مع تزايد الولع بالاكتشافات العلمية والحقائق الملموسة، أدى ذلك إلى محاولة بعض المفكرين لإعادة تفسير الآيات القرآنية على ضوء أبحاث علمية تتصل بعدد الكواكب والمجرات والسنوات الضوئية وغير ذلك من الاكتشافات الحديثة، فيتم التكلّف والتحامل لاستخراج معان من الآيات القرآنية تتوافق مع العلم الحديث، فتتم مقارنة الآيات بالنظريات.
فهل نحتاج إلى إعجاز علمي في القرآن الكريم كي نؤمن به حقا؟
إن القرآن الكريم كتاب معجز بمقاصده، فقد جاء ليعالج الفطرة البشرية ويصلحها ويقوّمها من الأهواء والشوائب، فهو يضع للبشرية منهجًا متكاملاً لتسير عليه، ولو شاء الله أن يجعله كتاب خارق للطبيعة لخلق حوله عجائب ظاهرة للعيان.
الفرقان لا يحتاج منا إلى العلم أو العجائب للإيمان به، إنّما يحتاج للفطرة السليمة المهيئة للتلقي، فالقرآن برهان ذاته، يكفي أن يتلوه الإنسان الصادق لكي يعلم أنه كلام الله حقا.
فعند قراءة القرآن الكريم نجد آيات عن التوحيد والإيمان به والحياة بعد الموت والقيامة والنشور، مع الحرص الشديد على عبادة الله وحده والنهي عن اتخاذ شريك معه، وقد يتساءل البعض ما العبرة من ذلك؟ ببساطة لأن الإنسان لن تستقر حالته النفسية وهو يعيش في ريب وشك من وجود خالق من عدمه.
كما لن تستقيم أفعاله مهما كان محافظا، لأنها قابلة أن تتغير حسب مبادئه التي سيختار أن يؤمن بها، فكل شيء بالنسبة له ينتهي بعد الموت وبالتالي قد يقدم على فعل أي أمر غير مرغوب فيه، ولذلك يعتبر الشرك من أعظم الذنوب.
كما ذكر لنا القرآن الكريم بيان الطريق المستقيم ومنهج الله القويم وذكر الأخلاق السامية مع أضدادها السافلة المزرية بالإنسانية، فنرى عواقب الخمر على ذهاب العقل حيث يفقد الشخص إدراكه بالواقع ولذلك نتائج وخيمة، ونرى عواقب الزنا على تفكك الروابط الأسرية إضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة بين الناس، ونرى عواقب السرقة وعدم حفظ الأمانة على الفاعل قبل المفعول به حيث يفقد ثقته بين الناس ويصبح شخص منبوذ من الجميع.
لكن البعض يعتبر أن الأخلاق نسبية، فتقول وجهة نظر الأخلاق النسبيّة بِأَنَّ جميع الأحكام الأخلاقيّة ومبرراتها ليست مطلقة أو موضوعية أو عالميّة، بل هي تتعلق بتقاليد ومعتقدات وممارسات وتاريخ مجموعة من الأشخاص.
لكن نقول إن هناك بعض الأفعال التي نهى عنها القرآن الكريم غير مقبولة لدى كل المجتمعات كقتل النفس والسرقة والظلم والاعتداء..، أما بقية النواهي والمحرمات فهي جاءت لترتقي بالإنسان من حال الحيوانية إلى حال الإنسانية، فقد جاء القرآن الكريم هنا ليهذب النفوس وينير القلوب على الاستقامة السامية.
أما الأحكام التشريعية من عبادات ومعاملات وجنايات وحدود ومواريث وأحوال شخصية وما إلى ذلك من الشؤون، فهي تسعى بلا شك لتنظيم وإدارة حياة الناس بشكل قويم.
وقد يتساءل البعض عن الغاية من ذكر قصص الأنبياء وما حصل للأمم السابقة، فنقول إن َّ للقصة أثرًا عميقًا في النفوس؛ لما تحتويه من جوانب الاعتبار والاتِّعاظ بالأمم السابقة، وهي وسيلةٌ للوصول إلى قلوبِ الناس وعقولهم، كي يرتقوا بها من الظلمات إلى النور، ويأخذوا بأيديهم إلى الطريقِ القويم.
المقام لا يتسع هنا لذكر كل مقاصد القرآن الكريم، لكن يكفي أن يتدبر المرء في الغايات والأهداف القرآنية والأسلوب المنفرد في التعبير، وسوف يرى المعجزات الإلهية تتجلى في كل جزء من كتاب الله.
ومع ذلك لا يجب التصدي للباحثين في كتاب الله أو في أي مجال كان، بل وجب التشجيع على البحث والتفكير، لكن عند الغوص في مثل هذه المسائل، يجب تقديمها كاجتهادات شخصية، وليس كعلم دقيق، لعدم تعريض كلام الله للتجريح.