوي والأخروي على العمل:
حتى إذا قارن العامل بين صعوبة العمل، وضخامة الأجر الموعود عليه، اطمئنت نفسه إلى مجابهة المخاطر، ومقارعة الخطوب حتى لو طلب منه حمل جبل لشَمر عن ساعديه، وشرع في الإعداد لحَمله لأهمية معرفة الجزاء في تذليل صعوبات العمل، وقد كثر في كتاب الله تعالى وسنة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصف الجنة ونعيمها مع ذكر ألوان من الجزاء في الدنيا أيضا.
النصر.. فلسفة تتجاوز النجاح المادي المجرد
ملخص السؤال فيه:
كيف السبيل إلى النجاح في هذه الأعمال المطلوبة منا، والانتصار في المعارك التي نخوضها؟
والجواب النبوي من ثلاثة أوجه أيضا:
أولا: التبشير بالإنتصار ولو بعد حين، ومن علم أن النصر قادم فإنه يكون في أعلى درجات الثقة والثبات، فعند أحمد وغيره (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عِزٌا يعز الله به النصر، وذِلاً يذل الله به الكفر) وعند الإمام مسلم (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلْكَ أمتي سيبلغ ما زوي لي منها) والبشارة علاج الخوف من الفشل، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بمدائن كسرى وقيصر وغيرهما، وهم في أحوال الحصار أيام معركة الخندق.
والبشارة أيضا علاج للتردد والحيرة لذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تردد علي بن حاتم في دخول الإسلام قال له (والذي نفسي بيده ليُتِمَنَ الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت من غير جوارها) وهذه البشارات وغيرها ما تزال موجودة بأيدينا، فأين من يحييها اليوم بإعادة بثها بين الناس لعلهم يخرجون من سراديب الشك، والقنوط والإحباط.
ثانيا: تأكيد معاني عدم الاستعجال للوصول إلى النتائج، شكى الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة ما يجدون من الأذى، فقالوا يا رسول الله ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا فأخبرهم ببعض أحوال من سبقهم ثم قال (والله ليُتٍمَنَ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
ثالثا: انتزاع هوس النجاح المادي من القلوب بتغيير مفهومه مما يطلبه عامة الناس، من تحصيل رضا الله، فليس النصر وحده نجاحا، بل الشهادة أيضا نجاح ما بعده نجاح، وما دام العامل محققا في عمله رضوان الله سبحانه وتعالى، فلا يهمه أن يصل إلى غاية عمله أو لا يصل، فالقوم الذين يحرصون على الشهادة حرصهم على النصر، ويحرصون على رضا الله سبحانه وتعالى في كل عمل أشد من حرصهم على تحقق النتائج المادية المحسوسة للعمل، هم قوم لا يهزمون، ولا ينتكسون ولا يفشلون، بل هم في نجاح دائم لا ينقطع.
فمُلخص الجواب النبوي على هذا السؤال إذن هو: النجاح سيأتي بإذن الله، وإذا تأخر فلا تستعجلوه، ولو لم يأتي أصلا فهو ليس مقصُودكم الأعظم، بل المقصود رضا الله عليكم.
الجهة الثالثة فهي في ظروف العمل والأسئلة المطروحة في هذه الجهة ينتَظمها محوران كذلك هما:
- قوة الخصم.
- صعوبة الظروف.
3 وسائل يُستعان بها لمقاومة العدو وتحصيل المناعة النفسية
فأما الأول وهو قوة الخصم فمُلخص السؤال فيه:
كيف نقاوم أعدائنا في الداخل والخارج، من نفس أمارة بالسوء، ومن شيطان، ومن عدو خارجي وهم أقوياء مقتدرون؟
والجواب النبوي على ذلك من أوجه ثلاثة أيضا:
الوجه الأول: اجتثاث فكرة أفضلية العدو من قلوب المسلمين،
فإن العلو للإيمان وأهله (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم صادقين) [سورة آل عمران الآية: 139]، والكافر وإن تبختر في خيلائه واستعلى في كبريائه، فليس له على المؤمن سبيل أبدا، والشيطان رُدَ كيده إلى الوسْوسات والخواطر التي تدفعها الاستعانة بالله (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) [سورة النساء الآية: 76]، النفس التي تأمر بالسوء إن لم يرحمها الله فيحميها من ذلك، ولذلك قال الله عز وجل (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) [سورة يوسف الآية: 53]. قارن هذا كله بالهزيمة النفسية التي يعيش فيها كثير من المسلمين المعاصرين اليوم.
الوجه الثاني: التأكيد على سنن الله في الكون، والتي منها تداول القوة والضعف،
من هو اليوم قوي في أعلى مراتب القوة، قد يكون غدا في أرذل دركات الضعف، (فإن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس) [سورة البقرة الآية: 154].
الوجه الثالث: الحث على التكاثف الاجتماعي، وعلى مراعاة حقوق الأخوة،
مما يجعل بعض الناس إذا ضعفت همته عن مدافعة الخصم توجه إلى غَيره ليسْتلهم منه رفعا للهمة وإذكاءً لوهج العزيمة مع ما في الهمة من تحصيل لأسْباب القوة، (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) [سورة الأنفال الآية: 46] قوله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) [سورة آل عمران الآية: 112].
ولا شك أن الاجتماع قوة، وأن الاختلاف ضعف وشر، وملخص الجواب إذن في هذا المحور الأول هو أن العدو ليس قويا في ذاته، ولو كان قويا فلن يدوم على قوته، ونحن أقوياء أيضا باجتماعنا.
خطوات لإحياء الهمم في ظل صعوبة الظروف
المحور الثاني في صعوبة الظروف وملخص السؤال فيه: كيف ننجح وظروف العمل شاقة عسيرة، ففي كل شبر من الطريق عناء وبلاء، ولَأواء ودماء؟
والجواب النبوي من ثلاثة أوجه أيضا:
الوجه الأول: تربية الأتباع على قيمة الصبر
(فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله) [سورة آل عمران الآية: 200]، وكما قال تعالى (واصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) [سورة الأحقاف الآية: 35]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، والصبر يهد المصاعب ينسف المشقة.
والوجه الثاني: بيان كون الأجر على قدر المشقة،
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) وكما قال تعالى (ذلك بأنه لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيض الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح) [سورة التوبة الآية: 128].
والجواب الثالث: الحث على التنافس في مقارعة الخطوب،
بحيث يصبح الصعب مسْتمرئا مستساغا كما قال تعالى (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) [سورة البقرة الآية: 148]، وحين يكون العمل صعبا فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث على التنافس فيه، وتأمل هذا الحديث (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حَبْواً) والحديث في صحيح مسلم.
إذن هذه هي أهم الأسئلة التي يمكن أن يطرحها العاملون من المسلمين في زمن الاستضعاف اليوم، قد أجاب عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل قرون فأحيا بها همم أتباعه، واستنهض بها عزائم أصحابه، فانطلقوا يبنون أسسا لحضارة إسلامية بالغة على ركن ركين من التوحيد والاعتصام بالوحي، فهل من مشمر اليوم ليَنهج النهج نفسه، ويستلهم هذه الأجوبة الراقية لعل الله يحيي من الأمة ما كاد يكون رميما، والله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.